الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وبعد عرض هذه الروايات نقول:- يتضح وجود تسامح في تعبير العلمين:-
أما الشيخ الأعظم في الرسائل فقال:- ( ننقل أصح الروايات سندا ودلالة في قصة سمرة وهو ما رواه غير واحد عن زرارة عن أبي جعفر ) ثم ذكر الرواية وفي آخرها قال ( انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) ثم قال ( وفي رواية أخرى موثقة "اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانه لا ضرر ولا ضرار" ) ووجه التسامح في عبارته هو:-
أولاً:- انه قال ( ننقل أصح الروايات ) والحال أنه لا توجد رواية صحيحة في قصة سَمُرة فضلاً عن الأصح.
وثانياً:- ان الرواية التي نقلها وذكر أنها أصح الروايات هي رواية ابن مسكان عن زرارة وهي ضعيفة بالإرسال فكيف صارت أصح الروايات !!
وثالثاً:- عبّر بأنه قد رواها غير واحد عن زرارة ، والحال أنه رواها ابن مسكان عن زرارة.
ورابعاً:- قال بعد ذلك ( وفي رواية أخرى موثقة أنه صلى الله عليه واله قال للأنصاري:- اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانه لا ضرر ولا ضرار ) ويشير بذلك إلى رواية عبد الله بن بكير عن زرارة . وهي لا معنى لجعلها رواية أخرى غير رواية ابن مسكان فانهما رواية واحدة عن زرارة بيد أن الطريق مختلف ، نعم الرواية الأخرى هي رواية أبي عبيدة الحذاء.
وعلى أي حال ان التعبير يشتمل على شيء من التسامح والأمر سهل.
وأما الشيخ النائيني(قده):- فقد ذكر أن قصة سَمُرة هي مُذيّلة بحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) وقد ورد ذلك بنحو الاستفاضة أو التواتر ونص عبارته هكذا ( فقد ورد في ذيل قضية سَمُرة مستفيضاً بل فوق الاستفاضة فان هذه القضية مذكورة في كتب الفريقين بطرقٍ متعددة )
[1]
، ووجه التسامح هو أن أصل قضية ( لا ضرر ) - أي بقطع النظر عن قصة سمرة - لا يبعد دعوى الاستفاضة فيها أو التواتر أما كون قصة سَمُرة مذيلة بالذيل المذكور هي اليت قد بلغت ذلك فهذا شيء مرفوض إذ قد عرفنا أن التذييل قد ورد في رواياتنا ولم يرد في روايات العامة كما أنه ورد في رواية واحدة من رواياتنا وهي رواية زرارة فقط - بطريقيها - ولم يرد في رواية أبي عبيدة فكيف يدّعي أن التذييل قد ورد مستفيضاً أو متواتراً ، والامر سهل أيضا من هذه الناحية. هذا كله بلحاظ قصة سَمُرة في رواياتنا.
والنتيجة النهائية:- هي أن الذيل قد ورد في قصة سمرة ولكن في راية زرارة فقط بطريقيها.
قصة سمرة في روايات العامة:-
ان العامة نقلوا قصة سَمُرة أيضاً وبعضهم نقلها عن الامام الباقر عليه السلام كما هو الحال في رواياتنا ولكن هذه الروايات ليست مُذيّلة بذيل ( لا ضرر ) ومن النقل المذكور ما يلي:-
أولاً:- روى أبي داود في سننه بإسناده عن واصل مولى عيينه
( قال:- سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدث عن سمرة بن جندب أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار ، قال:- ومع الرجل أهله ، قال:- فكان سَمُرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه فطلب إليه أن يناقله
[2]
فأبى ، فأتى النبي صلى الله عليه وآله فذكر ذلك له فطلب إليه النبي صلى الله عليه وآله أن يبيعه فأبى ، فطلب إليه أن يناقله فأبى ، قال:- فهبه له ولك كذا وكذا - مرار رغبة فيه - فأبى ، فقال:- انت مضار ، فقال رسول الله إلى الأنصاري:- اذهب فاقلع نخله )
[3]
، وهذه كما ترى ليس فيها حديث ( لا ضرر ولا ضرار ).
ثانياً:- ما ذكره ابن أبي الحديد
[4]
قال:-
( روى واصل مولى أبي عيينه عن جعفر بن محمد بن على عن آباءه قال:- كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الأنصار فكان يؤذيه فشكى الأنصاري ذلك إلى رسول الله فبعث إلى سمرة فدعاه فقال له:- بع نخلك من هذا وخذ ثمنه ، قال:- لا أفعل ، قال:- فخذ نخلاً مكان نخلك ، قال:- لا أفعل ، قال:- فاشتر منه بستانه ، قال:- لا أفعل ، قال:- فاترك لي هذا النخل ولك الجنة ، قال:- لا أفعل ، فقال صلى الله عليه وآله للأنصاري:اذهب فاقطع نخله فانه لا حق له فيه ) وهذا كما ترى ليس فيه حديث ( لا ضرر ).
ثالثاً:- ما ذكره البغوي في كتابه مصابيح السنة ، وجاء في آخر الرواية هكذا
( فقال صلى الله عليه وآله أنت مضار ، فقال للأنصاري:- اذهب فاقطع نخله )
[5]
.
الرابع:- ما ذكره الزمخشري
[6]
، وهو قريب مما سبق في مصابيح السنّة.
وربما توجد موارد أخرى في كتب العامة ، ولكن على أي حال الجميع لم ينقل حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) ، نعم سيأتي تحت عنوان ( موارد مستقلة ) أنهم ذكروا حديث لا ضرر ولكن بشكلٍ مستقلٍ لا كذيلٍ في قصة سَمُرة.
وبهذا ننهي حديثنا عن القسم الأول من الأخبار.
القسم الثاني:- ما ورد في قضية الشفعة ، فان الوارد فيها رواية واحدة وهي عن عُقبة بن خالد وقد رواها المحمدون الثلاثة مع اختلاف بسيط ، وقد نقلها صاحب الوسائل
[7]
ونص العبارة هكذا:-
( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عُقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار ، وقال إذا أرفت الأُرف
[8]
وحُدّت الحدود فلا شفعة ) ، والمقصود من القيد المذكور أن الشفعة ثابتة ما دامت الحصص مشاعة ولم يحصل فرز وتقسيم أما إذا فُرزت الحقوق وجعلت العلامات والأرف فلا شفعة.
وبالنسبة إلى السند فيشكل الأمر بلحاظ محمد بن عبد الله بن هلال وبلحاظ عُقبة بن خالد فانهما لم يذكرا بتوثيق ، اللهم إلا بمحاولات من هنا وهناك على المباني.
وقد نقلها الشيخ(قده) في التهذيب
[9]
عن محمد بن يحيى ..... إلى آخره حسب ما جاء في الكافي ، ويحتمل أنه قد أخذها من الكافي.
وهكذا نقلها الصدوق(قده)
[10]
قائلاً ( وروى عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام ...... ) ثم ذكر الحديث مع اختلاف يسير حيث نقل هكذا
( لا ضرر ولا اضرار ) بينما في نقل الكليني والشيخ
( لا ضرر ولا ضرار ) ، وأيضاً ذكر الشيخ الصدوق هكذا
( وقال الصادق عليه السلام إذا أرفت الأرف ... ) أي ذكر كلمة ( الصادق عليه السلام ) بينما في نقل الكليني لم تذكر وإنما الوارد هو
( وقال:- إذا أرفت الأرف ) ولا يبعد أن مرجع الضمير هو الرسول صلى الله عليه وآله ، وفي الوسائل نقل زيادة عن الشيخ الصدوق حيث قال:- وزاد - أي الصدوق ( ولا شفعة إلا لشريكٍ غير مقاسم ) وهذه الفقرة ليست موجودة في نقل الكليني والشيخ.
ولكن من المحتمل أن الصدوق قد ذكرها منه تبرعاً فان الصدوق له هذه الطريقة فيذكر تعبيراً ويدسّه كتفسيرٍ وتوضيحٍ وقد تخيل صاحب الوسائل أنه جزء من الرواية ، ولعله لأجل هذا حينما نقل الفيض الكاشاني في الوافي هذه الرواية عن الصدوق لم ينقل هذه الزيادة بمعنى أنه التفت إلى أنها من الشيخ الصدوق وليست جزءاً من الرواية.
[1]
رسالة لا ضرر 367.
[2]
اي يعطيه نخلة مكانها.
[3]
سنن ابي داوود - كتاب الاقضية 13 3636.
[4]
شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 4 78.
[5]
مصابيح السنّة للبغوي 2 باب احياء الموات 18.
[6]
الفائق للزمخشري 2 442.
[7]
الوسائل 25 399 5 من الشفعة ح1.
[8]
الأرف جمع أرفة بضم الهمزة وهي عبارة عن الحدّ والعلامة فإذا جعل حداً بين ملك هذا وملك ذاك ولو برسم خط فهذا الخط يعبر عنه بالأرفة ، وبه يتضح ان عبارة ( وحدت الحدود ) تفسيري.
[9]
التهذيب 7 164.
[10]
الفقيه 3 45.