الموضوع / التنبيه الرابع / تنبيهات / الدوران بين الأقل والأكثر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وفيه:- صحيح أن ذمتنا كانت مشغولةً بالإطعام في المرحلة السابقة أي قبل الشروع بالصيام بنحو الجزم واليقين ولكن ما دمنا نحتمل أن الصيام عِدلٌ فذلك - يعني أن الذمة مشغولة بالإطعام بنحو الشرط المتأخر - يعني أيها المكلف ذمتك مشغولة بالإطعام ان لم تأت بعد لذك بالصيام ، ان هذا شيء محتمل اذ أننا نحتمل أن الصيام عِدلٌ ولازم احتمال العدلية احتمال أنه مشروط بالشرط المتأخر ، ومع احتمال كونه - أي الاطعام مشروطاً بعدم الاتيان بالصيام بنحو الشرط المتأخر فعند الاتيان بالصيام في الزمن المتأخر هو الشك في اشتغال الذمة من البداية فانا عندما أتمّ الصوم سوف أشك هل هي مشغولة بالإطعام من البداية - وأأكد من البداية - اذ يحتمل أن شغلها بالإطعام كان مشروطاً بعدم الاتيان بالصيام وما دمت أشك في اشتغالها من البداية بالإطعام فالمورد من موارد البراءة دون قاعدة الاشتغال اليقيني ، وهذا مطلبٌ ظريف وينبغي أن يكون واضحاً.
ان قلت:- لم لا نقول ان الذمة مشغولة بالإطعام من دون أن تكون مشروطة بشرط متأخر - يعني بشرط عدم الاتيان بالصيام فيما بعد كلا بل هي مشغولة بالإطعام بنحوٍ مطلقٍ - غايته اذا أتي بالصيام فيكون الصيام مسقطاً لما اشتغلت به الذمة فان هذا احتمال وجيه ، فدور الصيام دور المسقط لما اشتغلت به الذمة لا أنه قد اشترط شغل الذمة بالإطعام بعدم الاتيان بالصيام ، وذا قبلنا بهذا فعند الاتيان بالصيام سوف نشك هل هو مسقطٌ أو ليس بمسقطٍ ؟ ومعه يلزم تطبيق قاعدة الاشتغال دون البراءة اذ يصير المورد من موارد الشك في المسقط وليس من موارد الشك في الاشتغال من البداية . لعل الشيخ النائيني(قده) يجيب هكذا.
قلت:-
أولاً:- ان العاقل اذا التفت الى كون الصيام وافياً بالغرض - ومن هنا صار مسقطاً - فيلزم أن يأخذ شغل الذمة بالإطعام مشروطاً بعدم الاتيان بالصيام ، ان هذا شأن العاقل.
وبكلمة مختصرة:- ما دام الصيام مسقطاً لوفائه بالغرض فيلزم على العاقل أن يأخذه شرطاً متأخراً ، ومعه يكون المورد من موارد البراءة دون الاشتغال.
وثانياً:- لو تنزلنا وقلنا انه لا مانع في أن يكون مسقط الغرض ليس وافياً بالغرض وبالتالي لا يلزم أن يؤخذ بنحو الشرط المتأخر نظير أن يشرب الانسان الشاي أوّلاً قبل أن يشرب الماء فان شرب الشاي لا يحقق الغرض الثابت في شرب الماء اذ الغرض الثابت في شرب الماء هو الارتواء ولكن رغم هذا هو معاندٌ ومنافٍ للغرض ومسقطٌ له بهذا المعنى ، أي أن المكلف بعد شربه للماء سوف لا يطلب الشاي ولكن بعد أن أتِي بالشاي ولم يؤتَ بالماء فشرب الشاي بعد ذلك لم يقل آتوني بالماء لا من باب تحقق الغرض بل من باب تعذّر استيفاء الغرض وهذه حالة نادرة موجودة ، فلو فرض أن الصيام كان من هذا القبيل فنقول:- ان هذا محتملٌ وذاك محتملٌ ، أي يحتمل أن يكون الصيام مسقطاً من دون أن يكون عدمه شرطاً متأخراً - الذي هو في صالح الشيخ النائيني - ويحتمل أن يكون وافياً بالغرض ومسقطاً ، وما دمنا نحتمل كونه شرطاً متأخراً فيكفينا هذا الاحتمال اذ بالتالي عند الاتيان بالصيام سوف لا نجزم باشتغال الذمة من البداية بالإطعام ، ولا يخفى لطف ذلك.
اذن الذي اريد قوله هو:- ان ما تقوله أيها المدافع عن الشيخ النائيني لو فرض أن الشيء مسقطٌ من دون أن يكون شرطاً متأخراً هو وجيه ومقبول ، ولكن كونه شرطاً متأخراً محتملٌ أيضاً ، وما دام محتملٌ ثبوتاً اذ بالتالي عند الاتيان بالصيام سوف لا أجزم بثبوت الاطعام من البداية فيكون المورد من موارد البراءة.
وأما الشيخ العراقي فقد ذكر (قده)
[1]
ما حاصله:- ان الأمر في المقام يدور بين حيثيتين الزاميتين ، فكما أن وجوب الاطعام تعييناً حيثيّة الزامية وهي أنه يتعين الاطعام ولا يكفي الصيام كذلك في الوجوب التخييري توجد حيثية الزامية . فلو كان الاطعام واجباً تخييراً لا تعييناً فلازم ذلك حرمة ضمّ هذا الترك الى ذلك الترك - أي يحرم أن تضم ترك الاطعام الى ترك الصيام - وهذه حيثية تختص بالوجوب التخييري ولا تأتي اذا كان وجوب الاطعام وجوباً تعيينياً اذ لو كان الاطعام واجباً تعييناً فتركه هو بخصوصه محرَّم لا أنَّ ضمّ ترك الصيام اليه يكون محرّماً بناءً على الوجوب التعييني للإطعام بل المحرّم فقط وفقط هو ترك الاطعام وضمّ ذلك الترك كضمّ الحَجَر الى جنب الانسان اذ ترك الواجب يتحقق بناءً على الوجوب التعييني بترك الاطعام فقط وترك الصيام لا يكون محرّماً وضمّه الى ترك الاطعام لا يكون محرماً.
اذن على الوجوب التعييني توجد حيثية الزامية أولى واحدة وهي حيثية تعيّن الاطعام وحرمة ترك الاطعام ، بينما بناءً على الوجوب التخييري توجد حيثية الزامية ثانية وهي حرمة ضم ترك الصيام الى ترك الاطعام ، فيكون المورد من الشك في ثبوت هذه الحيثية الإلزامية أو تلك الحيثية الالزامية ولا معيّن لخصوص واحدةٍ في مقابل الأخرى فيكون أصل البراءة عن هذه معارضاً لأصل البراءة عن تلك لا أن أصل البراءة يجري عن الحيثية التعيينية بل يكون ذلك معارضاً بأصالة البراءة عن الحيثية الالزامية في الوجوب التخييري ، يعني أنه معارض بالبراءة عن حرمة ضمّ ترك الصيام الى ترك الاطعام.
[1]
المقالات 2 266 ط جديدة ، وقد يستفاد ذلك ايضاً من نهاية الافكار 3 398.