الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 الدليل الثالث:- والذي ربما يكون متمّماً للدليل الثاني وحاصله:- ربَّ قائل يقول صحيح أن الهيئة لا تستعمل في إفادة نسبتين ولكن هذا يتم فيما إذا كانت النسبتان عرضيتين ، ولكن لم لا نقول في باب المفاعلة بأن الهيئة تدل على نسبتين بنحو الطوليّة فحينما أقول ( قاتل زيد عمرواً ) فالهيئة تدل بالمطابقة على أن زيداً قاتل عمرواً وبالالتزام تدلّ على أن عمرواً قاتل زيد أيضاً ، وبناءً على هذا سوف لا تكون النسبتان في عرضٍ واحدٍ ، ومعه أمكن دلالة الهيئة على النسبتين ما دامتا بنحو الطولية لا بنحو العرضية.
 إنه(قده) أراد ان يدفع بهذا الدليل احتمال الطولية بين النسبتين وحاصل ما ذكره:- أنه لا تعقل الطوليّة بين النسبتين فهي غير معقولة في حدّ نفسها والوجه في ذلك هو أن الطوليّة المفروضة المذكورة إما أن تكون ثبوتية أو تكون إثباتية أي إما في عالم الثبوت والواقع أو في عالم الإثبات والدلالة وكلاهما باطل فلا طوليّة ثبوتاً ولا طولية إثباتاً
 أما أنه لا طولية ثبوتاً:- فلأن الطوليّة الثبوتية فرع أن تكون النسبة الثانية من لوازم النسبة الأولى فلو كانت من لوازمها فالطوليّة تصير معقولة ثبوتاً ، أما إذا لم تكن هناك ملازمة بين النسبتين فالطولية لا تكون معقولة في حدّ نفسها ثبوتاً ومقامنا من هذا القبيل - أي من القبيل الثاني - وذلك باعتبار أن النسبة الأولى هي أن زيدا قاتل عمرواً ومن المعلوم أنه ليس من لوازم ذلك أن عمرواً يقاتل زيداً فالنسبة الثانية ليست من لوازم النسبة الأولى يعني أن القتال الصادر من الأول لا يلزمه صدور قتال من الثاني حتى نقول إن النسبة الثانية هي في طول الأولى ، كلا إن الطولية فرع كون النسبة الثانية لازمة واقعاً للنسبة الأولى والحال أنه من الواضحات أن النسبة الثانية ليست لازمة واقعاً للنسبة الأولى ، وقد اشار(قده) إلى هذا المطلب بقوله ( أما في مقام الثبوت فانه لابد من فرض نسبتين بحيث تكون أحداهما لازماً للأخرى فليس ضرب عمروٍ زيداً لازماً لضرب زيدٍ عمرواً ) [1] .
 ثم أضاف شيئاً آخر ولو أخّره إلى عالم الاثبات لكان أفضل ولكنه تسرع وذكره في عالم الثبوت والحال ان ذكره هناك أنسب وحاصله:- إن الهيئة لا تدل إلّا على نسبة واحدة والطولية فرع الاثنينية لا فرع الوحدة ومادامت الهيئة لا تدل على نسبة واحدة فكيف نتصور الطوليّة ؟! وهذا هذا الكلام كما ترى يتناسب مع عالم الاثبات - أي أن الهيئة لا تدل إلا على نسبة واحدة اثباتاً - وقد أشار إلى ذلك بقوله ( والهيئة الواحدة لها نسبة واحدة هي مدلولها المطابقي ومع الوحدة لا أصالة وتبعيّة فإنها فرع الاثنينية ) .
 وأما اثباتاً:- فباعتبار أن الإثبات فرع الثبوت ، يعني إن كانت هناك طوليّة ثبوتاً فيأتي الكلام في أن اللفظ يدل عليها إثباتا أو لا ؟ أما إذا لم تكن هناك طوليّة ثبوتاً وهي باطلة في حدّ نفسها ثبوتاً فلا تصل النوبة إلى مقام الإثبات ، قال(قده):- ( وأما في مقام الاثبات فلأن الأصالة والتبعية في الدلالة فرع الأصالة والتبعية في المدلول وقد عرفت عدمهما ).
 وفي مقام التعليق نقول:- أما ما أفاده في الدليل - ومهم الدليل الذي ذكره هو أن الهيئة لا يمكن أن تدل على نسبتين إذ الهيئة تدل على نسبة واحدة ولا تتحمل إفادة نسبتين فجوابه:- هذا صحيح ولكن لِمَ تفسّر الاثنينية بوجود نسبتين فان أهل الأدب قالوا إن صيغة المفاعلة تدل على الاثنينية ولم يقولوا هي بنحو النسبتين بل لتكن النسبة واحدة غايته يوجد لها طرفان فالاثنينية هي بهذا الاعتبار - يعني اثنينية الطرفين لا اثنينية النسبة - فيرتفع بذلك الاشكال ، وهذا شيء تعلمناه منه(قده) فانه في باب التفاعل قال لا توجد نسبتان بل نسبة واحدة لها طرفان فنقول له لنقل الأمر كذلك في باب ( فاعَلَ ) فهو يدل على نسبة واحدة غاية الأمر أنه يوجد لها طرفان ، وعليه فالإشكال مرتفع من أساسه ولا تصل النوبة إلى الدليل الثالث - أي مسألة الطولية - بل نحن نلتزم بالعرضية ولكن بهذا النحو - أي بنحو النسبة الواحدة التي يوجد لها طرفان -.
 وأما ما أفاده في الدعوى:- - وهي أنا قد راجعنا القرآن الكريم والاستعمالات الأخرى فلم نجد أن باب ( فاعل ) قد استعمل في الاثنينية وهذا هو لعله دليله الأول الذي نحن جعلناه الوجدان العرفي يعني أن الوجدان العرفي شاهد على أنه في الاستعمالات العربية سواء كانت قرآنية أو غيرها لا يفهم الاثنينية - فيمكن أن يجاب عنه بأنه ما المقصود من كلامك هذا ؟ فهل تقصد أنه لا يوجد استعمال لباب ( فاعَلَ ) يراد منه الاثنينية أبداً وهو منفي رأساً بحيث لا يوجد حتى استعمال واحد أو أن مقصودك أنه هناك استعمال في الاثنينية أحياناً ولكن في نفس الوقت هناك استعمال في غير الاثنينية ؟ فان قصدت الأول فهذا خلاف الوجدان فان بعض صيغ ( فاعَلَ ) نفهم منها الاثنينية مثل ( قاتل زيد عمراً ) فانا نفهم أن زيداً أخرج سلاحه وعمرواً أخرج سلاحه أيضاً غايته هو أن زيداً هو الذي أخرج سلاحه أوّلاً وهو الذي ابتدأ أوّلاً وعمرو فعل ذلك ثانياً لا أن عمرواً لم يصدر منه شيء أبداً وإلّا فلا نعبّر بـ( قاتل ) بل نعبّر بـ( قتل زيد عمرواً ) ، وهكذا الحال في ( بارز ) فانّا نفهم منه الاثنينية فزيد بارز عمرواً وعمرو أيضاً بارز زيداً غايته إن الذي بارز أوّلاً هو زيد وإلّا فلا نعبّر بكلمة ( بارز ) وإنما نعبر بكلمة ( برز زيد لعمرو ) ، وهكذا مثل كلمة ( ضارب ) . وإذا كان المقصود هو الثاني أي يوجد استعمال ولكنه في نفس الوقت تستعمل في غير الاثنينية فهذا شيء صحيح ونقبله منه ولكن نقول:- إن أهل الأدب لم يقولوا بأن الاثنينية هي المعنى الوحيد لصيغة وباب المفاعلة بل ذكرت له بعض المعاني وإلّا فهم يذكرون لباب المفاعلة معانٍ متعددة أحدها الاثنينية فلا يتسجل هذا نقضاً عليهم فانه بناءً على هذا الاحتمال هم لا يقولون بأن هيئة باب المفاعلة مستعملة دائماً في الاثنينية ولم يدّعوا ذلك وإنما هو أحد معانيها ، والأمر لا يستحق الإطالة أكثر من هذا.
 البحث الثالث:- المعنى المجموعي لفقرة ( لا ضرر ولا ضرار ).
  يعني ماذا نفهم من هذه العبارة المباركة ؟ وماذا يريد النبي صلى الله عله وآله أن يقول ؟ وأهم أبحاث قاعدة لا ضرر هو هذا البحث فإنه لو قلنا إن لا ضرر يفهم منه كما فهم الشيخ الأنصاري فانه فهم أن المقصود أنه لا حكم شرعي في حالة الضرر أو يسبب إلى الضرر فوجوب الوضوء في حالة الضرر مرتفع والصوم في حالة الضرر مرتفع .... وهكذا فإذا استفدنا منه هكذا فالفقيه حينئذ سوف ستفيد من هذه القاعدة كثيراً ، وأما إذا أخذنا بتفسير شيخ الشريعة الذي يقول بأن الضرر هو بمعنى النهي - أي لا تضر - أي الاضرار حرام بنفسك أو بغيرك فالفائدة حينئذ سوف تقلّ من هذه القاعدة . ومن هنا قلنا إن أهم الأبحاث في قاعدة لا ضرر هو هذا البحث.
 ونلفت النظر إلى أن النبي صلى الله عليه وآله الذي أعطِي جوامع الكلم وله كلمات قصار كثيرة بعضها يفهم معناه بسهولة من قبيل ( عفو المَلِك أبقى للمُلك ) ولكن هناك بعض الكلمات حمّالة لوجوه ومن ذلك ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) فماذا يريد أن يقول النبي صلى الله عليه وآله في هذه العبارة ؟ ولذلك تعددت الآراء من هذه الناحية.


[1] في تعليقته على المكاسب 1- 1.