الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 الرواية الثالثة:- رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول ( كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك . والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة ) [1] بتقريب أن مقتضى إطلاقها الشمول للشبهة غير المحصورة وعدم اختصاصها بالشبهة البدوية وبذلك تكون دالة على جواز ارتكاب أطراف الشبهة غير المحصورة وهو المطلوب.
 وفيه:- لو قطعنا النظر عن مسألة السند - إذ قد يناقش باعتبار أن مسعدة لم تثبت وثاقته - فيمكن أن يناقش من حيث الدلالة بما تقدمت الإشارة إليه في الرواية الأولى فيقال إنها مطلقة والإطلاق المذكور ينصرف إلى الشبهة البدوية لوجود ما يدعو إلى هذا الانصراف وهو المناقضة بين الترخيص في كل طرف مع العلم بحرمة واحد منها فتختص الرواية إذن - بسبب هذا الانصراف - بالشبهة البدوية خصوصاً وأن لهذه الرواية ميزة تدعو إلى اختصاصها بالشبهة البدوية وهي الأمثلة التي ذكرها الإمام عليه السلام فانه بعد أن ذكر القاعدة أخذ يذكر أمثلة لها حيث قال:- وذلك مثل الثوب الذي أنت لابسه وتحتمل أن الذي أخذته منه قد سرقه فلا تعتني لمثل هذا الاحتمال والشبهة كما ترى هنا بدوية ، وهكذا لو فرض أنه كان لديك عبداً قد اشتريته وتحتمل أن البائع قد أخذه من باب الغيلة والقوة وهو في الأصل كان حراً فان الشبهة هنا بدوية ، وهكذا مثال المرأة التي تزوجتها وتحتمل أنها أختك من الرضاع فالشبهة هنا بدوية أيضاً والإمام عليه السلام قال لا تعتن بهذا الاحتمال إلى أن يثبت عندك الحرام بنحو الجزم.
 والخلاصة:- ان ذكر الأمثلة قد يعزز اختصاص القاعدة التي ذكرها الإمام عليه السلام بخصوص الشبهة البدوية ويتقوى بذلك الانصراف الذي أشرنا إليه ، مضافاً إلى الجواب الثاني الذي ذكرناه سابقاً وهو إذا لم يمكن الأخذ الإطلاق بالمرتبة العليا لسبب وآخر فالمصير إلى المرتبة الثانية من الإطلاق شيء ممكن ولو انعقدت عليه السيرة لقبلناها ولأخذنا بها ولكن لا نجزم بانعقادها على ذلك فيحصل إجمال فنأخذ بالقدر المتيقن وهو خصوص الشبهة البدوية.
 الرواية الرابعة:- ما ورد في الجبن ، فان صاحب الوسائل قد عقد باباً [2] لخصوص الجبن الذي يحتمل أن فيه أنفحة الميتة وذكر ثمان روايات في هذا المجال ، ويظهر من خلال هذه الكثرة وجود شبهة مستحكمة في زمان الإمام عليه السلام وهي شبهة أن الجبن توضع فيه أنفحة الميتة فأخذ الأصحاب يسألون والإمام عليه السلام كان يجيب ( لا باس بالأكل الا أن تجزم بوجود الحرام فيه ) ، وهذا من قبيل ما كان يشاع قبل فترة بأن الببسي كولا والكوكا كولا فيه شبهة التحريم فانه قيل بأن الكولا لا ينحل الا بالكحول فطرح هذا السؤال كثيراً وكان البعض يجيب بأنك ما دمت لا تعلم بأن الأمر كذلك فيجوز الشرب حينئذ بلا محذور.
 وعلى أي حال من جملة تلك الروايات ما قاله الإمام عليه السلام بعد سؤال السائل ( سأخبرك عن الجبن وغيره:- كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه) [3] ، وفي بعض آخر ( كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة ) [4] ، وفي ثالث ( أخبرني من رأى أنه يُجعل فيه الميتة ، فقال عليه السلام:- أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله وان لم تعلم فاشتر وبع وكل ) [5] ، وتقريب الدلالة كما سبق والجواب هو الجواب.


[1] الوسائل 17 89 4 ابواب ما يكتسب به ح4.
[2] الوسائل - في الباب ( 61 ) من ابواب الأطعمة المباحة.
[3] الوسائل 25 117 61 الأطعمة المباحة ح1.
[4] المصدر السابق ح2.
[5] المصدر السابق ح5.