الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / تكملة التنبيه الثالث ، وبداية التنبيه الرابع / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
  أما بالنسبة إلى السؤال الاول:-فالمناسب هو عدم جواز ارتكاب مائة طرف لأن نسبة المائة إلى الألف هي نسبة الواحد إلى العشرة وليس إلى الألف فيكون حكم الشبهة من هذه الناحية حكم الشبهة المحصورة فعدد الأطراف ليست ألفاً بل هي عشرة.
 ان قلت:- ان الألف لا تشتمل على عشرِ مئاتٍ حتى يقال ان هذه النسبة هي في حكم المحصورة وإنما الألف تشتمل على مئات كثيرة قد يصعب حصرها باعتبار أنه لو أبدلنا واحداً من هذه المائة بواحدٍ آخر فسوف نحصل على مائةٍ جديدةٍ ولو أبدلنا الواحد الثاني بواحدٍ آخر فسوف نحصل على مائةٍ جديدةٍ أخرى وهكذا فالمئات في الألف لا تُعد ولا تُحصى فكيف قلت ان نسبة المائة إلى الألف هي نسبة الواحد إلى العشرة !! كلا بل هي نسبة الواحد إلى المليون أو المليار أو ما لا يُتناهى ، فالنسبة إذن هي نسبة الشبهة غير المحصورة.
 قلت:- صحيح ان الألف تشتمل على مئاتٍ غير محصورةٍ ولكن المفروض أن الكلف يريد أن يرتكب مائةً يكون جميع أفرادها من المباح ومعلومٌ أن المائة التي تكون كذلك ليس مقدارها بالألف الا تسع مئاتٍ لا هي مئات غير متناهية فان تلك المئات لا تنفك عن وجود الحرام.
 إذن المناسب لو أريد ارتكاب مائة طرف هو عدم الجواز فان الشبهة من هذه الزاوية تكون بمثابة المحصورة.
 ولأجل تصور هذا البحث فلا بد من أن نفترض أن كل مائة هي ملوَّنة بلونٍ خاصٍ بها وإلا يصعب تصور هذا البحث الذي أشرنا إليه ، هذا لو أريد ارتكاب مائة ضمن الألف.
 وأما بالنسبة إلى السؤال الثاني - أعني لو أريد ارتكاب واحداً من تلك الأطراف فقد يقال:- ان هذا الواحد نسبته إلى الألف هي النسبة إلى غير المحصور فيجوز ارتكابه آنذاك ، وهذا شيء وجيه لو فرض أن المعلوم بالإجمال كان واحداً فانه آنذاك لو اخترنا واحداً من الأطراف الألف فتكون نسبته نسبة الواحد إلى الألف ، أما بعد فرض أن المعلوم بالإجمال هو مائة وليس واحداً فإذا أخذنا طرفاً واحداً وأردنا ارتكابه فالنسبة الصحيحة هي ليس نسبة الواحد إلى الألف حتى يقال هي نسبة غير محصورة بل هي نسبة الواحد إلى التسعمائة فان الأطراف المباحة هي تسعمائة والمفروض مائة من الألف حرام فاحتمال أن يكون هذا الواحد من الأطراف المباحة نسبته هي نسبة الواحد إلى التسعمائة وليس نسبة الواحد إلى الألف وهذه نكتة ظريفة وعليه فالنسبة ليس هي نسبة غير المحصور وإنما هي نسبة المحصور باعتبار أن نسبة غير المحصور هي نسبة الواحد إلى الألف هكذا فرضنا وأما نسبة الواحد إلى التسعمائة فليست نسبة غير المحصور . إذن كما لا يجوز ارتكاب مائة طرف لا يجوز الارتكاب لطرف واحد أيضاً للنكتة التي أشرنا إليها . وبهذا نختم حديثنا عن الشبهة غير المحصورة.
 
 
 التنبيه الرابع
 
 العلم الإجمالي في التدريجيات:-
 ان أطراف العلم الإجمالي تارةً تكون دفعية - أي هي ثابتة في زمان واحد - واخرى تكون تدريجية - أي في أزمنة متفاوتة ولا تجتمع في زمن واحد- .
 مثال الاول:- العلم بوجود إناء حرام بين عشرة أواني مثلاً ، فان الأطراف العشرة هي موجودة الآن في زمان واحد فالعلم يكون علماً في الأطراف الدفعية - أي الموجودة في الزمان الواحد -.
 ومثال الثاني:- ما إذا فرض أنه قد أصيبت المرأة بنزيف دمٍ وكانت غير ذات عادة بل كانت مضطربة فإنها سوف تعلم بأن واحداً من الثلاثة أيام الموجودة في فترة نزول الدم هي حيض حتماً - فان الحيض لا يكون أقل من ثلاثة ، نعم هو قد يزيد ولكن المقدار المتيقن هو ثلاثة - ولكن لا تدري هل هي الأيام الثلاثة الأولى أو الثانية أو الثالثة ..... وهكذا ، ان هذه الأطراف تدريجية كما هو واضح . وكلامنا كان عن حالة كون الأطراف دفعية والآن نريد أن نبحث عن الحالة الثانية - أي حالة كونها تدريجية - فهل العلم الإجمالي منجز في الأطراف التدريجية كما يكون منجزاً في الأطراف الدفعية ؟
 وينبغي أن نستثني من هذا البحث حالة ما إذا كان التكليف ثابتاً من البداية والتأخر كان في زمان الامتثال وليس في زمان الوجوب أو الحرمة ، ففي المثال المتقدم مثلاً ان صاحبة الدم لو فرض أن هذه الثلاثة الأولى هي الحيض فيحرم عليها الآن دخول المسجد والحرمة تكون ثابتة من الآن ، أما لو كانت الثلاثة الثانية هي الحيض فالحرمة لا تكون ثابتة الآن وإنما تثبت حينما تجيء الثلاثة الثانية فنفس الحرمة متأخرة ، ومحل الكلام هنا.
 أما لو فرض أن الحكم - من حرمة أو وجوب - كان ثابتاً من البداية على جميع التقادير والتأخر كان في زمان الامتثال لا أكثر فهذا يُعد من الأطراف الدفعية دون التدريجية ومثال ذلك ما لو علم المكلف بأنه قد نذر قراءة سورة ( يس ) مثلاً إما في هذا اليوم أو غداً ففي هذا المثال يكون وجوب الوفاء بالنذر من الآن حتى لو فرض أنه كان متعلقاً بالقراءة في اليوم اللاحق إذ النذر قد انعقد من الآن ووجوب الوفاء يتوجه إليه من الآن غايته يكون متعلق الامتثال وظرفه متأخراً لا ظرف الوجوب ولذلك لو سأل شخص بأنه نذر أن يذبح هذه الذبيحة في العاشر من المحرم مثلاً فهل يستطيع التصرف بها الآن ؟ فنجيبه بعدم الجواز للقاعدة فلو كان وجوب الوفاء ليس ثابتاً الآن بل كان ثابتاً يوم العاشر من المحرم فالمناسب هو الجواز إذ لا وجوب الآن ولكن نقول له لا يجوز ذلك باعتبار أنه لمَّا نذر الآن فقد انعقد النذر من الآن ويتوجب عليه الوجوب من الآن ويقال له ( فِ بنذرك واذبح نذرك يوم العاشر من المحرم ) فمن الآن يتوجه إليك تكليف ولكن متعلق التكليف يكون متأخراً وهذا ما يعبر عنه بالمصطلح العلمي بـ( الواجب المعلق ).
 وعلى أي حال يلزم أن نخرج مثال ما لو نذر المكلف أن يقرأ سورة ( يس ) إما اليوم أو غداً عن محل النزاع لأنه ليس من الأطراف التدريجية إذ الوجوب يكون ثابتاً من الآن على كلا التقديرين ، فينحصر إذن مورد الكلام فيما إذا فرض أن الحكم على تقدير بعض الأطراف كان فعلياً وعلى تقدير الطرف الثاني يكون غير ثابت الآن بل يحدث فيما بعد كما في مثال الدم ، وهذا هو محل الكلام فينبغي الالتفات إلى ذلك.
 والدليل الذي يستدل به على منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات:- هو أن يدعى أن العرف لا يفرق - بعد ثبوت العلم الإجمالي بالتكليف - بين الأطراف الدفعية الأطراف التدريجية والمفروض أن التنجيز حكم عقلي وهو لا يفرِّق من هذه الناحية ، وعلى المانع أن يقيم الدليل على بطلان ذلك.
 وقد يستدل على المانعية - أي عدم التنجيز - بوجهين:-
 الوجه الأول:- أن يقال ان المقام ليس من موارد العلم الإجمالي بثبوت التكليف حتى يثبت التنجيز بل هو من موارد الشك البدوي إذ هذه الثلاثة الأولى لو كانت هي الحيض فالحكم بحرمة دخول المسجد تكون فعلية وبالتالي تكون قابلة للتنجيز إذ هي فعلية ، وأما لو كانت الثلاثة الثانية هي الحيض فحرمة دخول المسجد لا تكون فعلية بل تثبت عند حدوث الثلاثة الثانية وبالتالي سوف لا يثبت التنجز لأن القابل للتنجز هو الحكم الفعلي والمفروض أن الحكم فعلي على أحد التقديرين وليس فعلياً على التقدير الثاني فلا علم إجمالي إذن بالحكم الفعلي بل هناك شك بدوي وما دام لا علم بالحكم الفعلي فلا تنجُّز.