الموضوع / شرطية الفحص في جريان أصل البراءة / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وبهذا اتضح أن الأجدر لإثبات عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية هو البيان الذي أشرنا إليه.
وقد يضاف إلى ذلك بيان آخر وذلك بأن يقال:- ان الشبهة في مقامنا شبهة حكمية - يعني أن مسألة هل يجب الفحص في الشبهات الموضوعية قبل اجراء البراءة هو بنفسه شبهة حكمية - إذ يشك في الحكم الكلي وأنه هل يجب الفحص في الشبهات الموضوعية قبل اجراء البراءة أو لا ؟ وهذا شك بنحو الشبهة الحكمية ، ونحن قد فحصنا باعتبار أن الفحص لازم في الشبهات الحكمية قبل اجراء البراءة فلم نعثر على دليل يدل على لزوم الفحص في الشبهة الموضوعية قبل اجراء البراءة وآنذاك لا يعود لدينا مانع من التمسك بالبراءة عن وجوب الفحص في هذه المسألة التي هي الشبهة الحكمية وبذلك تصير النتيجة هي أن الفحص في الشبهات الموضوعية قبل اجراء البراءة ليس لازماً ولكن بهذا البيان ، وهو شيء فني.
ثم انه بعد أن ثبت عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية قد تستثنى بعض الموارد فيقال فيها بوجوب الفحص رغم أن الشبهة موضوعية:-
المورد الأول:- ما جاءت الاشارة إليه في كلمات الشيخ الأعظم في الرسائل وحاصله:- ان هناك موارد أثبت الشرع فيها حكماً على الموضوع وإذا لم نبحث عن ذلك الموضوع فقد يلزم تعطيل ذلك الحكم أو ما بحكم التعطيل.
ولعل من أمثلة ذلك مسألة وجوب الخمس فان الخمس واجب في الربح الزائد عن المؤونة فإذا شككنا في وجود ذلك فهل يلزم الفحص فان ذلك شبهة موضوعية ؟ نعم يلزم الفحص ، فإذا فحص المكلف فلم يجد زيادة في المؤونة فلا يجب الخمس.
ومن قبيل ذلك أيضاً من شك في الاستطاعة للحج فان الشبهة من حيث الاستطاعة هي شبهة موضوعية والفحص لازم ، وهو أن الشبهة موضوعية فلا يجوز له أن يعتمد على أصالة البراءة من تحقق الوجوب أو من تحقق الاستطاعة.
ومن قبيل ما إذا كان لدى المكلف مقدار من الفضة المغشوشة ويعلم أنها تبلغ النصاب لكن لا يدري كم المقدار فهل يبني على الأقل من دون فحص ؟ كلا بل يلزم الفحص في مثل ذلك ليعرف مقدار ما لديه كي يزكيه.
ومن قبيل ما لو أراد المكلف السفر ، فإذا كان السفر بمقدار ثمانية فراسخ فلابد وأن يقصر فهل يلزم أن يفحص عن كون المسافة هي بمقدار ثمانية فراسخ حتى يقصر أو أنه يبني على البراءة من دون فحص ؟ انه قد يقال بوجوب الفحص .
أما لماذا يجب الفحص في مثل هذه الموارد وما شاكلها ؟
والجواب:- قد يقرب بتقريبين:-
التقريب الأول:- ما أشار إليه الشيخ في الرسائل وحاصله:- ان هناك قاعدة عرفية وهي أنه متى ما انصب الحكم - وهو وجوب الخمس - على عنوان - كعنوان وهو الربح الزائد عن المؤونة - فالعرف يفهم لزوم الفحص عن تحقق ذلك العنوان وعدم تحققه والّا يلزم من ذلك تعطيل الحكم ولغوية التشريع ، أي أنه إذا كان يجوز اجراء البراءة من دون فحص فدائماً ننفي الربح الزائد بالبراءة وبذلك سوف يلزم تعطيل الحكم - وهو وجوب الخمس - .
وهكذا يقال في مسألة الاستطاعة إذا أجرينا البراءة من دون فحص عنها إذ يلزم تعطيل وجوب الحج ولغوية التشريع.
التقريب الثاني:- انه يلزم من عدم الفحص العلم الاجمالي بتحقق المخالفة ، فانه إذا لم يفحص في هذه المرّة ولا في بقية المرّات فحتماً وقعت في المخالفة إذ من البعيد أن المكلف لا يستطيع للحج أو لا يحصل لديه ربح زائد عن المؤونة طيلة حياته ، فهنا يحصل الجزم بأن زيادة الربح على المؤونة قد حصلت في بعض الأعوام والعلم الاجمالي منجز ولو كان في الأمور التدريجية . إذن لأجل هذا يلزم الفحص والا يلزم مخالفة العلم الاجمالي وهو لا يجوز.
انه لأحد هذين التقريبين قد يقال بلزوم الفحص.