الموضوع / التنبيه الاول / تنبيهات / الدوران بين الأقل والأكثر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الاحتمال الثاني:- أن يكون المقصود هو أن حديث الرفع يقول هكذا ( ان جزئية السورة حيث أنك تشك فيها فهي مرفوعة ) والعرف حينما نطرح عليه مثل هذا الكلام يفهم منه أن المرفوع فقط وفقط هو جزئية السورة ويفهم أيضاً أن ما عدى السورة باقٍ على حاله ، ان الشيخ الخراساني(قده) يريد أن يبين هذا المطلب.
واذا كان هذا مقصوده فلا يأتي عليه الاشكال ، اذ أن هذا الفهم العرفي شيءٌ مسلّم ، وهو شيء ظريف وجيد.
وفيه:- ان هذا وان كان وجيهاً ولكنه يتم اذا كان الدليل دليلاً خاصاً ، أي أنه ورد في خصوص جزئية السورة وانها لو كانت مجهولة فهي مرفوعة فهنا نسلّم أن العرف يفهم بالدلالة الالتزامية أن الأمر ببقيَّة الأجزاء باقٍ ، ولكن المفروض في مقامنا عدم وجود دليلٍ خاصٍ وانما الذي نملكه هو اطلاق حديث الرفع وهو ليس له مثل هذه الدلالة الالتزامية ونما هي من شؤون الدليل الخاص وليس من شؤون الدليل المطلق كما هو واضح.
هذا كله بالنسبة الى الدليل الثاني وقد اتضح أن فيما ما أفاده(قده) - من كون نسبة حيث الرفع الى أدلة الأجزاء هي نسبة الاستثناء - احتمالين وعلى كليهما يرد الاشكال ، وبالتالي يبقى هذا المطلب غامضاً ومحل اشكال.
وأما المطلب الثالث:- لو غضضنا النظر عن مصطلح الاستثناء الذي ذكره فيرد تساؤل جديد وهو:- ان الشيخ الخراساني(قده) يظهر منه أن الأمر بالجزئية حينما يرفع فحيث أنه يرفع من خلال الأمر بالكل فلا يعود لدينا ما يدل على ثبوت الأمر بالباقي ، فيظهر منه أنه كان يعيش المشكلة من هذه الناحية ويفكّر في كيفية التخلص منها فتشبث بمصطلح الاستثناء وقال ( ان حديث الرفع يستثني من أدلة الأجزاء ..... الخ ).
ونحن نقول:- لا توجد مشكلة من الأساس حتى تتعب نفسك في التفكير في حلّها فهي ليست ثابتة من الأساس ، والوجه في ذلك:- هو أن بقية الأجزاء نجزم بثبوت الأمر بها من الخارج ، فالمكلف المسلم الذي يعيش في دائرة الاسلام والاحكام الشرعية لا يحتمل سقوط وجوب الصلاة عنه رأساً ، فالأمر بالباقي ثابت جزماً وانما الشك في شمول الأمر لذلك المشكوك . اذن الأمر بالباقي - أي الأقل - لا نحتاج الى مثبتٍ له فانه ثابت بعلمنا الخارجي فلا مشكلة في البين حتى يتشبث بمصطلح الاستثناء . ومن هنا يحتمل أن مقصوده شيء أعمق وان كان ظاهر العبارة لا يساعد عليه.
اذن اذا أردنا أن نتساير مع ظاهر العبارة فالإشكال عليه واضح جداً وأن الأمر بالتسعة ثابتٌ بالضرورة فلا مشكلة في البين ، وأما اذا أرنا أن نأخذ بالمعنى الأعمق فسوف يرتفع الاشكال آنذاك . نعم ربما يتوجّه الاشكال من جهات أخرى ولكن هذه قضية ثانية.
وحاصل ذلك المطلب الأعمق هو:- انه(قده) ذكر في البداية أنه يتكون لدى المكلف علم اجمالي بوجوبٍ نفسيٍ متعلقٍ اما بالتسعة أو بالعشرة وهذا العلم الاجمالي غير قابل للانحلال بنظره(قده) ، ومن هنا قال ان الوظيفة هي الاحتياط عقلاً لأجل هذا العلم الاجمالي المنجّز وأيضاً لأجل فكرة الغرض التي أشرنا اليها سابقاً -.
واذا سألنا سائل وقال:- ان الأصول في المقام ليست متعارضة لأن أصل البراءة لا يجري بلحاظ وجوب الأقل اذ أن نفي وجوب الأقل يعني الزام المكلف بالضيق والكلفة - أي بالأكثر - وهو خلاف المِنَّة وحديث الرفع امتناني فيجري أصل البراءة بلحاظ وجوب الأكثر بلا معارض.
ومن هنا نقول:- ان الشيخ الخراساني(قده) يظهر أنه يبني - كما قد يلوح من بعض عبائره في أبحاث وموارد أخرى - على مسلك العليّة ولازم المسلك المذكور أن الأصل لا يجري في الطرف الواحد حتى اذا لم يكن له معارض ، ومن هنا وقع في حيص وبيص ففكَّر في طريقة يُسقِط بها هذا العلم الاجمالي عن المنجزية في حدّ نفسه فاذا سقط عن المنجزية في حدِّ نفسه لم يَعُد هناك مانعٌ من اجراء أصالة البراءة بلحاظ وجوب الأكثر.
أما ما هو الطريق الذي يسقط به العلم الاجمالي عن المنجزية ؟
هو أن نقول:- ان أحد طرفي هذا العلم الاجمالي هو منجّز في حدّ نفسه بقطع النظر عن العلم الاجمالي وذلك الطرف هو وجوب الأقل فانه بقطع النظر عن العلم الاجمالي هو معلوم الوجوب بالضرورة ، ويوجد نافٍ لوجوب الأكثر وهو البراءة من الجزئية فان نتيجة البراءة من الجزئية - التي هي حكم وضعي - هي في صالح الأقل وأنه هو الواجب.
اذن علمنا الخارجي مع أصالة عدم جزئية الجزء المشكوك يصبّان في وادٍ واحد وهو تنجّز الأقل فصار الأقل منجّزاً في حدِّ نفسه بقطع النظر عن العلم الاجمالي ، وآنذاك حينما يطرأ العلم الاجمالي للمكلف والحال أنه قد تنجّز أحد طرفيه بمنجّزٍ في حدّ نفسه فلا يعود العلم الاجمالي منجزاً ، واذا لم يكن منجّزاً فلا مانع من الرجوع الى أصالة البراءة عن وجوب الأكثر .
وبهذا يتضح أن الشيخ الخراساني(قده) لا يريد من خلال تطبيق حديث الرفع أن يرفع وجوب الكل والأمر بالكل حتى يقع في حيرة من حيث كيفية اثبات وجوب الأقل ، كلا بل أراد أن يضمَّ البراءة عن الجزئية الى العلم الخارجي بوجوب الأقل حتى يثبت تنجّز الأقل ويُسقِط العلم الاجمالي عن التنجيز وبذلك يمكنه أن يتمسك بالبراءة عن الحكم التكليفي - أي يجري البراءة عن وجوب الأكثر -.
واذا كان هذا مقصوده - والذي هو عكس التفسير السابق تماماً - فلا ترد عليه الغرابة ولا يتسجل عليه الاشكال السابق . نعم ربما توجد بعض الاشكالات الجانبية العلمية من جهة وأخرى ولكن هذا مطلباً آخر.
وخلاصة كل ما ذكرنا:- هي أن مطلب صاحب الكفاية يتسجل عليه ثلاث ملاحظات:-
قلنا في الملاحظة الأولى:- ماذا تقصد من تطبيق حديث الرفع ؟ فهل تقصد تطبيقه على الجزئية بما هي جزئية أو على وجوب الأكثر ؟ وعلى التقديرين يرد الاشكال.
وقلنا في الملاحظة الثانية:- أنت عبَّرت بمصطلح ( الاستثناء ) وفيه احتمالان وعلى كلا التقديرين يرد الاشكال.
وقلنا في الملاحظة الثالثة:- لو تماشينا مع ظاهر عبارته فتتسجل عليه الغرابة ، ولكن هناك تفسير أعمق وان كان ربما لا يتوافق مع ظاهر العبارة كما أشرنا.