الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / تنبيهات / الدوران بين الأقل والأكثر / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 ولعل الجواب واضح من خلال كلامه(قده):- فانه عدل الى الجزئية التي هي حكم وضعي وطبق حديث الرفع عليها ولم يطبقه على وجوب الأكثر من جهة نكتة أشار اليها في كلامه حيث قال:- ان وجوب الأكثر هو طرف في العلم الاجمالي فان لنا علماً اجمالياً بوجوب اما الأقل أو الأكثر ، وهذا العلم الاجمالي يرى أنه تامٌ ولا ينحلّ - خلافاً للشيخ الانصاري في الرسائل - ولازم ذلك أن البراءة لا تجري في هذا الطرف ولا في ذاك للمعارضة ، فهو من هنا لم يطبّق حديث الرفع على وجوب الأكثر فانه طرف للعلم الاجمالي الذي افترضه تاماً ومنجزاً فعدل الى تطبيقه على الجزئية المشكوكة.
 ونحن هنا نشكل بإشكالين:-
 الاشكال الأول:- اننا نسأله ونقول:- هل أنك تطبّق حديث الرفع على الجزئية لرفعها ابتداءً ، أو أنك تطبقه عليها من خلال رفع وجوب الأكثر وبالتبع سوف ترتفع الجزئية ؟ انه يجيب حتماً بأن مقصودي هو الثاني ، اذ الجزئية كما ذكر(قده) لا تقبل بنفسها الرفع لأنها ليست أمراً مجعولاً وليس لها أثر مجعول - هذا على تعبيره ، وبتعبيرنا قل ( ان الجزئية لا تقبل التنجيز والتعذير ) - فان الذي يتنجز أو يُعذَر منه المكلف هو الحكم التكليفي - أعني الوجوب أو الحرمة - فان الوجوب يتنجز أو يرفع فيُعذر منه المكلف ، أما الجزئية والطهارة والنجاسة والصحة والفساد ...... وما شاكل ذلك فلا تقبل التنجيز ، ولا معنى لتطبيق حديث الرفع على الحكم الوضعي فانه لا يقبل التنجيز والتعذير بنفسه وأن الذي يقبل ذلك هو الحكم التكليفي وحديث الرفع يريد أن يرفع ما يقبل العذرية.
 اذن يتعين من خلال هذا أن يكون مقصود صاحب الكفاية من تطبيق حديث الرفع على الجزئية هو تطبيقه على منشأ الانتزاع ، أي أنه يريد أن يرفع الأمر بالكل وعندها يقول ( اذن ارتفعت الجزئية ) فرُفِعت الجزئية بواسطة رفع منشأ انتزاعها ، فلابد أن يكون مقصوده هو هذا.
 واذا كان هذا هو المقصود فيرد عليه ثلاثة محاذير:-
 المحذور الأول:- ان هذا كرٌّ على ما فرّ منه ، فانك فررت من تطبيق حديث الرفع على الأمر بالكل وطبقته على الجزئية لأجل أن وجوب الكل هو طرف للعلم الاجمالي المنجّز فكيف عُدت الآن الى ذلك ورفعت وجوب الكل فهذا كرّ الى ما فررت منه ، وينبغي أن يكون هذا مطلباً واضحاً.
 المحذور الثاني:- لو غضضنا النظر من جهة المحذور الأول فيرد محذور الأصل المثبت ، فانك ترفع الأمر بالكل وبالتالي تريد أن تقول ( اذن لا جزئية ) والحال أن ثبوت الجزئية عند الأمر بالكل هو لازم عقلي ، ونفي الجزئية عند انتفاء الأمر بالكل هو لازم عقلي أيضاً وليس شرعياً ، وهذا من واضحات الأمور أيضاً.
 المحذور الثالث:- بقطع النظر عما تقدم لا يمكن التمسك بإطلاق حديث الرفع في المقام وذلك لقضية أشرنا اليها في مبحث الاطلاق - ولكن لم نقرأها في الكفاية أو غيرها رغم وضوحها - وهي أن شرط التمسك بالإطلاق هو عدم لزوم مؤونة من جهة أخرى والا فلا يمكن التمسك به ، فمثلاً اذا فرض أن المرأة احتاجت الى مراجعة الطبيب والكشف عن بدنها فهل يجوز لها أن تكشف ؟ قد يقال:- نعم لأنها مضطرة فيشملها حيث ( رفع عن أمتي ما أضطروا اليه ) ، ولكن الكلام في الطبيب فانه غير مضطر فان الحديث يشملها ولا يشمل الطبيب . وقد يجاب:- بأن الحديث اذا شملها فيجوز لها الكشف وبالتالي يجوز للطبيب أن ينظر والا لزم لغوية شمول الحديث للمريضة . وبالإمكان الاجابة بأن لازم ثبوت شمول الحديث لها في هذا المقام تقييد دليل حرمة نظر الرجل الى المرأة الأجنبية والأمر يدور بين تقييدين ، أي بين أن نقول ان حديث رفع الاضطرار يشمل هذه المرأة ولكن لازم ذلك تقييد دليل حرمة نظر الرجل الى المرأة وبين أن نُعمِل التقييد بشكل آخر وذلك بأن نحافظ على اطلاق دليل حرمة النظر ونقيد دليل الاضطرار ونقول هو لا يشمل هذه المرأة التي تحتاج الى الكشف عن بدنها ، والتقييد الثاني ليس بأولى من التقييد الأول ، اذن الصحيح في هذه الحالة أن حديث رفع الاضطرار لا يصح التمسك به ولابد من البحث عن دليل آخر لإثبات جواز الكشف والنظر . هذه قضية فنية صناعية يجدر الالتفات اليها.
 اذن يصح التمسك بالإطلاق اذا لم يلزم من التمسك به مؤونه من جهة أخرى ، وهذه قضية ينبغي أن تكون واضحة . نعم نلتزم بهذه المؤونة اذا فرض ورود دليلٍ خاصٍ كصحيحة أبي حمزة الثمالي التي قالت ( لا بأس أن تراجع المرأة الطبيب اذا كان أرفق من المرأة ) فانه ورد في خصوص المرأة المريضة وقد دل على جواز رجوعها الى الطبيب فبالالتزام يثبت جواز نظر الطبيب ، ولكن والمفروض أنا لا نريد أن نتمسك بروايةٍ خاصةٍ بل نريد التمسك بإطلاق حديث رفع الاضطرار فالإطلاق لا يجوز التمسك به أما اذا وردت رواية خاصة في هذا المورد فنتمسك بها وتثبت الدلالة الالتزامية. وتعال الى مقامنا:- فحديث الرفع يقول ( أنا أرفع ذلك الشيء الذي لا تعلمه - وهو الجزئية - فانك لا تعلم بها ) ولكن حيث أن الحديث لا يمكن أن يشمل الجزئية لفرض أنها لا تقبل التنجيز والتعذير - على تعبيرنا - أو ليست مجعولة - على تعبيره - فنحاول أن نطبقه عليها من خلال رفع منشأ الانتزاع ، ان هذه مؤونة لا يدل عليها حديث رفع الاضطرار ، فاذا فرض ورود دليل خاص في المقام بأن كان يقول ( الجزئية المشكوكة أنا أرفها ) فانه يدل بالالتزام على رفع منشأ الانتزاع ، أما اذا فرض أن الدليل كان مطلقاً فكيف نثبت أن المرفوع هو منشأ الانتزاع بعد فرض أن حديث الرفع يرفع مورده الذي هو غير معلوم ومورده الجزئية ولا نريد أن نطبقه على وجوب الكل لأننا نفرّ من ذلك ، ان هذه مؤونة لا يدل اطلاق حديث الرفع عليها وانما يثبت هذا لو ورد دليل خاص ، وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات اليها.