الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / الدوران بين الأقل والأكثر / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 وفيه:-
 أولاً:- انا ندعي ان الغرض وان كان واحداً وليس متعدداً كما قيل - اذ لو كان متعدداً للزم أن يكون المورد من الاستقلاليين - ولكن نقول:- ان الغرض الواحد قابلٌ للسعة والضيق - أي هو من قبيل الكلي المشكك الذي له مراتب - وحينئذ نقول انا نجزم بثبوت الغرض بمرتبة التسعة ، وأما سعته بحيث يمتد الى الجزء العاشر فهو شيء مشكوك .
 اذن الغرض واحد لا متعدد ولكن هو من قبيل الكلي المشكك وبمرتبته الأقل نجزم بثبوته وقد حققنا ذلك من خلال الاتيان بالتسعة أجزاء وأما بمقدار السعة فيشك في أصل ثبوته فلا يكون المورد من موارد قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني اذ صحيح أنه عندنا يقين باشتغال الذمة بالغرض ولكن بالمرتبة الاقل وقد فرَّغنا ذمتنا يقيناً من الذي اشتغلت به يقينا عند الاتيان بالتسعة وأما بالمقدار الزائد من الغرض فلا يقين بأصل الاشتغال والثبوت فلا معنى لتطبيق قاعدة الاشتغال اليقيني بلحاظ السعة ، وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات اليها.
 ولعل هذا هو مقصود من أشكل على الشيخ الاعظم(قده) ففقد نُقل [1] انه في مسألة قصد القربة في الصلاة هل يلزم تحقيق قصد القربة فيما اذا شككنا في اعتباره فيها ؟ او في مسالة رد السلام مثلاً , فنشك هل يعتبر في رد السلام قصد القربة او لا ؟ انه في هذه المسالة استدل على وجوب الاحتياط بمسألة الغرض وقال بأن هناك غرض جزمي من التكليف بالصلاة أو بردِّ السلام ...... أو غير ذلك ونحن اذا حققنا ذلك الواجب من دون قصد القربة فسوف نشك في تحقق ذلك الغرض فيلزم لأجل تحصيل الفراغ اليقيني الاتيان بقصد القربة.
 واشكل بعض التلاميذ عليه وقال:- انا نشك في وجود غرض بلحاظ هذا الجزء أو الشرط المشكوك - أعني قصد القربة وانما الذي نجزم بوجود الغرض فيه هو المقدار الأقل - أي ما عدى قصد القربة - اما بلحاظ قصد القربة فنشك في وجود الغرض ، فلا يكون المورد من موارد الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
 وأجابه الشيخ(قده):- بأن الغرض في الصلاة واحدٌ ونحن نشك في تحقق ذلك الغرض الواحد اذا لم يُؤتَ بقصد القربة.
 ونحن في مقام التعليق على هذا الحوار بين الاستاذ وتلميذه نقول:- لعل مقصود التلميذ ما أشرنا اليه ، أي أنه يريد أن يقول انا أسلم أن الغرض واحدٌ وليس متعدد والا يلزم ان يصير المورد من الاستقلاليين ، بيد أن هذا الواحد ذو مراتب ونحن نجزم بتحققه بالمرتبة الأقل وذلك يتحقق بالإتيان بالأقل ، واما بلحاظ المرتبة الزائدة فنشك في أصل ثبوت الغرض - أي نشك في السعة - فيخرج المورد من موارد قاعدة الاشتغال اليقيني ويصير من موارد الشك في أصل الاشتغال.
 وعلى أي حال هناك أمور أربعة نحتاج اليها كي يتجلى هذا المطلب:-
 الأمر الأول:- قد تسأل:- كيف نثبت أن الغرض واحدٌ لكنه من قبيل الكلي المشكك ؟ فان هذا يحتاج الى اثبات اذ من المحتمل أن يكون بسيطاً بتمام معنى الكلمة وليس ذا مراتب حتى تقول انا نجزم بالاشتغال بالمرتبة الضيّقة ونجزم بفراغ الذمة منها وأما بالمرتبة الأزيد فنشك في أصل الاشتغال ، كلا وانما هو واحد بسيط بتمام معنى الكلمة.
 والجواب:- انه لا معنى للبساطة ثبوتاً بلا حاجة الى نفيها اثباتاً ، فما دامت هناك أجزاء للواجب فكل جزء سوف يصير دخيلاً في الغرض فالجزء الاول دخيل في الغرض ولذا اعتبره المولى ، والجزء الثاني كذلك ... وهكذا ، فلو كان الغرض واحداً بسيطاً لزم أن يكون الواجب واحداً ليس له أجزاء .
 اذن لازم دخالة كل جزءٍ في الغرض هو أن يكون الغرض ذا مراتب ولا يُتَعقّل البساطة التامة مع فرض مدخلية كل جزءٍ في الغرض . اذن لا يمكن فرض البساطة التامة ثبوتاً حتى تسأل عن كيفية اثبات ذلك.
 الأمر الثاني:- قد تقول:- اذا كان الغرض ذا مراتب فما الفرق حينئذ بين هذا وبين أن يكون هناك غرض آخر مستقل ؟ انك نفيت ذاك من باب أنه سوف يدخل المورد تحت الاستقلاليين ، ونحن نقول بناء على فكرة المراتب سوف يأتي نفس ذاك فحكم المراتب للغرض الواحد حكم وجود غرض ثانٍ مستقل ، أي أنه يلزم دخول كلا الموردين تحت عنوان الاستقلاليين حكماً وان لم يكن منه حقيقة.
 والجواب:- اذا فرضنا وجود غرض آخر غير الغرض الأول فبالإتيان بالأقل يحصل امتثال بقدر الأقل ، وهذا بخلافه فيما لو كان الغرض واحداً ذو مراتب فان هناك ارتباطية في هذا الغرض الواحد تمنع من تحقق الامتثال بمقدار المرتبة الأقل من الغرض لأنها ترابطية مع المرتبة الأخرى - أي هناك ترابط في عالم الامتثال - فلا يلزم من فرض فكرة المراتب أن يصير المورد مصداقاً حقيقةً أو حكماً للاستقلاليين.
 الأمر الثالث:- قد تقول:- ان مدخلية الجزء في الغرض قضية تكوينية وحقيقية وليست مجرد اعتبار والقضايا التكوينية لا معنى للتمسك فيها بأصل البراءة ، فلا معنى لقولك ( ان مدخلية الجزء العاشر في الغرض مشكوكة فنرفعها بحديث رفع ) بعد كون مدخلية الجزء في الغرض قضية تكوينية.
 والجواب:- صحيح ان مدخلية الجزء في الغرض شيء تكويني وليس باعتبار معتبر ولكن الضيق واشتغال الذمة والكلفة الزائدة ليس شيئاً تكوينياً ، فنشك في وجود كلفة زائدة بلحاظ المرتبة الزائدة من الغرض فنرفعها بحديث الرفع ونقول ( ان الكلفة من ناحية هذه المدخلية - أي مدخلية الجزء العاشر في الغرض - هي مشكوكة ) لا أنا نرفع مدخلية الجزء العاشر في الغرض ، كلا بل ان مقصودنا من تطبيق حديث الرفع هو هذا ، وعليه فلا اشكال.
 الأمر الرابع:- قد تقول [2] :- ان أصل البراءة لا يمكن تطبيقه ابداً وذلك ببيان:- ان تطبيق الحديث بلحاظ التسعة - أي الاقل - لا معنى له لأنه لو رفع الكلفة من ناحية التسعة فلازمه ثبوت الضيق ، أي اننا ملزمون بالعشرة فان لازم رفع مدخلية التسعة هو اثبات مدخلية العشرة وأنه يلزم الاتيان بها وحديث الرفع جاء للتوسعة لا لإثبات الضيق فان تطبيق حديث الرفع بلحاظ التسعة خلف التوسعة والمنَّة ، واذا أردنا تطبيق الحديث بلحاظ العشرة فحصول الغرض بالعشرة شيء يقيني وليس مشكوكاً فلا معنى لتطبيق الحديث بلحاظها.
 والجواب:- نحن نجري البراءة عن مدخلية خصوص العشرة في الغرض ، ونسلط الاضواء على كلمة ( خصوص ) فان خصوص العشرة نشك في مدخليتها في الغرض فنرفع الكلفة من هذه الناحية لا أننا نريد أن نقول ( ان العشرة لا يتحقق بها الغرض ) حتى تقول هذا خلف القين بكون العشرة محقّقة للغرض وانما نحن نشك هل أن خصوص العشرة هو الذي له مدخلية في الغرض أو لا ؟ فنرفع هذه الخصوصية والكلفة من ناحية هذه الخصوصية ، وهذا مطلب ينبغي ان يكون واضحاً.


[1] كما جاء في اجود التقريرات 1 124 ط قديمة.
[2] كما يظهر من بعض كلمات الشيخ النائيني(قده).