الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/11/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 فقرة ( لا ضرر ):-
 عرفنا أن حديث ( لا ضرر ) يشتمل على فقرتين الأولى هي فقرة ( لا ضرر ) والثانية هي فقرة ( لا ضرار ) وحينما نريد أن نتحدث عن المعنى المجموعي للحديث لابد من فرز إحدى الفقرتين عن الأخرى ، ولذلك نتحدث أوّلاً عن فقرة ( لا ضرر ) وماذا يستفاد منها ثم بعد ذلك نتحدث عن فقرة ( لا ضرار ) ، ولعل النتيجة التي سنصل إليها هي أن مفاد الفقرة الثانية شيء آخر يغاير مفاد الفقرة الأولى ، وكثيراً ممن تعرض إلى هذه القاعدة - كالشيخ الأنصاري(قده) - لم يفرزوا بين الفقرتين بل بحثوا فيهما بحثاً واحداً.
 والاتجاهات الرئيسية في المقصود من المعنى المجموعي لفقرة ( لا ضرر ) ثلاثة:-
 الأول:- ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل وحاصله:- إن المقصود هو نفي الحكم الشرعي في حالة الضرر أو سبَّب إلى الضرر فالوضوء متى ما إذا أدى إلى الضرر - كما لو كان المكلف مريضاً كان مرتفعاً.
 الثاني:- ما ذهب إليه الفاضل التوني(قده) وهو أن المقصود نفي الضرر غير المتدارك ، فمفاد الحديث إما انه لا يوجد ضرر في الحكم الشرعي أو يوجد ضرر ولكنه متدارك ومعوَّض.
 الثالث:- ما اختاره شيخ الشريعة(قده) وهو أن المقصود هو النهي دون النفي - أي ( لا تضر ).
 هذه اتجاهات ثلاثة رئيسية ولعل في بعضها اتجاهات فرعيّة كما سوف نلاحظ في الاتجاه الأول إنشاء الله تعالى فان صاحب الكفاية يختلف اتجاهه عن اتجاه الشيخ الأعظم ولكنه ليس اختلافاً في الأساس وإنما اختلافاً في الفروع .
 وإذا أمكن عدً ما يظهر من الشيخ الصدوق(قده) اتجاهاً صارت الاتجاهات أربعة فانه ذكر في كتاب الفقيه [1] أن ما يستفاد من ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) يعني أنه بسبب الاسلام الإسلام لا ضرر ولا ضرار فالإسلام لا يسبب لك الضرر بل يسبب لك الخير والسعادة ، فهو قد فسّر كلمة ( في ) بمعنى السببية من قبيل ( ان امرأة دخلت النار في هرة .. ) - أي بسبب هرة - ، وهذا المعنى يغاير تلك الاتجاهات فتصير أربعة ، وقد ذكر الشيخ الصدوق هذا المضمون حينما وصل إلى مسألة أنه لو فرض أن الكافر قد مات وكان له أولاد كفّار فهل يرثه أولاده الكفار ؟ قال:- نعم ، ثم طرح تساؤلاً وقال:- لو فرض أن أحد أولاده قد أسلم فهل يرث من والده الكافر أو يقال كلا لأن أهل الملتين لا يتوارثان ؟ يوجد رأي يقول إن هذا الوارث المسلم لا يرث أباه الكافر - وهذا لعله رأي لبعض العامة - والشيخ الصدوق(قده) يتحامل عليه ويقول:- إن لازم هذا هو أن الإسلام صار سبباً للخسارة والحال أنه يزيد المرء عزّاً وكرامةً وكيف يمنع من الإرث مع قوله صلى الله عليه وآله ( لا ضرر ولا إضرار في الإسلام ) وهو لم يصرح بكون معنى ( في ) هو السببية ولكن نحن نفهم ذلك من كلامه فلاحظ نصّ عبارته حيث قال:- ( لا يتوارث أهل ملّتين ، والمسلم يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم وذلك إن أصل الحكم في أموال المشركين أنها فيء للمسلمين وأن المسلمين أحق بها من الشركين وإن الله عز وجل إنما حرّم على الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم كما حرّم على القاتل عقوبةً لقتله فأمّا المسلم فلأيّ جُرمٍ وعقوبةٍ يُحرم الميراث وكيف صار الإسلام يزيده شرا ؟! مع قول النبي صلى الله عليه وآله " الإسلام يزيد ولا ينقص " ومع قوله عليه السلام " لا ضرر ولا إضرار في الإسلام " فالإسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شراً ومع قوله عليه السلام " الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ") . إذن الشيخ الصدوق يفسّر الحديث بمعنىً يغاير تلك الاتجاهات الثلاثة تماماً.
 وتعليقنا على ما ذكره باختصار:-
 أوّلاً:- إن قيد ( في الإسلام ) ليس موجوداً في الرواية المعتبرة ذات السند - أعني الروايات الحاكية لقصة سمرة أو لمسألة الشفعة أو ورايات المن فضل الماء - فان هذه الروايات لها أسانيد معتبرة وليس فيها قيد ( في الإسلام ) وأما ما كان فيها قيد ( في الإسلام ) فهو مرسل من قبيل ما ذكره ابن الأثير في نهاية الإرب ومن قبيل ما ذكره الشيخ الصدوق(قده) ومن قبيل ما ذكره الشيخ الطوسي(قده) في بعض كلماته في الخلاف.
  فالخلاصة:- إذا كان القيد ليس بموجود في الروايات المعتبرة فالمناسب ملاحظة الروايات المعتبرة وهي خالية منه.
 وثانياً:- لو فرضنا أن هذا القيد موجود في روايات الشفعة أو قصّة سمرة ولكن لا يمكن تفسير ( في ) في هذه الروايات بالسببية إذا لا معنى لذلك ، فمثلا قوله عليه السلام ( قضى صلى الله عليه وآله بالشفعة وقال لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) لا معنى أن نفسر كلمة ( في ) الواردة فيه بمعنى بسبب الإسلام وإنما المناسب أن نفسّرها بمعنى الظرفية يعني أنه في أدبيات الإسلام وتعاليمه وأحكامه لا يوجد ضرر وضرار.
 وثالثاً:- لو تنزلنا وفرضنا أن المراسيل الواجدة لقيد ( في الإسلام ) معتبرة ولكن هي لم ترد في باب إرث المسلم للكافر بعنوانه وبخصوصه حتى نفسّر (في ) بمعنى السببيّة وإنما هي واردة بشكل مطلق ، وحينئذ كما يحتمل أن تكون للسببيّة كذلك يحتمل أن تكون للظرفية فكيف تحملها على السببيّة بعدما كان كلا الاحتمالين وارد ؟!
 وعلى هذا الأساس نكتفي بهذا المقدار في مناقشة الشيخ الصدوق(قده) وإنما المهم هو ملاحظة تلك الاتجاهات الرئيسية الثلاثة وأهمها الاتجاه الأول والذي سنقف عنده طويلاً.


[1] الفقيه 4 243 778.