الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/08/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 الوجه الثالث:- أن يدعى أن المورد من الدوران بين غفلتين ، فإما أن من نقل الزيادة قد غفل فذكرها أو أن صاحب النقيصة قد غفل فأنقص فان منشأ الزيادة والنقيصة ليس إلا الغفلة . ثم نضم إلى ذلك مقدمة أخرى:- وهي أن الغفلة الموجبة للزيادة أضعف من الغفلة الموجبة للنقيصة فعادة قد يغفل الإنسان فينقص لا أنه يغفل فيزيد ، ولا نريد أن نقول ان الغفلة لا تسبب الزيادة وإنما نقول أن الأرجح والأقوى هو الغفلة الموجبة للنقيصة لا الغفلة الموجبة للزيادة ، وبذلك يلزم أن نحكم بأن الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب إذ من البعيد أن الشخص غفل فزاد وإنما ذلك الشخص الثاني هو الذي غفل فأنقص . وهذا الوجه ربما يظهر من السيد الخوئي(قده) حيث قال ( والترجيح لرواية ابن مسكان المشتملة على الزيادة لأن احتمال الغفلة في الزيادة أبعد من احتمالها في النقيصة فيؤخذ بالزيادة ) [1] ، أي يقال ان الزيادة واقعة في موقعها المناسب.
 وفيه:- ان المقصود من هذا الوجه هل هو التمسك به بهذا المقدار من دون ضمّ السيرة العقلائية ويكون الأساس فيه هو أن احتمال الغفلة في النقيصة هو الأرجح والأقوى ؟ أو أن المقصود هو ضمّ السيرة إلى ما ذكر بحيث يكون الدليل هو السيرة وما ذكر يكون المنشأ لها فيدّعى أن العقلاء يبنون على أصالة عدم الزيادة والنكتة عندهم هي الدوران بين الغفلتين ... ؟
 فإن كان المقصود هو الأول فجوابه:- إن مجرد قوّة أحد الاحتمالين في مقابل الثاني لا يصلح أن يكون دليلاً على التقديم فان الأقوائية توجب الظن دون القطع أو الاطمئنان فيحصل ظنٌّ بأن صاحب النقيصة هو الذي غفل لا أنه يُقطع أو يُطمأن بذلك والظن لا يصلح أن يكون دليلاً كما هو واضح إذ هو ليس بحجّة.
 وإن كان مقصوده هو الثاني فجوابه:- إن ذلك شيء وجيه ولكن لا يمكن أن نخرج بنتيجة كليّة ، يعني نقول هكذا ( كلما دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فالعقلاء يبنون على أن الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب ) ، فلا يمكن أن نخرج بهذا الشكل من التعميم من خلال السيرة فان القدر المتيقن منها كما ذكرنا سابقاً هو إذا لم تكن هناك مؤشرات في صالح النقيصة ، والموارد تختلف فربّ بعض الموارد توجد فيها مؤشرات في صالح النقيصة.
 وبتعبير آخر يمكن أن نقول:- إن العقلاء يراعون حساب الاحتمال والموارد يختلف بعضها عن الآخر فان حساب الاحتمال ربما يكون في موردٍ نتيجةً للمؤشرات والقرائن في صالح حقانيّة النقيصة وربما يكون في مورد آخر بالعكس وربما يكون المورد مورد تساوي ، والقدر المتيقن من السيرة هو ما إذا كانت المؤشرات تساعد على وقوع الزيادة في محلّها المناسب - أو قد تضاف حالة التساوي - أما أن نقول إن العقلاء هكذا يفعلون دائماً ويقولون إن الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب فهذا شيء مرفوض وتحميل على السيرة فانها لبّي والقدر المتيقن ما أشرنا إليه . هكذا ينبغي أن يجاب عن الوجه المذكور.
 ولكن ربما يجاب أيضاً بما يلي:- إنه ذكر في هذا الوجه أن منشأ الزيادة وهكذا النقيصة ليس إلا الغفلة والغفلة هنا أبعد من الغفلة هناك.
 ونحن نقول:- ليس المنشأ للزيادة والنقيصة دائماً هو الغفلة بل إن مناشئهما متعددة وأحدها الغفلة لا أنها هي المنشأ الوحيد ، فربما يكون المنشأ هو النقل بالمعنى فان من ينقل المطلب بالمعنى قد يزيد كلمة وقد ينقص كلمة فان ذلك من لوازم النقل بالمعنى ، أو أحياناً قد يحذف الناقل كلمة طلباً للاختصار في النقل ، وواضح أنه يحذفها في المورد الذي لا يرى فيه تأثيراً مهمّاً لها من قبيل قيد ( في الإسلام ) الواردة في حديث ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) فأنا وأنت ربما نحذف كلمة ( في الإسلام ) طلباً للاختصار إذ لا ندرك تأثيراً لها بل نرى إن تقديرها واضح أصلاً فان نفي الضرر والضرار من الواضح أن يكون في الإسلام فلا حاجة إلى أن اذكرها فننقصها ، وربما يأتي الآخر بها وهي ليست ثابتة ويقول ( حتماً إن مقصود النبي هو ذلك ) . إذن منشأ الزيادة أو النقيصة لا ينحصر بالغفلة حتى تقول إن الأمر يدور بين غفلتين وهذه الغفلة أرجح وأقوى من تلك ، كلا بل قد يكون المنشأ شيئاً آخر كما أوضحنا.
 وفيه:- إن هذا وجيه فيما إذا فرض أن الناقل عن الإمام عليه السلام كان متعدداً فهذا سمع الواقعة من الإمام - أي مثل زرارة - فهو قد سمع قصة سَمُرة وحوار النبي معه من الامام الصادق عليه السلام فنقل الحديث لنا وذاك الآخر أي مثل أبي عبيدة الحذّاء - سمعها ونقلها لنا وهذا ذكر كلمة ( على مؤمن ) أو ( في الإسلام ) مثلاً وذاك لم يذكرها ، انه في هذا المورد يتم ما ذكر فيقال ( لعل الحذّاء لم ينقل هذه الكلمة طلباً للاختصار ، أو لأجل أنه ينقل القضية التي سمعها من الإمام بالمعنى ) ، أما إذا فرض أن الراوي للقضية كان واحداً وليس متعدداً كما هو الواقع في قصة سمرة فان الذي نقل ( لا ضرار ولا ضرار ) في قصته هو زرارة فقط والحذّاء لم ينقل هذه الفقرة - كما ذكرنا سابقاً - غايته أن الناقل عن زرارة حصل لديه الاختلاف ، فابن مسكان الذي ينقل عن زرارة نقل قيد ( على مؤمن ) بينما ابن بكير الذي هو أيضا ينقل عن زرارة لم ينقل القيد المذكور ، وفي هذه الحالة ينحصر منشأ الزيادة والنقيصة بالغفلة فان الذي ينقل بالمعنى أو يختصر أو غير ذلك هو الناقل المباشر عن الامام عليه وأما الذي ينقل عن الناقل - أي الذي ينقل عن زرارة - فلا يأتي هذا الاحتمال في حقه إذ أن زرارة يدفع ما رواه في كتاب - وهو ما يعبّر عنه بالأصل - إلى الثاني كابن مسكان أو ابن بكير ويجيز له أو روايته عنه ، أو أن زرارة يقرأ وذلك يسجّل ، أو بالعكس التلميذ يقرأ وزرارة يقرر ، فلا معنى لأن يختصر هذا الناقل الثاني الذي ينقل عن الناقل المباشري أو ينقل بالمعنى إذ أن هذان الاحتمالان أو ما شاكلهما يأتيان في الناقل المباشري . وعلى هذا الأساس نقول في مثل روايتنا التي فرض فيها أن الناقل عن الامام عليه السلام واحد - وهو زرارة - والاختلاف حصل بسبب الناقل عنه فينحصر المنشأ للزيادة أو النقيصة هنا بمسألة الغفلة ، وهذه نكتة جميلة يجدر الالتفات إليها.
 إذن المناسب مناقشة الوجه المذكور بما أشرنا إليه وليس بهذه المناقشة.


[1] في مصباح الاصول 2 519 .