الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / التنبيه الثالث ، التنبيه الرابع / تنبيهات / الدوران بين الأقل والأكثر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 هذا مضافاً الى امكان أن نقول:- ان كلا الفردين في المقام مردّد لا أن أحدهما متيقن ، والوجه في ذلك:- هو أنه تارةً يصاغ استصحاب الكليّ في المقام بهذا الشكل فيقال ( نحن نشك هل الوجوب تعلق بالتسعة أو تعلق بالعشرة ؟ فنستصحب كليّ الوجوب الذي ثبت يقيناً ) وبناءً على هذه الصياغة يأتي ما أفاده الشيخ النائيني(قده) فيقال:- ان الوجوب نجزم بتعلقه بالتسعة - لا أنّا نشك - والشك ينحصر في تعلقه بالعشرة ، ويأتي ما أجبنا به سابقاً.
 ولكن توجد صياغة ثانية يكون كلا الطرفين مردداً بناءً عليها وذلك بأن نشير وجوب التسعة فقط ونقول ( هناك وجوب للتسعة جزماً ولكن نشك هل هو استقلالي حتى يلزم سقوطه عند الاتيان بالتسعة أو هو ضمني حتى يلزم عدم سقوطه اذ هو ارتباطي ) ، وبناءً على هذه الصياغة يكون كلا الفردين مردداً لا أن أحدهما جزميّ والآخر مشكوك فان ذلك يكون على الصياغة الأولى لا على الصياغة الثانية . وبإمكاننا أن نأخذ بالصياغة الثانية فيصير المورد من استصحاب الكليّ من القسم الثاني - أي نلحظ وجوب التسعة من دون تقييد بكونه استقلالياً ولا التقييد بكونه ضمنياً - فان كلا الفردين مردّد فيجري استصحاب الكلي.
 التنبيه الثالث:- الشك في الشرطية والشك في المانعية.
 ان ما تقدم كان ناظراً الى الشك في الجزئية الذي هو أحد أفراد الأقل والأكثر الارتباطيين ، والآن نريد أن نتحدث عن الفرد الثاني والثالث - أعني الشك في الشرطية أو الشك في المانعية - كما اذا شككنا أن الطمأنينة شرط في الصلاة أو لا ؟ أو شككنا أن الأكل من دون أن يمحو صورة الصلاة هل هو مانع أو لا ؟
 والكلام هو الكلام في مسألة الشك في الجزئية ، أي نقول هكذا:- نحن نعلم باشتغال ذمتنا بجامع الصلاة الأعم من الواجدة لشرطية الطمأنينة أو الفاقدة لها ، فان الجامع المذكور نجزم باشتغال الذمة به ، وأما الاشتغال بخصوص الصلاة المقيَّدة بالطمأنينة فهو شيء مشكوك فتجري البراءة عنه فانه شك في كلفةٍ زائدةٍ فتنفى بالبراءة.
 ولا يقولن قائل:- لماذا لا نطبّق قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ؟ بمعنى أن الذمة مشتغلة بالصلاة جزماً ونشك بتحقق فراغها اذا أتينا بها من دون طمأنينة.
 والجواب:- ان اللازم عقلاً هو أن نفرّغ ذمتنا مما اشتغلت به جزماً ، والذي اشتغلت به جزماً هو الجامع - أي جامع الصلاة الأعم من الواجدة للطمأنينة والفاقدة لها - أما الصلاة المقيّدة بالطمأنينة فلا جزم باشتغال الذمة بها.
 اذاً ما تيقنّا باشتغال الذمة به - وهو الجامع - قد فرَّغنا الذمة منه جزماً وذلك عند الاتيان بالصلاة الفاقدة للطمأنينة فإنها مفرّغة جزماً لذلك الذي اشتغلت به الذمة جزماً وأما ما نشك في فراغ الذمة به فلا جزم باشتغال الذمة به ، وعليه فلا مجال لقاعدة الاشتغال اليقيني في المقام بل المناسب هو البراءة كما أوضحنا.
 والكلام هو الكلام عند الشك في المانعية فيقال:- ان الذي اشتغلت به الذمة جزماً هو الصلاة الأعم من الفاقدة للمانع والواجدة له وقد حصل الفراغ اليقيني من ذلك عند الاتيان بالصلاة مع المانع المحتمل وأما اشتغالها بخصوص الصلاة المقيّدة بعدم المانع فهو شيء مشكوك فلا معنى لتطبيق قاعدة الاشتغال اليقيني ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
 نعم نقل الشيخ في الرسائل قولاً أو احتمالاً حاصله:- ان الشرط الذي يشك في اعتباره تارةً يكون له وجود يغاير وجود الواجب كالتستر بالنسبة الى الصلاة فانه - أي ستر العورة - شيء والصلاة التي هي عبارة عن سجود وركوع ....... شيء آخر ، وأخرى لم يكن هناك مغايرة خارجية كالإيمان بالنسبة الى الرقبة فان الايمان ليس شيئاً يغاير الرقبة خارجاً فلا يمكن أن تقول هذه رقبة وذاك ايمان كما كنت تقول للصلاة - التي هي الركوع والسجود ..... - هي شيء والتستر شيء آخر فانه لا مغايرة خارجاً ، وفي هذا الثاني - أي اذا لم تكن هناك مغايرة خارجية - يكون المورد من المتباينين اذ الرقبة الواجدة للإيمان تباين الرقبة الفاقدة له خارجاً فهما متباينان وليسا من قبيل الأقل والأكثر بخلافه في الأول فانه ليس من المتباينين ، وعليه فيفصّل في مسألة الشك في الشرطية بين ما اذا كان الشرط مثل الايمان فيصير المورد من المتباينين وفيه يلزم الاحتياط كما اذا شككنا أن الوجوب يوم الجمعة قد تعلّق بالظهر أو بالجمعة وبين ما اذا كان من قبيل التستر والصلاة أي بين الأقل والأكثر فالمناسب هو البراءة.
 وجوابه واضح حيث يقال:- نسلم أن الرقبة الواجدة للإيمان تباين الرقبة الفاقدة له - أي الكافرة - بيد أن هذا تباين في عالم الخارج ، والمهم ليس هو ملاحظة عالم الخارج وانما يلزم أن نلاحظ عالم الذمّة وشغلها فان المكلف يلزم أن يفرغ ذمّته عمّا اشتغلت به ، وفي عالم الذمة يكون المورد من الأقل والأكثر حتى في مثال الرقبة المؤمنة اذ المكلف يقول ( اني أجزم بأن ذمتي قد اشتغلت بعتق الرقبة ) أي أصل الرقبة الأعم من المؤمنة وغيرها اذ الجامع يجزم باشتغال الذمة به ، وأما اشتغالها بقيد الايمان فهو شيء مشكوك فينفى بالبراءة.
 اذن هذا توهّم حصل بسبب الخلط بين عالم الخارج وعالم شغل الذمة ، ففي عالم الخارج صحيح أنه توجد مباينة ولكن لا معنى لملاحظة العالم المذكور بل المناسب ملاحظة عالم شغل الذمة وفيه - كما قلنا - يكون المورد من الأقل والأكثر من دون فرق بين الحالتين ، وهذا مطلب ينبغي ان يكون واضحاً.
 
 التنبيه الرابع:- الدوران بين العام والخاص.
 ان هذا مصداق رابع من مصاديق الأقل والأكثر الارتباطيين ، فالمصداق الأول هو الشك في الجزئية ، والمصداق الثاني هو الشك في الشرطية ، والمصداق الثالث هو الشك في المانعية ، وقد تقدمت هذه الثلاثة ، والمصداق الرابع الذي نريد التحدث عنه الآن هو الدوران بين الخاص والعام ، كما لو فرض أنا جزمنا بأن المولى قد أوجب علينا اما الاكرام بعنوانه العام أو خصوص الاطعام ، فان الاطعام فردٌ من أفراد الاكرام والاكرام بمثابة العام والجنس فالنسبة بينهما نسبة العام والخاص ، ففي مثل هذه الحالة هل المناسب هو البراءة أو الاشتغال ؟
 وقبل أن نجيب عن هذا السؤال لابد من أن نوضح الفرق بين هذا المورد وبين المورد المتقدم - أعني مورد الشك في الشرطية - أي ما الفرق بين الشك في وجوب المطلق أو المشروط وبين الدوران بين العام والخاص ، أوليس هما شيئاً واحداً والاختلاف في الالفاظ ؟
 الجواب:- ان الفارق هو أنه في المطلق والمشروط هناك عنوان واحد لا عنوانان وهو عنوان الرقبة غايته يشك هل أن المطلوب هو هذا العنوان على اطلاقه وعرضه العريض أو بشرط الايمان ؟ ولكن تبقى الرقبة المؤمنة مع الرقبة غير المؤمنة تشتركان في مفهوم الرقبة فهما رقبة غايته هذه مع هذا القيد وتلك من دون ذلك القيد ، وهذا بخلافه في العام والخاص فانه يوجد مفهومان متغايران لا مفهوماً واحداً فان مفهوم الاكرام يغاير مفهوم الاطعام - أي أنه كمفهومٍ فهذا غير هذا - نعم أحدهما أخص من الآخر ولكن بالتالي هما متغايران كمفهومٍ وان كانا في عالم المصداق الخارجي بينهما نسبة الأعم والأخص بخلافه في مفهوم الرقبة فانه مفهوم واحد في الرقبة المؤمنة وغير المؤمنة فكلاهما رقبة الا أنه رقبة بقيدٍ مرة ومن دون قيدٍ أخرى . اذن الفارق بين العام والخاص وبين المطلق والمشروط هو ما أشرنا اليه.
 وعلى أي حال لو دار الأمر بين أن يكون الواجب هو المفهوم العام أو هو المفهوم الخاص فما هو الموقف المناسب ؟