الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / التنبيه الخامس ( حكم ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة ) / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 تتمة:- هل يلزم أن نفترض أن هذه الملاقاة وتلك الملاقاة حصلتا في زمان واحد ؟ انه هل يلزم أن نفترض ذلك ، أو أن التنجيز يثبت حتى لو حصلت الملاقاة الأولى في زمان أسبق على حصول الملاقاة الثانية ؟
 والجواب:-
 أما على مبنى الشيخ الأعظم(قده) - الذي يقول لا يدخل في المعارضة إلا الأصول ذوات الرتبة الواحدة - فالمفروض أن الأصل في الثالث مع الأصل في الرابع هما في رتبة واحدة فيتساقطان فيثبت التنجيز من دون فرق بين اقتران زمان هذه الملاقاة لتلك أو الاختلاف فان تمام النكتة هي وحدة الرتبة وهي محفوظة.
 وأما على رأي الشيخ النائيني(قده) - الذي يرى أن التنجز يأتي من الأسبق ولو رتبة - فلا يوجد هنا طرف مشترك بين العلمين حتى يتلقّى التنجُّز من العلم الأسبق بل في العلم الثاني يوجد طرفان يغايران طرفي العلم الأوَّل فيكون العلم الثاني منجزاً كالأوَّل.
 إن قلت:- إذا حصلت الملاقاة الأولى في زمن أسبق فهنا سوف يكون العلم الإجمالي المتشكل بسبب هذه الملاقاة بين الشيء الثالث وبين الإناء الثاني والمفروض إن الإناء الثاني طرف مشترك فسوف يتلقى التنجُّز - ولو احتمالاً - من العلم الأوّل فلا يصير العلم الإجمالي منجزاً.
 قلت:- هذا صحيح ما دمنا نحن والعلم الإجمالي الثاني بهذا الشكل - أي بين الثالث والثاني - ولكن بعد حصول الملاقاة الأخرى سوف يتشكل علم ثالث جديد ولابد أن نلاحظه وفي هذا العلم لا يوجد طرف مشترك حتى يتلقى التنجُّز من العلم السابق . إذن لا إشكال من هذه الناحية.
 وبالجملة:- يجب الاجتناب عن هذا الملاقي - أي الثالث - وعن ذاك الملاقي - أي الرابع - على رأي كلا العَلَمين من دون فرق بين ما إذا كان هناك تعاصر في زمان الملاقاة أو الاختلاف.
 نعم بناءً على رأي السيد الخوئي(قده) الذي يتمسك بقضية ( الساقط لا يعود ) يلزم التقييد بما إذا فرض وحدة زمان هذه الملاقاة مع تلك لأنه لو اختلف وحصلت الملاقاة الأولى - أي أن الشيء الثالث لاقى الإناء الأول - فهنا سوف تتساقط الأصول الثلاثة ما دام العِلمين الأول والثاني قد حصلا في زمان واحد والساقط لا يعود ، وحينئذ إذا حصلت الملاقاة الثانية في زمن متأخر فالأصل سوف يجري ولا يعارَض بالأصل في الشيء الثالث - الملاقي - لأن أصله قد سقط بالمعارضة الأولى ما دمنا قد فرضنا في المعارضة الأولى أن هناك مقارنة بين العِلمين والساقط لا يعود.
 إذن إذا كان هناك اختلاف فهو على رأي السيد الخوئي(قده) دون العَلَمين.
 استدراك:- ذكرنا فيما سبق أن المقصود حينما نقول إن أصل الطهارة لا يجري في الشيء الثالث فلا يعني أنا نحكم بنجاسته وإنما لا نحكم بطهارته فآثار الطهارة لا تترتب لا أن آثار النجاسة تترتب ، بل آثار النجاسة منفية لعدم العلم بها ، هذا ما ذكرناه سابقاً.
 وهذا الذي نذكره في الشيء الثالث يذكره الأعلام أيضاً ولكن في الإناءين الأوَّلين اللذين نعلم بنجاسة أحدهما فإنهم لا يحكمون بنجاسة هذا أو ذاك وإنما يحكمون بعدم النجاسة لا أكثر حيث أن أصل الطهارة لا يجري ، وهذا شيء واضح.
 ولكن الشيء الذي نريد أن نقوله هو انه قد يشكل ويقال:- لابد من ترتيب آثار النجاسة على الشيء الثالث ، وهذا إشكال يتوجه إلينا حيث أنا نبني على عدم جريان أصل الطهارة في الشيء الثالث ولا يجري على مسلك الأعلام لأنهم يجرون أصل الطهارة فيه . إذن نحن الذين لا نجري أصل الطهارة فقد يقال لنا إن آثار النجاسة يلزم ترتيبها والوجه في ذلك هو أن النجاسة تحتاج إلى وسيلة نافية لكي تنفيها وما هي إلا الأصل فنقول نحن نشك في النجاسة والأصل بمعنى الاستصحاب عدمها ، ومن المعلوم أن هذا الأصل كما يجري في الشيء الثالث يجري في الشيئين الأوَّلين أيضاً بعد فرض أن أصل الطهارة لا يجري فيهما فما دام لا يجري فحينئذ يكون أصل عدم النجاسة صالحاً للجريان في الأطراف الثلاثة وحيث نعلم بكذب واحد جزماً لأن واحداً منها نجس جزماً فلا يجري آنذاك أصل عدم النجاسة وبالتالي لا يمكن أن ننفي النجاسة عن الشيء الثالث ونقول إن آثار النجاسة لا تترتب ، إن هذا لا يمكن أن نقوله بعد فرض تعارض الأصول في مقام نفي النجاسة ، وهذه شبهة علمية فكيف الجواب عنها ؟
 قلت:- هذا وجيه إذا فرض أن الأثر في جميع الأطراف الثلاثة كان مترتباً على مانعية النجاسة ، أما إذا فرض أن الأثر في الأوَّلين كان مترتباً على الطهارة كالإناءين من الماء فان جواز الشرب يلزم فيه طهارة الماء بينما الشيء الثالث نفترضه ثوباً أصاب الإناء الأوَّل فان الأثر - وهو جواز الصلاة فيه - لنفترض أنه مترتب على مانعية النجاسة.
 إذن بالنسبة إلى الطرفين الأوَّلين فالأثر مترتب على الطهارة بينما في الشيء الثالث الأثر مترتب على وجود النجاسة فمع وجود النجاسة لا تجوز الصلاة في الثوب انه هنا لا تقع المعارضة بين الأصول الثلاثة إذ في الأوَّلين لا أثر للنجاسة حتى نقول إن الأصل هو عدم النجاسة وإنما الأثر للطهارة على ما فرضنا ، بينما في الشيء الثالث الأثر مترتب على وجود النجاسة فيجري أصل عدمها من دون معارض .
 إذن الثمرة تتصور هنا.
 أما إذا اشترك الجميع في كون النجاسة مانعة فلا يمكن أن نجري أصل عدم النجاسة للمعارضة ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 
 وجوب الاجتناب عن الملاقي وطرف الملاقى دون نفس الملاقى:-
 ذكر الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية أن هناك صورة أخرى يجب فيها الاجتناب عن الطرف الثالث - أي الملاقي - والطرف الثاني - أي صاحب الملاقى - دون نفس الملاقى حيث قال:- هذا يتصور فيما إذا فرضنا أنه حصلت الملاقاة أوَّلاً - أي لاقى الشيء الثالث الإناء الأوَّل في الساعة الأولى مع العلم بها ثم خرج الملاقى - أي الإناء الأول - في عن محل الابتلاء الساعة الثانية ، ثم بعد ذلك رجع إلى محل الابتلاء في الساعة الثالثة فحصل علم إجمالي إما أن الإناء الأول الذي - خرج عن محل الابتلاء - هو النجس أو الإناء الباقي تحت الابتلاء ، ثم رجع الإناء الأوَّل إلى محل الابتلاء في الساعة الرابعة ، فهنا يجب الاجتناب عن الثالث والثاني لمعارضة أصلي الطهارة فيهما إذ يتشكل علم إجمالي إما أن الثالث نجس أو الثاني فيتساقط أصلا الطهارة فيجب الاجتناب عنهما ، ولا يدخل الأوِّل معهما في المعارضة لفرض أنه خارج عن محل الابتلاء فلا معنى لجريان أصل الطهارة فيه ووقوعه طرفاً للمعارضة فهو غير قابل للجريان وإنما هو قابل للجريان في الطرف الثالث والثاني فيتعارضان ويتساقطان فيجب الاجتناب عنهما ، ثم إذا عاد الإناء الأوَّل في الساعة الرابعة إلى محل الابتلاء فحينئذ يدخل بلا معارض إذ معارضاه قد سقطا في الساعة الثالثة والساقط لا يعود فيجوز حينئذ تناوله.