الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الجهة الثالثة:-
ذكرنا فيما سبق أن كلامنا في قاعدة لا ضرر يقع في أبحاث وكان البحث الأول هو مدرك القاعدة وفيه ذكرنا بأنّا نتكلم في جهاتٍ ثلاث الأولى عرض روايات القاعدة وقد فرغنا من ذلك ، والثانية سند الروايات وقد فرغنا منها أيضاً ، والثالثة
[1]
هي بيان بعض النكات المرتبطة بالروايات السابقة ، وفي هذا المجال توجد بعض النكات نشير إليها كما يلي:-
النكتة الأولى:- ذكرنا فيما سبق أن الروايات السابقة قد تمّ منها سنداً رواية واحدة وهي موثقة ابن بكير عن زرارة ، وعليه يكون المدار على طبق ما ورد فيها.
ولكن لو أدخلنا بعض الروايات الأخرى في الحساب وفرض أنه يوجد اختلاف بينها فتلك تذكر قيداً بينما موثقة ابن بكير لا تذكره مثلاً أو بالعكس فهنا نحتاج إلى ملاحظة أن المناسب ماذا ؟ هل هو الحكم بثبوت ذلك القيد أو بعدم ثبوته وأن القاعدة ماذا تقتضي ؟ إذن ما سوف نذكره هو أبحاث علميّة فنيّة ولكنا نحتاج إليها على تقدير أننا ندخل في الحساب بقيّة الروايات ولا نقتصر على موثقة ابن بكير ، أما إذا اقتصرنا عليها فلا تأتي هذه الأبحاث كلّاً أو بعضاً ، ولكن لأجل أن نستوعب بعض النكات العلميّة فنفترض ادخال بعض الروايات الأخرى في الحساب ونلاحظ ماذا تقتضي القاعدة آنذاك ، وفي هذا المجال نطرح أسئلة ثلاثة:-
السؤال الأول:- متى يتحقق التعارض بين احتمال الزيادة واحتمال النقيصة كي تصل النوبة إلى أصالة عدم الزيادة ، فهل ذلك ثابت مطلقاً ومن دون قيود أو أنه ثابت في مساحة ضيقة ؟
والسؤال الثاني:- إذا كان المورد يتحقق فيه التعارض بين احتمال الزيادة واحتمال النقيصة فهل الأصل يقتضي عدم الزيادة - بمعنى أن الزيادة واقعة في محلها المناسب - ؟
السؤال الثالث:- إذا قبلنا أصالة عدم الزيادة فهل نطبق ذلك في موردنا أو أنه توجد مؤشرات في خصوص مقامنا تساعد على احتمال النقيصة ولا تصل النوبة آنذاك إلى أصالة عدم الزيادة بل النقيصة هي الراجحة لخصوصية في المورد ؟
أما بالنسبة إلى جواب السؤال الأول فنقول:- ان مورد أصالة عدم الزيادة هو ما لو دار الأمر بين الزيادة والنقيصة لا ما إذا دار بين زيادتين - أي زيادة بهذا الشكل وزيادة بذاك الشكل - ولا ما إذا دار الأمر بشكل أخر بل المهم هو أن يدور الأمر بين وجود كلمة أو جملة وعدم وجودها ، وأيضاً يلزم أن يكون وجود الزيادة مؤثراً على المعنى أما إذا لم يكن مؤثراً فلا يكون ذلك مورداً لأصالة عدم الزيادة . ولماذا يشترط أن تكون الزيادة ذات تأثير على المعنى ؟ انه إذا لم تؤثر على المعنى فلا نجزم بانعقاد سيرة العقلاء على ترجيح جانب عدم الزيادة فانّا لا نحرز ذلك ومدرك هذا الأصل كما نعرف هو سيرة العقلاء والّا فلا يوجد لدينا دليل شرعي لفظي وسيرة العقلاء دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو ما إذا كان هناك تأثير للزيادة أو للنقيصة والّا فلا نجزم بانعقادها ، هكذا قل.
أو قل بصيغة أخرى
[2]
:- ان العقلاء حينما يبنون على مطلب معيّن فلابد وأن يكون ذلك لنكتة عقلائية والّا فلا يوجد في سيرهم قضايا تعبديّة من دون أن يكون من ورائها نكات عقلائية . وإذا قبلنا بهذا فنقول:- ان ظاهر حال العاقل أنه ينقل كل كلمة أو جملة لها تأثير على المعنى فان العاقل يتعهد بظاهر حاله أنه ينقل ما كان كذلك أما ما لم يكن كذلك بحيث يكون وجوده وعدمه سيّان فلا يقتضي ظاهر حاله أنه ينقله لفرض أنه لا تأثير له.
اذن من هنا نستنتج أن مورد أصالة عدم الزيادة لو تم وقبلناه
[3]
فهو ما لو دار الأمر بين زيادة ونقيصة وأن يكون للزيادة تأثير على المعنى كما أوضحنا.
وبناءً على اتضاح هذا المطلب سوف نذكر الموارد التالية لنلاحظ هل أنها مورد لأصالة عدم الزيادة أو لا:-
المورد الأول:- لو لاحظنا رواية زرارة وجدنا أن فيها جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) وقد نقلها زرارة بتوسط الامام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه قال للأنصاري ( اذهب واقلعها فانه لا ضرر ولا ضرار ) وهذه الفقرة ذكرت في رواية زرارة بكلا النقلين أي بنقل عبد الله بن بكير وبنقل عبد الله بن مسكان - واما إذا لاحظنا نقل رواية الحسن الصيقل عن أبي عبيدة الحذّاء فلا نجد فيها هذه الفقرة . إذن هذه الفقرة مذكورة في رواية زرارة وليست مذكورة في رواية الحذّاء ، وحينئذ نرجّح أي النقلين ؟ المعروف بين الأعلام ترجيح النقل الأول المشتمل على فقرة ( لا ضرر ) - أي ترجيح نقل زرارة -.
وشيخ الشريعة(قده) توجد له هنا كلمة حيث قال:- ان ترجيح الأعلام نقل زرارة ان دلّ على شيء فإنما يدل على أنهم يبنون على أصالة عدم الزيادة أو ترجيحها على أصالة عدم النقيصة والّا فلا وجه لتقديمهم نقل زرارة على نقل الحذّاء ، ونص عبارته هكذا:- ( ومن جهة هذه القاعدة المطردة حكم الكل بوجود لا ضرر ولا ضرار في قضية سمرة مع أن رواية الفقيه بسنده الذي هو صحيح أو كالصحيح كما ستعرف انشاء الله عن الصيقل عن الحذّاء خالية عن نقل هذين اللفظين بالمرة )
[4]
.
ونحن في مقام التعليق نقول:- كلا لا يلزم أن يكون مستندهم في تقديم رواية زرارة هو البناء على أصالة عدم الزيادة بل قد يقال انه لا وجه لكون المستند هو هذا ، وحتى لو سلمنا بأن له وجهاً ولكن يحتمل وجود مستندٍ آخر كما سوف نشير إلى ذلك.
أما أنه لا وجه لتطبيق هذا المستند أو بالأحرى ان المورد ليس من موارد أصالة عدم الزيادة:- فباعتبار أن هذه الزيادة لا تؤثر على المعنى إذ النبي صلى الله عليه وآله قال ( اذهب فاقلعها وارمِ بها ) ووجود فقرة ( لا ضرر ولا ضرار ) لا يؤثر شيئاً على المعنى الذي أراد أن ينقله زرارة أو الامام الصادق عليه السلام ، والراوي - كزرارة مثلاً - ظاهر حاله هو أنه ينقل كل فقرة لها تأثير على المعنى أما الزيادات التي ليس لها تأثير على المعنى فظاهر حاله لا يقتضي نقل مثلها . إذن موردنا ليس مصداقاً للزيادة المؤثرة على المعنى فلا يعود هناك مجال لتطبيق أصالة عدم الزيادة.
ولو تنزلنا وقلنا صحيح أن هذه الزيادة لا تؤثر على المعنى ولكن حيث أنها تعليل بل هي قاعدة عامة قدّمها النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين فمن المناسب أن يهتم الراوي - كزرارة - بنقلها رغم أنها لا تؤثر على المعنى لكن لهاتين الخصوصيتين.
ولكن نقول لشيخ الشريعة:- من المحتمل - كما أشرنا - وجود منشأ آخر لترجيح رواية زرارة غير مسألة أصالة عدم الزيادة ، من قبيل أنها موثقة - أي معتبرة سنداً - بينما رواية الحذّاء ضعيفة سنداً من ناحية الحذّاء ومن ناحية غيره - كما أشرنا - ومجرد أن شيخ الشريعة يبني على التساهل وغض النظر من هاتين الناحيتين - أي من ناحية الصيقل ومن ناحية السعدابادي ومحمد بن موسى بن المتوكل - لا يلازم تساهل الآخرين ، فلعل بقيّة الأعلام ارتأوا أن رواية الحذاء ضعيفة سنداً فقدّموا رواية زرارة عليها.
مضافاً إلى وجود احتمال آخر:- وهو أنه حتى لو بنينا على اعتبار سند رواية الحذّاء فمع ذلك يوجد مرجّح آخر لتقديم رواية زرارة رغم اعتبار كلا السندين - غير مسألة السند وغير مسألة أصالة عدم الزيادة - وهو أنها قد نُقلت بنقلينِ أحدهما من طريق ابن بكير عن زرارة والآخر من طريق ابن مسكان عن زرارة وهي في كلا النقلين تشتمـل علـى فقـرة ( لا ضـرر ولا ضرار ) وحينئذ نقول:- لو رجّحنا رواية زرارة فغاية ما يلزم هو غفلة واحدة من ناحية رواية الحذّاء أو من الراوي عنه - أي الصيقل - بينما لو أردنا أن نرجّح رواية الحذّاء فيلزم غفلة أكبر في جانب رواية زرارة إذ يلزم أن يكون هناك غفلة من ناحية ابن بكير ومن ناحية ابن مسكان فلأجل لزوم غفلات بدرجة أكبر ولو في المرتبة الثانية - أي في مرتبة الراوي عن زرارة - رجح الاعلام رواية زرارة على رواية الحذّاء ، بل ان الشيخ الصدوق قد ذكر هذه الزيادة في نقله أيضاّ ، فبالتالي يلزم غفلات أكبر لو رجّحنا رواية الحذاء ، فلعل المنشأ لتقديم الأعلام هو هذا لا أصالة عدم الزيادة.
[1]
وهي هذه الجهة.
[2]
ولعل هذه الصيغة أكثر فنيّة.
[3]
وسوف نبحث عن تماميته وعدمها في جواب السؤال الثاني.
[4]
في رسالته ( رسالة لا ضرر ) - 12.