الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/11/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن نتبنى احتمالاً رابعاً غير الاحتمالات الثلاثة التي ذكرها(قده) وذلك بأن يقال:- إن لدى العرف أو العقلاء أن كل شريك له حق الشفعة ، فمن حقوق الشريك العرفية أو العقلائية أو الاجتماعية أن شريكه لو باع فله حق الشفعة ، أي له الحق في أن يقول لي الحق أن أأخذ الحصة بالثمن الذي بعتها به وهذا هو حق اجتماعي وعرفي وعقلائي ، وعلى هذا الأساس فإذا فرضنا أن حق الشفعة لا يثبت للشريك فلازم ذلك وقوع الشريك الثاني في الضرر إذ قد سلبنا عنه حقه الاجتماعي وسلب الحق عن صاحبه هو ضرر ، فعليه لأجل أن لا يحصل ضرر لابد وأن يبقى هذا الحق الاجتماعي ثابتاً للشريك . إذن حق الشفعة بعد كونه حقاً اجتماعياً وعقلائياً يلزم ثبوته للشريك الثاني إذ لو لم يثبت للزم سلب الحق عن صاحبه ، وبهذا تحصل ملائمة بين التعليل والمعلل فالنبي صلى الله عليه وآله قضى بالشفعة للشريك ، ولماذا ؟ لأنه لا ضرر ، يعني أنه لأجل أن لا يلزم ضرر على الشريك أثبت هذا الحق الذي هو حق اجتماعي وعرفي ، فليس الضرر في نفس البيع ولا في لزومه كما أنه لا يراد تدارك الضرر الحاصل وإنما يراد تسليم الحق لصاحبه وعدم سلبه منه وذلك بمنحه حق الشفعة.
 وهذا الحق الذي ذكرناه إن سُلّم به وجزم به وأنه حقاً وواقعاً ثابت عقلائياً وعرفياً واجتماعياً فهو ، وأما إذا لم نجزم به فلا أقل هو شيء محتمل وجيه وحينئذ نقول:- إن تعليل النبي صلى الله عليه وآله بحديث لا ضرر يؤكد أن هذا الاحتمال صحيح ومصيب للواقع وأن الحق الاجتماعي ثابت.
 وبالجملة:- مهما أمكن التحفظ على السياق والارتباط فلا معنى لرفع اليد عن الظهور في الارتباط لأن هذا الظهور حجّة كسائر الظهورات فان جزمنا بثبوت هذا الحق فهو وإن لم نجزم واحتملنا ذلك فنفس الارتباط والظهور في الارتباط يصير دليلاً على حقانية وصواب هذا الاحتمال ، وهو شيء لا يخفى لطفه.
 الوجه الثاني الذي ذكره السيد الخوئي(قده) لبيان عدم الارتباط بين التعليل والمعلل:- إن النسبة بين الشفعة والضرر هي نسبة العموم من وجه ، يعني أنه قد تثبت الشفعة ولا ضرر وقد يوجد ضرر ولا شفعة وقد يجتمعان:-
 أما أنه تثبت الشفعة ولا ضرر كما إذا كان المشتري من أمثال سلمان أو المقداد أو أبي ذر الغفاري الذين شركتهم حسنة لا أنها ليس فيها ضرر فقط فهنا لا يوجد ضرر على الشريك الثاني إذا كان المشتري من قبيل هؤلاء ولكن رغم أنه لا ضرر هنا يثبت حق الشفعة.
 وأما أنه قد يكون هناك ضرر ولا شفعة كما لو فرض أن الشركاء كانوا ثلاثة وشرط ثبوت الشفعة هو أن يكون الشركاء اثنين ، فإنه في مثل ذلك لا تثبت الشفعة رغم أنه قد يتولد ضرر من هذا المشتري الجديد.
 وقد يجتمعان - أي الشفعة والضرر - كما هو الغالب.
 إذن الضرر لا يصلح أن يكون علة للشفعة بعدما عرفنا أنه لا ملازمة بينه وبين والشفعة بل قد ينفك أحدهما عن الآخر وهذا يؤكد أن الجمع بين هذين جمع بين روايتين مستقلتين.
 وفيه:- إن التعليق الذي ذكرناه على الوجه الأول يأتي هنا أيضاً وذلك بأن نقول:- إن الضرر ليس من ناحية أن المشتري - أي الشريك الجديد - سوف يتوجه من ناحيته ضرر حتى يقال قد يتوجه ضرر من ناحيته وقد لا يتوجه ، كلا وإنما الضرر في المقام هو من ناحية أن كل شريك له حق عرفي واجتماعي وأنه أولى بالحصة من غيره فإذا لم يعط هذا الحق كان ذلك إضراراً عليه والضرر بهذا المعنى يكون ثابتاً في جميع موارد الشفعة حتى لو كان المشتري من أمثال عمار وسلمان فانه بالتالي قد سُلِب حق الشريك ولم يُسَّلم إليه . هذا كله في حديث الشفعة.
 حديث فضل الماء:-
 وأما بالنسبة إلى حديث فضل الماء فقد ذكر الشيخ النائيني(قده) أنه لا ربط بين حديث الشفعة وبين المنع من فضل الماء وذلك لوجهين:-
 الوجه الأول:- إن الشخص إذا منع من الماء الفاضل عن حاجته بأن كانت له بئراً وكانت حاجته ترتفع بنصف مائها فمنع الآخرين من الاستفادة بالنصف الثاني لا يعدّ ضرراً وادخالٌ للضرر على الآخرين وإنما يعدّ عدمُ نفعٍ يعني أنه حال دون انتفاعهم لا أنه أدخل الضرر عليهم وهذا من قبيل الذي يملك أموالاً كثيرة وهو يحتاج قسماً منها ويبقى عنده فائض عن حاجته فإذا لم يُسِّلم الباقي للآخرين فهل يقال أضر بهم ؟ كلا وإنما يقال لم ينفعهم ، وهكذا بالنسبة إلى صاحب البئر فانه لم يضر بالآخرين بل لم ينفعهم ، وعلى هذا الأساس فلا ربط بين حديث لا ضرر بين حديث المنع من فضل الماء.
 الوجه الثاني:- إنه قد قام إجماع على أن المنع من فضل الماء حكم تنزيهي - أي هو مكروه وليس بمحرم - فيكره له أن يمنع من الماء الزائد فهو قد ارتكب المكروه والحكم التنزيهي لا أنه ارتكب محرّماً ، وعلى هذا الأساس لا ربط آنذاك بين حديث لا ضرر وبين المنع من فضل الماء فان المنع حكم كراهتي بينما من حديث لا ضرر يراد أن يستفاد منه التحريم أو نفي جواز المنع فلا ربط إذن بين التعليل والمعلل والجمع بينهما جمع بين حديثين مستقلين.
 هذا ما أفاده الشيخ النائيني ووافقه السيد الخوئي ولعل هناك اشارة إلى ذلك في كلام شيخ الشريعة.
 ونحن في مقام التعليق نقول:- هناك قضية جديرة بالبحث لم تسلط عليها الأضواء بشكل جيد وهي أن الإنسان هل يملك مقدار حاجته من الأشياء المباحة دون ما زاد عن مقدار حاجته أو أنه يملك مقدار ما حازه وان كان زائداً عن مقدار حاجته ؟ فلو فرضنا أن صيّاداً لديه شبكة كبيرة وحاز بها كمية كبيرة من السمك - والمفروض أنه ليس لديه معمل أو أنه ليس عمله ذلك بل الصيّاد أنا وأنت - وكانت حاجته لعدد منها كعشرة مثلاً فهل الزائد هو ملك للحائز أو لا ؟ وفي زماننا هذا المسألة الابتلائية في المعادن كمن حفر فوجد نفطاً فهل يملك المقدار الزائد أو لا ؟ وكذلك الأرض الصحراء إذا حاز منها مقداً كبيراً وهو يحتاج إلى مقدار ألف متر أو الفين مثلاً ولكنه حاز أربعين ألفاً مثلاً فهل هو أحق بهذا الزائد من غيره أو لا ؟ هذه مسألة جديرة بالبحث.
 ويمكن أن يقال:- إن الحائز لا يكون أحق أو مالكاً إلا مقدار حاجته لا أكثر من ذلك.