الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
المورد الثالث:- لو رجعنا إلى رواية زرارة الحاكية لقصة سَمُرَة وجدنا اختلافاً بين ما رواه ابن بكير عن زرارة وبين ما رواه ابن مسكان فانه في ما رواه ابن بكير أن النبي صلى الله عليه وآله وجّه الخطاب بلا ضرر إلى الأنصاري حيث قال ( اذهب فاقلعها وارمِ بها ليه فانه لا ضرر و لا ضرار ) فالنبي أمر الأنصاري بالقلع وعلّل ذلك بفقرة ( فانه لا ضرر ولا ضرار ) ، إذن الحديث كلّه مع الأنصاري وفقرة ( لا ضرر ) جاءت تعليلاً للأمر بقلع النخلة ، واما في روية ابن مسكان فالخطاب هكذا ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله:- انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ، ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله فقلعت ثم رمي بها إليه ) إذن حديث ( لا ضرر ) جاء في ضمن الحوار مع سَمُرة وليس مع الأنصاري أي جاء تعليلاً لوجوب الاستئذان وكأنه صلى الله عليه وآله أراد أوّلاً أن يأمر سَمُرَة بلزوم الاستئذان فيقول له ( عليك الاستئذان ولا تقولن ان المرور إلى نخلتي هو حقّ لي ولا حاجة إلى الاستئذان وهل ترى أن انساناً إذا أراد أن يدخل إلى بيته مثلاً أن يستأذن !! ) فسمرة يريد أن يقول هكذا والنبي صلى الله عليه وآله أمره بالاستئذان فقال ( بل يلزم أن تستأذن انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) ثم أمر صلى الله عليه وآله بالقلع ، إذن ( لا ضرر ) هنا لم تجئ في مقام التخاطب مع الأنصاري كما في ذلك النقل السابق وكتعليلٍ للأمر بالقلع بل جاءت ضمن الحوار مع سمرة ، وهذا نحو تهافت بين النقلين فماذا نصنع ؟
وبتعبير آخر النبي صلى الله عليه وآله قد ذكر حديث لا ضرر في قصة سمرة مرة واحدة حتماً فإما أن يكون قد ذكره في مقام الحوار مع سمرة أو في مقام الحوار مع الأنصاري فيحصل بذلك تهافت بين النقلين .
وهذا كما ترى ليس من مصاديق أصالة عدم الزيادة إذا لا يدور الأمر بين زيادة شيء ونقيصته وإنما يدور الأمر بين أن يكون هذا الشيء الواحد قد ذكر في هذا الموقع أو قد ذكر في ذلك الموقع الثاني ، وعليه فما هو الموقف ؟
قد يقال:- لنلتزم بصدور الحديث من النبي صلى الله عليه وآله مرتين ، فما المانع من ذلك ؟ فمرّة صدر منه في مقام الحوار مع الأنصاري وأخرى في مقام الحوار مع سَمُرة وبذلك يرتفع التنافي فلا تنافي في البين .
وهذا وجيه في غير المورد المذكور فانه من البعيد في هذا المورد الذي فرض فيه عدم وجود فاصل كبير أن النبي صلى الله عليه وآله يقول لسمرة لا ضرر ومرّة يقول للأنصاري لا ضرر مع فاصل بمقدار قليل جداً بمقدار ثانية أو ثانيتين مثلاً ، فلو فرض أنه صدر حوار ثم حوار ثم حوار وحصل فاصلٌ فمن القريب أن يذكره النبي صلى الله عليه وآله مرّة ثانية أما بعد فرض عدم تخلل الفاصل فمن البعيد صدوره مرتين ، وعليه فالمناسب هو تحقق التعارض بين النقلين بنحو التعارض المستقر -ان صحّ التعبير - وبالتالي نرتّب الأثر المشترك ، فإذا فرض وجود أثر مشترك بين النقلين رتّبناه للعلم بثبوته أما الآثار الخاصة بهذا النقل أو بذلك النقل فلا تترتب - يعني إذا لم تكن تلك الآثار من قبيل الحكم الالزامي - والّا كان من باب العلم الاجمالي المنجّز كما لو فرض أنه على أحد النقلين كان مفاد القاعدة نفي الحكم الضرري وعلى النقل الثاني كان مفادها النهي عن الاضرار بالأخرين لا نفي الحكم الضرري فانه بناءً على هذا لا يوجد علم اجمالي بحكم الزامي بل إما هذا الأثر ثابت أو ذاك فلا يثبت هذا ولا ذاك للشك في تحققه وإنما يثبت الأثر المشترك لو كان هناك أثر مشترك.
المورد الرابع:- لو لا حظنا رواية ابن مسكان وجدنا فيها زيادة قيد ( على مؤمن ) حيث قال صلى الله عليه وآله
( ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) بينما في عبد الله ابن بكير فلا توجد هذه الزيادة فماذا نصنع
[1]
؟
المناسب أن يقال:- إن هذا مورد صحيح من موارد للدوران بين الزيادة والنقيصة وهذا تام فيما لو استبعدنا صدور الحديث مرتين من النبي صلى الله عليه وآله مرّة مع قيد ( على مؤمن ) ومرة من دونه - أما إذا لم نستبعد ذلك فلا معارضة بين الزيادة والنقيصة . إذن المعارضة بين الزيادة والنقيصة تختص بما إذا استبعدنا الصدور مرتين ، وهذا مورد صحيح للدوران بين الزيادة والنقيصة ونطبق أصالة عدم الزيادة لو بنينا على الأصل المذكور كما سوف نبحثه في الجواب عن السؤال الثاني.
جواب السؤال الثاني:-
كنا نتكلم فيما سبق في أنه متى ما حصل الدوران بين الزيادة والنقيصة والآن نفترض أن المورد دار فيه الأمر بين الزيادة والنقيصة لا بين زيادتين وفرض وجود أثر للزيادة فهل نبني على أصالة عدم الزيادة ؟ وهل الأصل المذكور من الأصول المقبولة
[2]
؟ ونلفت النظر إلى أن الأصل المذكور لم نقراه أو لم نسمعه في كلمات المتقدمين
[3]
ولعل أول من أشار اليه
[4]
هو شيخ الشريعة الأصفهاني(قده)
[5]
وقد أخذه منه الشيخ النائيني(قده) وصار منذ ذلك الحين محلاً للكلام والقيل والقال.
وقد يستدل على الأصل المذكور بالوجوه التالية:-
الوجه الأول:- ان ناقل الزيادة يكون كلامه صريحاً في ثبوت الزيادة بينما ناقل النقيصة يكون كلامه ظاهراً في تحقق النقيصة وكلّما دار الأمر بين الصراحة والظهور أخذ بالصراحة وأوِّل الظاهر لحساب الصريح فانه مطلب عرفي - أي أن العرف يأخذ الصريح ويؤول الظاهر لحسابه - أما كيف أن المورد من الصريح والظاهر ؟ وجهه واضح فان صاحب النقيصة لا يقول هناك نقيصة بل هو يسكت عن ذكر كلمة أو جملة وظاهر السكوت عن جملة هو أنها ليست ثابتة لا أن السكوت صريح في تحقق النقيصة وان المناسب هو الزيادة ، فلو فرض أن شخصاً قال ( جاء زيد ) ولم يقل ( وعمرو ) فعدم ذكره لعمروٍ لم يكن صريحاً بعدم مجيء عمرو بل يكون ظاهره هو ذلك فان السكوت عن شيءٍ يولّد ظهوراً في عدم ثبوت ذلك الشيء ولا أنه يولّد صراحة ، وهذا بخلاف من يذكر الزيادة ويقول ( جاء زيد وعمرو ) فان كلامه صريح في مجيء عمرو منضمّاً إلى زيدٍ . إذن ناقل الزيادة يكون كلامه صريحاً في ثبوت الزيادة بينما ناقل النقيصة يكون كلامه ظاهراً في عدم ثبوت تلك الزيادة فيُقدَّم الصريح على الظاهر من باب الجمع العرفي.
وجوابه:- ان هذا شيء وجيه لو فرض أن المتكلم كان واحداً كما لو فرض أن شخصا واحداً نقل قضيةً حدثت معه ومرّةً نقلها مع تلك الزيادة ومرّةً من دونها فهنا يقال ان نقل الزيادة صريح في ثبوتها بينما عدم نقل تلك الزيادة ظاهر في عدمها فيقدم الصريح على الظاهر ، أما إذا فرض أن المتكلم كان اثنين فلا معنى لأن تكون صراحة كلام شخصٍ قرينةً على ظاهر كلام الآخر فالصراحة تكون قرينة على تفسير الظهور إذا كانا في حقّ متكلم واحد كالشارع مثلاً أو كالأئمة صلوات الله عليهم فانهم بمثابة متكلم واحد أما في حق المتكلمين فيكفينا أن نقول نحن لا نجزم بأن العرف يفعل ذلك بل لا معنى لأن يفعل العرف والعقلاء ذلك ، وعليه فالوجه المذكور لا مجال له لتوجيه أصالة عدم الزيادة.
[1]
وهذا بعد فرض أن كلا النقلين معتبر.
[2]
وواضح المقصود من أصالة عدم الزيادة هو أن الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب وأن الخلل بالتالي هو في جانب النقيصة وليس في جانب الزيادة.
[3]
وأقصد من المتقدمين مثل الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية فلم يشر هذان العلمان في كلماتهما إلى الاصل المذكور .
[4]
في حدود تتبعي واطلاعي.
[5]
في رسالته ( لا ضرر ).