الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / التنبيه الثاني / تنبيهات / الدوران بين الأقل والأكثر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 تتمة :- ان هذا هو استصحاب للكليّ من القسم الثاني ، فان وجوب التسعة نجزم به ولكنّه مردّد بين أن يكون ضمن وجوب العشرة فيكون باقياً وبين أن يكون بنفسه ومستقلاً فيكون ساقطاً فنستصحب كليّ وجوب التسعة من دون تقييد بكونه استقلالياً أو ارتباطياً ، وبالتالي يكون ذلك نظير استصحاب كليّ الحيوان لو شككنا في أن الحيوان الحادث هو البقّ أو هو الفيل فلو كان هو البق فقد زال ولو كان هو الفيل فهو باقٍ فنستصحب كليّ الحيوان ، وهنا كذلك فانا نستصحب كليّ التسعة ولكن لا وجوب التسعة الاستقلالي بالخصوص لعدم الجزم بحدوثه بقيد الاستقلالية ولا وجوب التسعة الضمني لعدم الجزم بكونه حينما حدث سابقاً حدث ضمنياً بل ذات الوجوب الكليّ الصادر مع الضمنية والاستقلالية فيكون من استصحاب الكليّ من القسم الثاني .
 هذا ما تقدم وأجبنا عنه بما تقدم ولا نكرر.
 وأجاب السيد الخوئي(قده) في الدراسات وفي المصباح بما حاصله:- ان استصحاب كليّ وجوب التسعة لا يجري لوجود ما هو حاكم ومقدّم عليه ، ولتوضيح ذلك نذكر مثالاً ثم نعود الى مقامنا:-
 والمثال هو:- لو فرض أن شخصاً كان محدثاً بالأصغر - كما لو نام واستيقظ من النوم فهو محدث بالأصغر جزماّ ثم بعد ذلك خرج منه بللٌ يحتمل أنه منيّ ويحتمل أنه من السوائل الأخرى أعم من كونه بولاً أو غير ذلك ثم فرض أنه توضأ بعد ذلك ، ففي مثل هذه الحالة سوف يشك في بقاء حدثه السابق فانه ان كان أصغراً فقد ارتفع جزماً بالوضوء وان كان أكبراً - أي كان البلل منياًّ - فهو باقٍ ، فهنا ربما يقال:- انا نستصحب كليّ الحدث أي - الأعم من كونه أصغر أو أكبر - وهذا هو استصحاب الكليّ من القسم الثاني ، وبذلك تكون النتيجة هي لزوم الغسل وعدم الاكتفاء بالوضوء . هكذا قد يشكل فكيف نتغلب على هذا الاشكال ؟
 نتغلب عليه وذلك بأن نقول:- هذا محدث بالأصغر جزماً ، ثم نقول:- نحن نشك في عروض الحدث الأكبر عليه والأصل عدمه اذ هو شكٌ في أصل الحدوث وبالاستصحاب ننفي طرو الحدث الأكبر ، ومعه لا يجري استصحاب الكلي - أي كلي الحدث - فانه يوجد ما هو مقدَّم عليه وهو اليقين بالحدث الأصغر زائداً أصالة عدم طرو الحدث الأكبر فان هذا ينقّح كون الحدث أصغر فقط وفقط ، وبالتالي لا يمكن جريان استصحاب كليّ الحدث لوجود ما هو حاكم عليه.
 ثم قال:- ونفس الشيء نسحبه الى مقامنا فنقول:- ان المكلف متيقن بوجوب التسعة وهذا مما لا اشكال فيه ، ويشك في تعلّق الوجوب بالعشرة وهذا شك في أصل ثبوت الوجوب - أي وجوب العشرة - والأصل عدمه ، فيتنقح بذلك كون الواجب هو التسعة - أي الأقل - ويكون هذا مقدّماً على استصحاب بقاء الكليّ الوجوب.
 وفيه:- انا تعلمنا أن شرط الأصل الحاكم هو أن يكون الترتّب بين الحاكم والمحكوم ترتباً شرعياً والّا كان المورد من الأصل المثبت ، وفي المقام نقول:- ان ثبوت كليّ الحدث الآن وعدم ثبوته ليس مترتباً شرعاً على أصالة عدم خروج المني أو بالأحرى أصالة عدم تحقق الجنابة فانه لا يوجد بينهما ترتّب شرعي - اذ لا يوجد نصّ يقول اذا لم يخرج المني فكليّ الحدث مرتفع وليس بباقٍ - كلّا وانما الملازمة عقلية اذ ما دام هو متيقناً بالحدث الأصغر - لفرض أنه استيقظ من النوم - فبضم أصالة عدم خروج المني سوف يلزم من ذلك عقلاً - وليس شرعاً - أن كلي الحدث ليس بباقٍ ، فالترتب والملازمة هما عقليان وليسا شرعيين ، ومعه يكون المورد من الأصل المثبت كما هو واضح.
 وأما الشاهد الذي ذكره فنحن نسلم أنه لا يجب الاغتسال كما هو المشهور والمعروف ولكن لا لأجل ما ذكره - أي نقول هو محدث بالأصغر جزماً اذ قد استيقظ من النوم وبالأصل ينتفي كون البلل منيّاً وذلك يحكم على استصحاب بقاء الكليّ - كلا ان المثال الذي ذكره واعتمد عليه لا يصلح يكون شاهداً فان الأصل بهذه الطريقة أصلٌ مثبت ، بل الوجه في هذا المثال هو أن آية الوضوء تقول ( يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ..... واذا كنتم جنباً فاطهروا ) أي فاغتسلوا ، ان المستفاد منها أن الوضوء هو وظيفة المحدث بالأصغر اذا لم يقترن معه حدث أكبر ، وفي المقام ان الحدث الأصغر متيقنٌ والأكبر منفيٌ بالأصل ومعه فلا معنى لاستصحاب بقاء الكليّ بعد أن تنقَّح موضوع وجوب الوضوء ، وأين هذا من مقامنا الذي لم يفترض فيه مثل ذلك ، ففي مقامنا لا يوجد دليل يدل على أن الأقل متى ما كان متيقناً والأكثر لم يتعلّق به الوجوب فالوظيفة هي الاتيان بالأقل ، وعليه فاستصحاب بقاء الكليّ يكون صالحاً للجريان وما ذكر لا يصلح أن يكون حاكماً.
 والخلاصة:- انه(قده) استعان بالشاهد الذي ذكره وهو لا يصلح أن يكون له شاهداً اذ في هذا الشاهد قد دلت الآية الكريمة على أن موضوع الوضوء هو الحدث الأصغر زائداً عدم طرو الحدث الأكبر ، وحيث قد تنقح هذا- أي تنقح أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل - فلا معنى لجريان استصحاب الكليّ ومثل هذا لا يوجد في مقامنا ، فالقياس قياس مع الفارق كما هو واضح.
 وذكر الشيخ النائيني(قده) [1] جواباً آخر للتخلص من هذا الاشكال وحاصله:- ان جريان استصحاب الكليّ من القسم الثاني يلزم فيه أن يكون كلا الطرفين مردداً ، أي يحتمل أن الحيوان هو البقّ كما يحتمل أن يكون هو الفيل ، فكلاهما مردد وأصالة عدم هذا معارضة بأصالة عدم ذاك فهنا يجري استصحاب الكليّ من القسم الثاني ، والأمر في مقامنا ليس كذلك فان الطرفين هما وجوب الأقل - وهذا هو الطرف الأقل - والطرف الثاني هو وجوب الأكثر ، ومن الواضح أن الطرف الأول متيقن وليس محتملاً وانما الاحتمال والتردد هو في خصوص الطرف الثاني ، ومعه لا يكون المورد من استصحاب الكليّ من القسم الثاني.
 وجوابه:- صحيح أنه هكذا قرأنا وتعلمنا ولكن من لآن فلنغير ولنوسع من دائرة استصحاب الكليّ من القسم الثاني ونقول انه شامل لمثل هذا فان النكتة - أي نكتة استصحاب الكليّ من القسم الثاني - تشمل مثل هذا أيضاً فانه يعلم بحدوث كليّ الوجوب اما في ضمن التسعة أو في ضمن العشرة ومجرد الجزم بأن التسعة هي الواجبة جزماً لا يخرج ذلك عن كون الكليّ متيقناً اما ضمن هذا أو ضمن ذاك فيجري استصحاب بقاء الكلي من القسم الثاني .
 اذن هذا الجواب قابل للمناقشة أيضاً . والصواب ما أشرنا اليه من الجواب سابقاً.


[1] اجود التقريرات 2 296.