الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وفيه:- إنا إذا لم نرد المناقشة في هذه القضية الكلية التي ذكرها السيد الشهيد(قده) - وهي أن الامارات حجّة لدى العقلاء من باب الظن النوعي - بمعنى أنا نسلم ذلك غالباً وعادة ، فعادةً تكون الأمارة لدى العقلاء حجّة من باب الظن النوعي دون الظن الشخصي ، ولكن هل الأمر كذلك دائماً بحيث لا يكون المدار على الظن الشخصي ؟ إن هذا مطلب قد يصعب الجزم به بنحو القضية الكليّة ، ولكن لو غضضنا النظر عن ذلك
[1]
فنقول بالإمكان أن نفترض أن الحجيّة تدور مدار الظن النوعي دون الظن الشخصي ولكن بشرط أن لا يحصل مزاحم لهذا الظن النوعي ، أما إذا حصل مزاحم بسبب بعض المؤشرات والقرائن فالظن النوعي لا يأخذ به العقلاء آنذاك.
ونطبق ذلك في مقامنا ونقول:- صحيح أن العقلاء يأخذون بظاهر حال المتكلم في أنه لا يغفل فيزيد وهذا أمارة من باب الظن النوعي ولكن هذا الظن يأخذ به العقلاء إن لم يحصل له مزاحم ، أما إذا حصل مزاحم ، أي قرائن تتلاءم مع كون قيد ( على مؤمن ) قد ذكر من باب الطبع أو من باب آخر - أي تكون القرائن في صالح النقيصة - فالعقلاء لا يأخذون بهذا الظن النوعي - انه شيء مقبول - وبالتالي لم يصر المدار على الظن الشخصي بل على الظن النوعي ولكن هذا الظن النوعي تارةً لا يكون له مزاحم فيعوّل عليه وأخرى يكون له ذلك فلا يؤخذ به.
ونظير ذلك قد يقال في باب حجّية خبر الثقة أو في باب الظهورات اللفظية فانها حجّة من باب الظن النوعي ولكن بشرط أن لا يحصل ما يتنافى مع مدلول الخبر أو مدلول الظهور - أي لا تحصل مؤشرات في صالح الطرف المخالف - إن هذا مطلب معقول ويمكن أن يدعى ذلك وأن العقلاء إنما يأخذون بالخبر من باب الظن النوعي وهكذا الظهور بشرط أن لا يحصل ما يؤيد الطرف المقابل.
إذن ما أفاده الشيخ النائيني(قده) شيء له وجاهة ولا يعني ذلك أن المدار صار على الظن الشخصي بل يبقى المدار على الظن والنوعي ولكن في دائرة أضيق.
الوجه الثالث:- أن نجمع قرائن أخرى غير ما أشار إليه الشيخ النائيني(قده) في صالح النقيصة ، يعني أن قيد ( على مؤمن ) المناسب أنه ليس بموجود خلافاً لما تقتضيه أصالة عدم الزيادة فانها يقتضي أن قيد ( على مؤمن ) قد ذكر في محلّه وليس زائداً ، ونحن نريد أن نذكر قرائن أخرى غير ما ذكره الشيخ النائيني(قده) وتلك القرائن هي كما يلي:-
القرينة الأولى:- لو قارنّا بين الخبر المشتمل على الزيادة - أي زيادة قيد ( على مؤمن ) - وبين الخبر الذي فيه النقيصة - أي لا يشتمل على القيد المذكور - لرأينا أن كلا الخبرين يرويهما الشيخ الكليني في الكافي ولكن لو لاحظنا السند في الخبرين نجد أن الخبر الذي يشتمل على النقيصة - أي موثقة ابن بكير له وسائط خمس إذ هو هكذا ( عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر ) بينما خبر الزيادة هكذا ( علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن مسكان عن زرارة ) إذن في خبر الزيادة توجد ست وسائط بين الشيخ الكليني حتى الامام عليه السلام أما خبر النقيصة فالوسائط خمس.
وحينئذ نقول:- ان احتمال الاشتباه في خبر النقيصة يكون أضعف - يعني أن المناسب هو لنقيصة - وفي مثل هذه الحالة سوف يكون الاشتباه في خبر الزيادة أقوى من احتمال الاشتباه في خبر النقيصة لأن لازم الاشتباه في خبر الزيادة هو حصول اشتباه لستة أشخاص بينما إذا كان الاشتباه في خبر النقيصة فلازمه الاشتباه لخمسة ، وبناءً على هذا سوف يكون احتمال الاشتباه في خبر النقيصة أضعف - أي أن النقيصة في محلها -.
القرينة الثانية:- إذا رجعنا إلى خبر النقيصة رأينا أن بدايته هي ( عدة من أصحابنا ) - أي ثلاثة فما فوق - وهذا بالتالي قد يورث الاطمئنان بالصدور - يعني من حيث البداية - وبالتالي سوف تلغى هذه الواسطة وتصير بحكم العدم فالوسائط كانت قبلاً كانت خمس والآن تصير أربع وبذلك يكون احتمال الصدق أقوى فان الوسائط مهما قلت كان احتمال صدور الخبر أقوى.
القرينة الثالثة:- إن خبر النقيصة يرويه الشيخ الصدوق أيضاً وليس الكليني فقط بخلاف خبر الزيادة فانه لم يروه الصدوق بل رواه الكليني فقط ، والصدوق روى خبر النقيصة حيث قال ( روى ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر ) وهذا يؤيد قوة احتمال النقيصة والّا يلزم حصول الاشتباه للوسائط التي ما بين الصدوق والامام عليه السلام مضافاً إلى الاشتباه للوسائط ما بين الكليني وبين الإمام عليه السلام - أي في خبر النقيصة - فيصير احتمال الاشتباه حينئذ أضعف.
القرينة الرابعة:- لو لاحظنا خبر الزيادة وجدنا مضافاً إلى كون وسائطه أكثر - أعني ستاً - أنه يشتمل على الارسال فان بعض وسائطه هي ( بعض أصحابنا ) بينما خبر النقيصة لا يشتمل على ارسال فوسائطه أقل وفي نفس الوقت لا يشتمل على إرسال.
القرينة الخامسة:- إن خبر النقيصة يشتمل على بعض المزايا في أشخاص السند فان الشيخ الصدوق كما قلنا قد روى خبر النقيصة عن ابن بكير عن زرارة وإذا رجعنا إلى مشيخته في الفقيه وجدنا أن سنده إلى ابن بكير يشتمل على بعض الأعاظم من قبيل الحسن بن علي بن فضال وأحمد بن محمد بن عيسى فان مثل هذين لهما قيمة رجاليّة بخلاف رواة خبر الزيادة فانهم من قبيل أحمد بن أبي عبد الله - أي الابن - ومحمد بن خالد - أي الأب - وكلاهما يروي عن الضعفاء والمجاهيل وبقيّة أصحاب السند ليست فيهم قوّة كالقوة الموجود في ابن فصال وابن عيسى.
هذه مزايا خمس مضافاً إلى الميزتين اللتين أشار اليهما الشيخ النائيني(قده) فصار المجموع سبع مزايا كلها في صالح النقيصة ، وهذه المزايا السبع تارةً يدّعى أنها تولد اطمئنانا في جانب النقيصة - أي يحصل اطمئنان بأن الصحيح هو عدم وجود هذه الكلمة - فان حصل ذلك فلا تصل النوبة آنذاك إلى أصالة عدم الزيادة فان النقيصة قد ثبتت بالحجّة الشرعية - أعني الاطمئنان - أما إذا لم يحصل الاطمئنان - وهو المناسب - فان هذه المزايا كل واحدةٍ في حدّ نفسها ضعيفة وبتجميعها يبعد حصول الاطمئنان ، نعم ربما تحصل أقوائية ما في جانب النقيصة وحينئذ يمكن أن يقال لا نجزم بانعقاد السيرة على تطبيق أصالة عدم الزيادة ما دام توجد قرائن - ولو من هذا القبيل - في صالح النقيصة بمعنى أنه لا نلحظ كل واحدةٍ باستقلالها وإنما يلحظ المجموع كشيء واحد فيتولد ظن ما وأقوائية ما في صالح النقيصة وبالتالي لا نجزم بانعقاد السيرة على أصالة عدم الزيادة.
نعم قد يعارض السيد الشهيد(قده) بناءً على كلامه السابق ويقول:- إن العقلاء يأخذون بأصالة عدم الزيادة من باب أنه أمارة والامارة حجّة من باب الظن النوعي دون الشخصي فلا عبرة بهذه النكات والمزايا المعارضة لأصالة عدم الزيادة.
ولكن ما ذكرناه من جواب يأتي هنا فيقال:- إن العقلاء يأخذون بالأمارة من باب الظن النوعي - كما ذكر قده) - ولكن شريطة أن لا يكون هناك مزاحمة بمزايا هي في صالح الجانب الثاني.
وعليه يشكل الاعتماد على أصالة عدم الزيادة من جهتين الأولى أن أصالة عدم الزيادة هي بنفسها لم يثبت انعقاد سيرة عقلائية عليها كما تقدم ، والثانية أنه لو قبلنا انعقادها فالجزم بانعقادها في الحالة المذكورة يكون أوضح اشكالاً.
[1]
ونحن لا نريد أن نسجل المناقشة من هذه الناحية وإنما الذي نريد أن نقوله هو أنا لو سلمنا بأن الامارات العقلائية هي حجّة من باب الظن النوعي دون الشخصي.