الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 الجهة الثانية:- تحقيق الحال في سند تلك الروايات.
 ان حيث لا ضرر إذا قلنا أنه متواتر - أو على الأقل يطمأن بصدوره - فربما يقال آنذاك بعدم الحاجة إلى سند الحديث لأنه متواتر والى هذا صار الشيخ الأعظم في الرسائل ووافقه على ذلك ممن جاء بعده ، قال(قده) ( قد ادعى فخر الدين في الايضاح في باب الرهن تواتر الأخبار على نفي الضرر والضرار فلا نتعرض من الأخبار الواردة في ذلك إلا لما هو أصح في الباب سنداً وأوضحه دلالةً وهي الرواية المتضمنة لقصة سَمُرة ..... ) ، وقال في رسالته ( لا ضرر ):- ( وكثرتها تغني عن ملاحظة سندها ، مضافاً إلى حكاية تواتر نفي الضرر والضرار عن فخر الدين في الايضاح ... ).
 ولكن سوف نوضح إنشاء الله تعالى أنه حتى لو سلمنا التواتر تبقى هناك حاجة إلى ملاحظة سند الروايات فانتظر.
 وكلامنا يقع في نقطتين:-
 الأولى :- هل هناك تواتر حقاً ؟
 الثانية:- تحقيق سند الروايات على تقدير سند التواتر.
 النقطة الأولى:- أما بالنسبة إلى دعوى التواتر فإذا كان المقصود منه التواتر اللفظي فهو ممنوع كما واضح ، والتواتر اللفظي هو مثل حديث الغدير فان صيغة ( من كنت مولاه ) صيغة واحدة وكل من نقلها ينقلها مقرونة بقضية يوم الغدير وأن النبي صلى الله عليه وآله وصل إلى غدير خم وقال ما قال ان هذا تواتر لفظي ، وإذا رجعنا إلى روايات ( لا ضرر ) فالأمر ليس كذلك فان الطائفة الأولى نقلت رواية واحدة منها - وهي رواية زرارة - حديث لا ضرر مقروناً بقصة سَمُرة ، والطائفة الثانية تشتمل على رواية واحدة وهي رواية عقبة بن خالد مقرونة بمسألة الشفعة ، والطائفة الثالثة تشتمل على رواية واحدة أيضاً - وهي رواية عقبة أيضاً - مقرونة بمسألة المنع من فضل الماء ، وأما الطائفة الرابعة فقد ذكرنا أنه يشكل أن تشكل رقماً في هذا المجال لاحتمال أن الشيخ الصدوق مثلاً أو الطوسي في تلك المراسيل كانا ينقلان تلك الطوائف التقدمة لا أن لديهم روايات وطرق خاصة غير تلك.
 فإذن يشكل تحصيل التواتر من خلال ثلاث روايات ، فضلاً عن كون ذلك التواتر تواتراً لفظياً فانه لم تتفق هذه الروايات الثلاث على المناسبة بل المناسبة فيها مختلفة . نعم قد يدعى التواتر الاجمالي ، بمعنى أنه يجزم بصدور حديث ( لا ضرر ) من النبي صلى الله عليه وآله في احدى المناسبات فانه من البعيد جداً عدم صدوره في كل هذه المناسبات وهذا ما يسمى بالتواتر الاجمالي - أي الجزم بصدور واحدٍ من غير تعيين - كما هو الحال في حديث الثقلين ( اني تارك فيكم الثقلين ) فانه نقل عن النبي صلى الله عليه وآله في مناسبات مختلفة فيدعى التواتر الاجمالي بخلاف حديث الغدير فان مناسبته واحد فالتواتر لفظي .
 وبالجملة:- قد يدعى تواتر اجمالي ، أو على الأقل ان لم نسلم التواتر الاجمالي أيضاً فلنسلم الاطمئنان بصدور الحديث في احدى المناسبات.
 وهذه الدعوى قابلة للمناقشة أيضاً إلا إذا ضممنا إليها ضميمة وبدونها تكون مرفوضة إذ كما قلنا ان الروايات هي ثلاث والثلاث لا تنفع في الحصول على التواتر الاجمالي أو الاطمئنان وتلك الضميمة هي أمران:-
 الأول:- ان معاشر أعلام الامامية كانوا يتمسكون منذ الزمن القديم بحديث ( لا ضرر ) في موارد مختلفة كخيار الغبن أو العيب أو ما شاكل ذلك.
 والثاني:- ان العامة أيضاً قد نقلوا هذا الحديث في كتبهم.
 فإذا ضممنا هذا وذاك إلى الروايات السابقة فربما تكون دعوى حصول الاطمئنان قريبة إلى الصواب.
 إذن دعوى التواتر ليست واضحة كل الوضوح كما بنى عليه الشيخ الأعظم(قده).
 ولو تنزلنا وسلمنا التواتر فنقول:- ان التواتر المذكور هل ينفعنا في إثبات خصوصيات الحديث أو لا ؟ يعني لو دار الحيث بين كونه مطلقاً وكونه مقيداً بقيد ( في الإسلام ) أو بقيد ( على مؤمن ) - بناءً على تأثير هذين القيدين في استفادة المضمون - فماذا يثبت بدعوى التواتر ؟ يثبت الجامع بينهما - أي أصل صدور الحديث - من دون ضميمة الاطلاق ومن دون ضميمة التقييد فان التواتر ان تم فهو تواتر بلحاظ أصل الصدور أما بلحاظ حيثية الاطلاق أو بلحاظ حيثية التقييد فلا ، يعني لو كانت هناك اثار مترتبة على حيثية الاطلاق فلا يمكن ترتيبها بدعوى التواتر وهكذا لو كانت هناك اثار مترتبة على التقييد فلا تترتب تلك الآثار فالذي يثبت هو الجامع بين هذين بقطع النظر عن هاتين الحيثيتين ، وهكذا لو سلمنا التقيد ودار الأمر بين كون التقييد هو قيد ( على مؤمن ) أو قيد ( في الإسلام ) فانه لا يثبت خصوص هذا القيد أو ذاك بل الجامع - أي أصل التقييد - دون أثر هذا لو كان له أثر خاص ودون أثر ذاك لو كان له أثر خاص ، ومن هنا تبقى الحاجة إلى البحث عن سند الحديث لإثبات أنه مطلق أو مقيد أو لإثبات أنه على تقدير التقييد هو مقيد بهذا القيد أو بذاك ، ومن هنا قلنا فيما سبق في ردّ الشيخ الأعظم أنه حتى لو سلمنا دعوى التواتر تبقى هناك حاجة إلى البحث عن سند الحديث.
 كما أنه قد اتضح شيء آخر:- وهو أنه سوف يأتينا في بعض التنبيهات البحث عن نكتة تقدم لا ضرر على أدلة الأحكام الأولية والحال أن النسبة هي نسبة العموم والخصوص من وجه لا المطلق فانه في مادة المعارضة - يعني الوضوء الضرري مثلا - لماذا نقدم لا ضرر على دليل وجوب الوضوء الذي هو الدليل الأولي ؟ ذكرت هناك عدة وجوه لبيان وجه التقدم وأحدها أنه تقدم قاعدة لا ضرر لأن سندها قطعي بخلاف أدلة الأحكام الأولية فان سندها ظني وما كان سنده قطعياً مقدم على غيره.
 انه اتضح إمكان التأمل في هذا الوجه وأن سند حديث ( لا ضرر ) لم يثبت فيه التواتر والقطعية وليست القضية واضحة وصافية.
 النقطة الثانية:- إذا رفضنا التواتر أو سلمناه ولكن احتجنا إلى تحقيق حال القيد فآنذاك لابد من البحث عن السند ، فنرجع الآن إلى الروايات ونقول:- هناك رواية واحدة لا أكثر تامة السند على جميع المباني [1] هي موثقة ابن بكير عن زرارة فان سندها تام سوى أن ابن بكير فطحي ولا مشكلة من هذه الناحية ، وأما سند غيرها فهو قابل للمناقشة إذ أن رواية ابن مسكان عن زرارة قابلة للخدشة سنداً من ناحية الارسال عن بعض أصحابنا ، وأما رواية الصيقل التي رواها الصدوق عن الحسن الصيقل عن أبي عبيدة الحذّاء فهي قابلة للتأمل من ناحية الصيقل نفسه فانه لم يذكر بتوثيق كما أنها قابلة للتأمل من ناحية سند الصدوق إلى الصيقل فانه رود فيه محمد بن موسى بن المتوكل وعلي بن الحسين السعدابادي وكلاهما لم يوثقا.
 أما رواية عقبة - في الطائفة الثانية وفي الطائفة الثالثة - فهي قابلة للخدشة من ناحية نفس عقبة ومن ناحية محمد بن عبد الله بن هلال فانهما لم يذكرا بتوثيق.
 وأما روايات الطائفة الرابعة فهي مراسيل.
 ومن خلال هذا يتضح التأمل في عبارة مصباح الأصول حيث ذكر(قده) ما نصّه ( فتلخص مما ذكرناه أن هاتين الجملتين قد وصلت الينا بالحجة بلا زيادة ، ومع زيادة على مؤمن كما في رواية بن مسكان ، ومع زيادة في الإسلام كما في رواية الفقيه . والقول بأن رواية الفقيه مرسلة...... ) [2] هكذا ذكر (قده) ثم قال ( هذا ما ذكرناه في الدورة السابقة ) أي كنّا في الدورة السابقة نصحح رواية الصدوق في الفقيه - ببيان سوف نذكره إنشاء الله تعالى - ولكنا تراجعنا عن ذلك فرواية الفقيه ليست معتبرة.
 ووجه النظر الذي نريد أن نذكره هو:- انه (قده) ذكر أن زيادة ( على مؤمن ) قد وصلت بالحجة والحال أن قيد ( على مؤمن ) قد ورد في رواية ابن مسكان وهي ضعيفة بالإرسال يعني ( عن بعض أصحابنا ) ولا يمكن تصحيحها واعتبارها بعد هذا الارسال ومبانيه الرجالية لا تساعد على ذلك . إذن وقعت مسامحة في التعبير.


[1] ومقصودي هو على جميع المباني المتأخرة المعروفة.
[2] مصباح الاصول 2 519.