الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
هل باب المفاعلة يدل على الاثنينية ؟
هناك قضية لعلها جانبية وحاصلها:- إن المعروف بين أهل الأدب أن صيغة المفاعلة تدل على الاثنينية فـ( قاتل ) بمعنى أن هذا تصدى للقتل وذاك تصدى له أيضاً و ( ضارب ) كذلك أيضاً ... وهكذا ، وقد نقل ابن الأثير في نهايته أن من أحد معاني الضرار هو أن يكون بمعنى فعل الاثنين فـ( ضرار ) بمعنى أن هذا أضر بذاك وذاك أضر بهذا ، والشيخ الخراساني(قده) جعل الأصل في باب المفاعلة ذلك حيث قال ( الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جيء به تأكيداً ..... لا فعل الاثنين وإن كان هو الأصل في باب المفاعلة )
[1]
.
هذا ولكن الشيخ الأصفهاني(قده)
[2]
أنكر دلالة باب المفاعلة على الاثنينية وله في هذا المجال دعوى ودليل:-
أما الدعوى:- فهي أن الأمثلة من باب المفاعلة لو رجعنا إليها لا نجدها تدل على الاثنينية سواء كان في القرآن الكريم أم في الاستعمالات العاديّة ، أما القرآن الكريم فكقوله تعالى ( يخادعون الله والذين آمنوا ) فانه لو كان بمعنى الاثنينية للزم أن يكون الله عز وجل يخدع أيضاً وكذلك المؤمنون والحال أن الذي يقوم بالخديعة هم هؤلاء أما العكس فهذا ليس بثابتٍ ، وكقوله تعالى ( ومن يهاجر في سبيل الله ) فان ( يهاجر ) من باب المفاعلة والحال أن الذي يقوم بالهجرة هو الشخص ، وكقوله تعالى ( يراؤون ) ومن المعلوم أن عملية الرياء تقوم من طرف واحد وهو المرائي وأما الطرف الثاني - وهو الله عز وجل - فلا يتحقق منه الرياء ، وكقوله ( وناديناه ) و ( نافقوا ) و ( مسجداً ضراراً ) و ( ولا تمسكوهن ضرارا ) .... الخ فإنه في هذه الشواهد القرآنية لا توجد اثنينية في باب المفاعلة كما هو واضح.
وأما في الاستعمالات العاديّة فتقول مثلاً ( عاجله بالعقوبة ) أو ( بارزه بالحرب ) أو ( باشر الحرب ) وغير ذلك ، وفي هذه الاستعمالات لا توجد اثنينية أيضاً فان معنى ( عاجله بالعقوبة ) هو أن فلاناً عاجل هذا العبد العاصي بالعقوبة أما العبد العاصي فلم تصدر منه عجلة بالعقوبة فالعجلة بالعقوبة من جانب واحد ، وهكذا ( بارزه بالحرب ) وغيرها.
وباتضاح هذا نسأل الشيخ الأصفهاني ونقول:- لو سلمنا بأن باب المفاعلة لا يدل على الاثنينية فعلى ماذا يدل إذن ؟
أجاب(قده):- إنه إذا كان الفعل كان لازماً في حدِّ نفسه فبتحويله إلى باب المفاعلة سوف يتعدى بنفسه ، فهو قبلاً يتعدى بالحرف ولكن بعد صياغته بنحو المفاعلة يكون قابلاً للتعدية بنفسه من قبيل ( جلست إلى زيد ) فإن ( جلس ) لا يتعدى بنفسه بل بالحرف فتقول ( جلست إلى زيد ) ولكن إذا حوِّل إلى باب المفاعلة وصيغ بصيغة ( جالس ) فتقول ( جالست زيداً ) بلا حاجة إلى الاستعانة بالحرف.
وأما إذا كان الفعل متعدياً في حدِّ نفسه من قبيل ( ضرب ) فإذا حوّلناه إلى باب المفاعلة وقلنا ( ضارب زيد عمرواً ) فصحيح أنه كان يدل إلى العدية قبلاً ولكن حينما نحوّله إلى باب المفاعلة فسوف تكون التعدية قد سُلّطت الأضواء عليها وتكون ملحوظة بالاستقلال فكأن صيغة ( ضارب ) أوضح في التعدية أو بشكل أقوى وأشد من صيغة ( ضرب ).
ثم بعد ذلك ذكر طلبا آخر وقال:- يوجد فرق بين ( فاعل ) و ( تفاعل ) ففي ( فاعل ) مثل ( ضارب زيد عمرواً ) تكون هذه الصيغة دالّة على نسبتين هما نسبة الضرب من زيد وهذه هي النسبة المدلولة للكلام بالمطابقة ، وهناك نسبة ثانية هي في طول النسبة الأولى ومدلولة بالالتزام وهي نسبة المضروبية وأن عمرواً صار مضروباً ، فالنسبة التي يدل عليها الكلام بالمطابقة هي أن زيداً صدر منه الضرب وبالالتزام أن عمرواً صار مضروباً فهذه نسبة في طول النسبة الأولى ، وأما في باب ( تفاعل ) مثل ( تضارب زيد وعمرو ) فهنا يدل الكلام على كلتا النسبتين بالمطابقة - أي أن هذا صدر منه الضرب وذاك صدر منه الضرب - ولذلك يكونان مرفوعين معاً بخلافه في ( ضارب زيد عمرواً ) فان زيداً يكون مرفوعاً بينما عمرو يكون منصوباً. إذن صيغة ( فاعل ) تدل على نسبتين ولكن النسبة الثانية هي مدلول التزامي للنسبة الأولى بينما في ( تفاعل ) تكون كلتا النسبتين عرضيتين من دون وجود طوليّة بينهما ولذلك يرفع كلا الاسمين.
وأما الدليل:- فقد استدل بوجهين على ذلك ، ولعله يمكن أن نستفيد من عبارته وجهاً ثالثاً فيصير مجموع الوجوه ثلاث:-
الوجه الأول:- ما يمكن أن يستفاد من عبارته وهو التمسك بالوجدان العرفي فيقال:- إن الوجدان العرفي قاضٍ بأن باب المفاعلة لا يدلّ على الاثنينية كما هو الحال في الشواهد القرآنية التي ذكرت والاستعمالات الأخرى غير القرآنية التي أشرنا إليها أيضاً.
الوجه الثاني:- إن هيأة باب المفاعلة إذا كانت تدل على نسبتين فهذا لازمه استعمال الشيء الواحد في أكثر من معنيين - أي سوف تكون هيأة باب المفاعلة مستعملة في إفادة نسبتين هما نسبة الضرب من هذا لذاك ونسبة الضرب من ذاك لهذا - والحال أن الهيأة الواحدة قد وضعت لنسبة واحدة فلا يمكن أن تدل على نسبتين.
إن قلت:- ما رأيك بباب التفاعل فانك ذكرت قبل قليل أن مثل ( تضارب زيدٌ وعمروٌ ) يدل على نسبتين عرضيتين فبالتالي صارت هيأة ( تضارب ) مستعملة في نسبتين فإذا أمكن هنا أمكن في ( ضارب ) ؟
أجاب(قده):- بأن هيئة ( تضارب ) لم تستعمل في نسبتين وإذا قلنا كذلك فذاك مسامحة في التعبير والآن نضبط تعبيرنا ونقول:- هي مستعملة في نسبةٍ واحدةٍ ولكن هذه النسبة الواحدة لها طرفان عرضيان لا أنه توجد نسبتان إذ قال(قده):- ( فليس مفاد تضارب زيد وعمرو نسبة ضرب زيدٍ عمرواً ونسبة ضرب عمروٍ زيداً بل ضرب كلّ منهما للآخر لوحظ نسبةً واحدةً بينهما وعلى نهج إضافة مادةٍ واحدةٍ إلى طرفين ... فزيد وعمرو طرفا هذه النسبة الوحدانية ).
[1]
كفاية الاصول.
[2]
نهاية الدراية 4 437 ط جديدة و 3 317 ط قديمة ، وهكذا في تعليقته على المكاسب 1 10 ، 1 حيث علق في هذين الموضعين وأنكر الدلالة على الاثنينية.