الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / الدوران بين الأقل والأكثر / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 ثم انه ذكرنا في الأمر الأول المتقدم أن لازم وجود أجزاءٍ للواجب هو أن الغرض يشتمل على مراتب وكل جزء يحقق مرتبة من الغرض فيلزم أن يكون الغرض ذا مراتب.
 والآن نضيف بياناً آخر ونقول:- لو تنزلنا وقلنا ان وجود أجزاء للواجب لا يلازم وجود مراتب للغرض بل ربما يكون بسيطاً بالمعنى الاخص فيمكن أن نستعين ببيان آخر وهو أن الشك يكفينا ، فنحن نحتمل أن الغرض بسيط بالمعنى الاخص كما نحتمل أنه ذو مراتب فبالتالي لا نحرز اشتغال ذمتنا بغرضٍ بسيطٍ بالمعنى الأخص حتى يلزم التفريغ اليقيني منه - أي أن المورد يصير من موارد الشك في أصل الاشتغال - أي هل اشتغلت ذمتنا بغرض بسيط بالمعنى الاخص أو لا ؟ وما دام لا يوجد اشتغال يقيني للذمة بغرض من هذا القبيل فلا يلزم الاتيان بالأكثر.
 وثانياً:- من قال ان الذمة تشتغل بالغرض والمصلحة ؟! فصحيح أن الاحكام تابعة لمصالح في متعلقاتها بيد أنا مكلفون بتفريغ الذمة من الواجب وأما المصلحة فهي أمر لا يرتبط بنا ولا تشتغل به الذمة فالله عز وجل قال ( اقيموا الصلاة ) والذمة مشتغلة بوجوب الصلاة وبامتثال الوجوب المذكور واما المصلحة فلسنا مكلفين بها وبتفريغ الذمة من ناحيتها ، وعليه فأصل هذا الدليل مرفوض فانه مبنيّ على أن تكون الذمة مشغولة بشيئين هما الواجب والمصلحة وهذا لا نسلم به.
 ولا تقل:- ان هذا نزاع مبنائي ، فلعل صاحب الكفاية يرى أن الذمة مشغولة بالمصلحة والغرض.
 فانا نجيب:- ان هذا المطلب ينبغي أن يكون من الأمور الواضحة ولا نحتمل أن صاحب الكفاية حينما صار الى هذا الدليل أنه يبني حقاً على اشتغال الذمة بالغرض مضافاً الى الواجب وانما حصلت له غفلة.
 وعلى أي حال الذي نريد أن نقوله هو أن من التفت قليلاً ارتفع عنه هذا التوهم وليست القضية مبنائية والا فمن البعيد أن شخصاً مثل صاحب الكفاية(قده) يبني على اشتغال الذمة بالمصلحة.
 ان قلت:- اذا فرض أن المولى العرفي كان غائباً عن أمواله ورأى عبده السيل قد جاء وسوف يتلف أمواله فهل هناك عاقل يحتمل أنه لا يجب انقاذ الأموال لأن أغراض المولى لا تنشغل بها الذمة وانما تنشغل بالواجبات وهو لم يصدر أمراً بالإنقاذ ومجرد الغرض من دون تكليف لا يكفي لاشتغال الذمة ؟!
 قلت:- ان هذا قياس مع الفارق ، فان المولى العرفي لو كان حاضراً ويتمكن من الكلام ومع ذلك لم يأمر بالإنقاذ فنقول نعم لا يجب الانقاذ ما دام هو يرى ويسكت ، وانما نقول بلزوم الانقاذ باعتبار أنه غافل أو بعيد أو ما شاكل ذلك ، وأين هذا من مقامنا فان الغفلة لا معنى لها فالله عز وجل يلزم تنفيذ غرضه من الطريق الذي رسمه ، والذي ثبت رسمه هو وجوب الأقل ، أما ما زاد فحيث لا مثبت له فلا تنشغل ذمتنا به ، وبالتالي لا تنشغل الذمة بالأغراض وانما تنشغل بالطريق الذي رسمه الشارع لتحقيق الغرض.
 الدليل الثالث:-
 وحاصله:- انا نترك فكرة العلم الاجمالي - التي أشير اليها في الدليل الأول - ونترك فكرة الغرض - التي أشير اليها في الدليل الثاني - ونقول ان الواجب علينا هو تحقيق الغرض من الطريق الذي رسمه الشارع والذي رسمه الشارع هو وجوب الأقل فان وجوب الأكثر لا بيان عليه ، اننا نسلم بكل هذا ولكن رغم ذلك يكفينا هذا المقدار لأثبات الاشتغال ووجوب الاتيان بالجزء المشكوك وذلك ببيان أن الوجوب وان كان متعلقاً بالتسعة ولا بيان على وجوب الزائد ولكن نحتمل أن التسعة هي واجبة ضمن عشرة - أي ضمن وجوب العشرة واقعاً - فواقعاً يحتمل أن التسعة مطلوبة ضمن العشرة وعلى هذا الأساس لا نقطع بفراغ ذمتنا اذا أتينا بالتسعة بعد احتمال وجوبها ضمن العشرة اذ يصير وجوبها ترابطياً - يعني لا يحصل الامتثال الا بضم الجزء العاشر - فيلزم الاتيان بالعشرة كي نجزم بأن الوجوب - أي وجوب التسعة - قد سقط فانه من دون الاتيان بالعشرة لا نجزم بسقوطه . ونؤكد بأنا لا نريد أن ندعي أن الذمة مشغولة بالعشرة ، كلا بل هي مشغولة بالتسعة ولكن حيث نحتمل واقعاً أن التسعة مطلوبة ضمن العشرة فلا يحصل الفراغ اليقيني من الوجوب المتعلّق بالتسعة الا بالإتيان بالجزء العاشر ، ولعله هذا من أدق الأدلة وأقواها في هذه المسألة.
 وفيه:-
 أولاً:- نحن ننكر الكبرى ، أي لا نسلم بأنه كلما شككنا في سقوط التكليف فالعقل يحكم بالاشتغال وانما يحكم العقل بالاشتغال فيما لو كان الشك في سقوط التكليف ناشئاً من تقصير المكلف كما لو دخل وقت الصلاة وفي آخر الوقت شك المكلف هل صلى أو لا ؟ انه يحتمل عدم اتيانه بالصلاة - أي أنه قصَّر بالإتيان بها - فهنا يحكم العقل بلزوم الاشتغال ويقول ( ما دام قد اشتغلت ذمتك يقيناً وتشك في تحقق الامتثال فيلزمك أن تحرز فراغ الذمة وذلك بأن تمتثل بنحو الجزم ) ان هذا شيء مقبول ونحن نقبل قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ القيني في هذه الحصة وهذا المجال ، وأما اذا كان منشأ الشك في سقوط التكليف ليس هو تقصير المكلف كما هو في المقام فان المكلف لم يحصل له تقصير اذ قد أتى بمتعلق الوجوب المعلوم فان الوجوب المعلوم هو وجوب التسعة وقد أتى به جزماً وانما يحتمل عدم سقوط التكليف من جهة ترتبط بالمولى لا به فانه يحتمل أن المولى قد أوجب العشرة واقعاً فلا يسقط وجوب التسعة بالإتيان بالتسعة من جهة هذا الاحتمال المرتبط بالمولى ، وفي مثل هذه الحالة من قال ان العقل يحكم بقاعدة الاشتغال القيني يستدعي الفراغ القيني ؟! بل نتمكن أن نقول:- ان العقل يقول ( ان احتمال عدم سقوط التكليف ناشئ ومرتبط بالمولى فانت ليس عليك شيء حيث أن المولى لم يبين أن الجوب متعلق بالعشرة وانما ذلك مجرد احتمال فلا يجب الاشتغال ) ولا أقل تجري البراءة الشرعية فان الضيق والكلفة من هذه الناحية رفعه حديث ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ، أي حتى لو حكم العقل بالاشتغال فهو حكم تعليقي على عدم ترخيص المولى بالترك وبالبراءة الشرعية تثبت الترخيص المولوي في الترك.
 والخلاصة:- انه لا ينبغي أن نغترَّ بالإعلام والألفاظ ، أي أن صاحب الدليل يثبت أن الشك هنا في السقوط وهو مجرى لقاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، ولكن نحن نقول هذا صحيح فيما لو كان ذلك ناشئاً من تقصير المكلف وأما اذا كان ناشئاً من جهة مرتبطة بالمولى فمن أين لك هذه القاعدة ؟!!