الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 الأمر الثاني:- ان ما ذكرناه في الشبهة غير المحصورة من جواز ارتكاب بعض الأطراف إما تمسكاً بفكرة الاطمئنان أو بغير ذلك هل يختص بما إذا كانت الشبهة تحريمية أو يعم ما إذا كانت وجوبية ، ومثال الوجوبية أن ينذر شخص فعل شيءٍ ان تحقق كذا ثم لطول الفترة تردد في الشيء المنذور وانه نذر ماذا هل نذر أن يزور زيارة الجامعة أو غيرها وكانت الأطراف حسب الفرض غير محصورة بأن ترددت بين ألف احتمال مثلاً - على فرض أن الألف غير محصورة - بعد وضوح أنه لو كانت محصورة - أي مرددة بين احتمالين أو ثلاثة أو أربعة - لوجب فعل الجميع تطبيقاً لمنجزية العلم الإجمالي ، اللهم الا إذا فرض أن فعل الجميع يستوجب الحرج وهذا مطلب آخر.
 إذن كلامنا الآن فيما إذا كانت الأطراف ليست محصورة فهل يجب عليه فعل الجميع أو يجوز له ترك واحدٍ كما كنا نقول في الشبهة التحريمية بجواز ارتكاب واحد لأجل الاطمئنان ؟
 المناسب أن يقال:- ان فعل جميع الأطراف غير المحصورة بما أنه يستوجب الحرج عادة فيسقط مقدار ما يزول به الحرج كعشرة احتمالات أو أكثر مثلاً لا يجب تطبيقها فراراً من الحرج وإنما الكلام بالنسبة إلى الاحتمالات الأخرى فهل تسقط بدورها أيضاً أو يجب فعلها ؟
 قد يقال:- إنها تسقط ولا يجب فعلها باعتبار أنه لما جاز ترك بعضٍ لأجل الحرج فالباقي تكون الشبهة فيه بدوية فتجري فيه البراءة من دون معارضة وبالتالي يجوز ترك جميع الأطراف غايته بعضها للحرج والبعض الآخر للأصل من دون معارضة ،هكذا قد يقال.
 وفي المقابل قد يقال بلزوم فعلها باعتبار أن الحرج قد اندفع بترك عشرة أطراف مثلاً والباقي حيث لا حرج بلحاظه فيلزم فعله جمعاً بين الحقين والقاعدتين - أعني قاعدة منجزية العلم الإجمالي وقاعدة عدم لزوم تحمل الحرج - فان الجمع يقتضي جواز ترك بعضٍ مع لزوم فعل الباقي.
 هذا والمناسب ربط المسألة بمسألة تقدمت الإشارة إليها سابقاً:- وهي أن من اضطر في الشبهة التحريمية إلى ارتكاب طرفٍ فهل يبقى العلم الإجمالي على المنجزية أو لا ؟ وهناك قلنا تارة يكون الاضطرار إلى فرد معين قبل العلم الإجمالي وهنا اتفق العلمان والجميع على أن العلم الإجمالي لا منجزية له بل في الحقيقة لا ينشأ علم إجمالي وإنما ينشأ شك بدوي في الطرف غير المضطر إليه فتجري البراءة ، وأما إذا كان الاضطرار إلى فرد غير معين قبل العلم الإجمالي فهنا اختلف العلمان فقال الشيخ الخراساني(قده) لا ينجز بلحاظ الفرد الآخر إذ أن أحد الفردين يجوز ارتكابه لأجل الاضطرار والفرد الثاني لا يعود لدينا علم إجمالي بلحاظه ، وأما الشيخ الأعظم(قده) فقد ذكر - ووافقه على ذلك الشيخ النائيني(قده) - أن الطرف الثاني يلزم تركه باعتبار أن العلم الإجمالي يبقى على حاله فاني لم أضطر إلى فرد معين وإنما اضطررت إلى غير المعين ولازم ذلك أن ما أعلم إجمالاً بحرمته سوف يلزم تركه فلو كان في علم الله أن الأول هو الحرام فيلزم تركه لإمكان دفع الاضطرار بالفرد الثاني ولو كان هو الثاني فيلزم تركه أيضاً لإمكان دفع الاضطرار بالفرد الاول فالعلم الإجمالي بلزوم ترك أحد الإناءين يبقى على حاله ثابتاً ومنجزاً من دون أن يتأثر بالاضطرار هكذا ذكر الشيخ الأعظم(قده) ، وكانت هناك بعض اللواحق من الكلام أشرنا إليها فيما سبق.
 والذي أريد أن أقوله:- ان مسألتنا في المقام لا بد من ربطها بهذه المسألة ففي مقامنا صار المكلف بحاجة - لأجل الحرج - إلى ترك بعض الأفراد والاحتمالات وهي ليست معيَّنة وهذه الحاجة ثابتة قبل العلم الإجمالي ولا تختص بما بعد العلم الإجمالي فعلى رأي الشيخ الخراساني(قده) يلزم جواز ترك الباقي بينما على رأي الشيخ الأعظم(قده) ينبغي لزوم فعل الباقي لأن العلم الإجمالي يبقى على حاله ، هذا إذا كانت الحاجة إلى غير معين ، وأما إذا كانت الحاجة إلى معين كما إذا فرض أن بعض الاحتمالات بعينها حرجية فيصير المورد من الاضطرار أو من الحاجة إلى معين قبل العلم الإجمالي والمناسب على كلا الرأيين عدم المنجزية بلحاظ الباقي.
 والخلاصة:- ان بعض الاحتمالات لا يجب فعله لأجل الحرج وأما الاحتمالات الأخرى فأمرها يرتبط بتلك المسالة.
 يبقى قد تسأل عن مطلب آخر وهو:- ان فكرة الاطمئنان التي جوزنا لأجلها ارتكاب طرف هناك - في الشبهة التحريمية - هل يمكن الاستناد إليها هنا - في الشبهة الوجوبية - لتجويز ترك طرف ، فهل لهل مجال أو لا ؟
 المناسب أنه لا مجال لها لأن المفروض إني تركت لأجل الحرج مجموعة أطراف فلا معنى بعد هذا للتمسك بفكرة الاطمئنان لتجويز ترك طرف واحد بعد فرض أنه ترك مجموعة أطراف.
 وهل يوجد مجال لتطبيق فكرة الشيخ النائيني(قده) التي ذكرها هناك حيث قال ان الأصول لا تتعارض لأن سبب تعارضها هو أنها لو جرت جميعاً يلزم الترخيص في المخالفة القطعية وحيث لا تمكن المخالفة القطعية فلا محذور في جريان الأصول جميعاً وبالتالي لا يلزم ترك جميع الأطراف ، ان هذا الكلام هل يمكن سحبه هنا ؟ كلا لا يمكن سحبه كما أشار هو(قده)هناك ونقلناه عنه فانه في الشبهة التحريمية يمكن أن يقال ان المخالفة القطعية ليست ممكنة إذ هي تتحقق بارتكاب جميع الأطراف والجميع لا يمكن ارتكابه لكثرته فإذا لم تحرم المخالف القطعية جاز جريان الأصل في جميع الأطراف وبالتالي لا تجب الموافقة القطعية - أي بترك الجميع - ان هذا الكلام يتم هناك ، وهذا بخلافه في المقام فان المخالفة القطعية ممكنة إذ هي تتحقق بترك جميع الأطراف وليس بفعلها جميعاً وترك الجميع شيء ممكن ومقدور ، إذن ذلك الذي ذكره هناك لا يأتي هنا.
 الأمر الثالث:- لو فرض أن المعلوم بالإجمال في الشبهة التحريمية وعاد كلامنا إلى الشبهة التحريمية - له نسبة إلى الأطراف غير المحصورة كنسبة المعلوم بالإجمال إلى الأطراف المحصورة فهل نتعامل في مثله تعاملنا مع الشبهة غير المحصورة أو نتعامل معه تعاملنا مع الشبهة المحصورة ؟ فلو كان لدينا ألف إناء - والذي نفترض أنه عدد غير محصور فتارة نعلم بحرمة واحدٍ ومن الواضح هنا تصير الشبهة غير محصورة ويأتي الكلام المتقدم ، ولكن لو فرضنا أن المعلوم بالإجمال هو حرمة مائة إناء من هذه الألف فحينئذ هل يصير المورد من الشبهة المحصورة باعتبار أن نسبة المعلوم بالإجمال - الذي هو مائة إلى الألف - ليس هو نسبة الواحد إلى الألف بل نسبة الواحد إلى العشرة التي هي نسبة محصورة أو أنه نبقى نتعامل معه معاملة غير المحصور ؟
 والكلام تارة يقع فيما لو أردنا ارتكاب مائة من بين المئات الموجودة في الألف ونسأل هل يجوز ذلك أو لا وأنه نتعامل في مثل ذلك معاملة المحصورة أو غير المحصورة ؟ وأخرى يقع التساؤل عن ارتكاب طرف واحد لا مائة.