الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وان شئت قلت:- ان الشيخ العراقي(قده) لا يجري أصل الطهارة في أحد الطرفين - أعني الماء - كي يقال انه يبني على مسلك العليّة وبناءاً على هذا المسلك لا يجري الأصل في الطرف الواحد حتى إذا لم يكن له معارض ، كلا بل يحاول إزالة العلم الإجمالي بالتكليف في البداية ، يعني أنه يدَّعي انعدام العلم الإجمالي بالتكليف ويقول ان هذا المورد من موارد الشك في حدوث التكليف وما دام لا علم إجمالي بحدوث التكليف فلا يعود هناك مانع من إجراء الأصل في أحد الطرفين . إذن هو يجري الأصل في أحد الطرفين في المرحلة الثانية وأما في المرحلة الأولى فهو يحاول إزالة العلم الإجمالي وبعد إزالته يرجع إلى الأصل في أحد الطرفين ، هذه هي الروح التي يسير عليها الشيخ العراقي(قده) ، أما كيف لا يوجد علم إجمالي بحدوث التكليف ؟ فذاك لما أشرنا إليه سابقاً من أن الماء إذا كان هو النجس واقعاً فيحدث وجوب التيمم بالتراب ، وأما إذا كان التراب هو النجس واقعاً فلا يحدث وجوب الوضوء إذ موضوع وجوب الوضوء هو طهارة الماء التي هي ملازمة لنجاسة التراب وليس موضوع وجوب الوضوء هو نجاسة التراب ، انه بهذا البيان أزال العلم الإجمالي وبعد أن أزاله قال نحن نشك في طهارة الماء وبأصل الطهارة نثبت طهارته فيكفي الوضوء.
وفيه:- ان ما أفاده يبتني على مقدمة لو تمت تمَّ ما أفاده(قده) وهي أن العلم الإجمالي إنما يكون حجة إذا كان المعلوم بالإجمال يُحدِث التكليف على كلا التقديرين - أي هو يحدث التكليف على تقدير كون المعلوم بالإجمال في الطرف الاول و هو يحدث التكليف أيضاً على تقدير كونه في الطرف الثاني - فالشرط هو عنوان إحداث وإيجاد التكليف ، ونحن نقول له لو كان الإحداث شرطاً في حجية العلم الإجمالي فالحق معك ولكن نحن ندَّعي كفاية ثبوت التكليف على كلا التقديرين أعم من كونه بنحو الإحداث أو بنحوٍ آخر فالمهم هو أن يكون هناك علم بالتكليف أما أن يكون بنحو الإحداث فليس بلازم ، أنه إذا قبلنا بهذا فهو صادق في المقام إذ يمكن أن نقول نحن نعلم جزماً إما بوجوب الوضوء - وذلك على تقدير طهارة الماء - أو بوجوب التيمم - وذلك على تقدير أن الماء ليس بطاهر وكان الطاهر هو التراب - فالعلم بالتكليف ثابتٌ غايته أن المعلوم بالإجمال ليس مُحدِثاً للتكليف على أحد التقديرين - أي على تقدير كون النجاسة في التراب - فهذه نجاسة لا تحدث وجوب الوضوء ، ان هذا صحيح ولكن لا يلزم أن يكون المعلوم بالإجمال هو المُحدِث للتكليف بل يكفي في التنجُّز وان لم يفترض هناك عنوان الإحداث.
وإذا سألتني وقلت:- من أين لك هذا ؟ أجبت:- ان الحاكم بمنجزية العلم الإجمالي هو العقل وليس هناك شيء آخر ، ومن المعلوم أنا لو رجعنا إلى إليه فهو يقول ( ما دام يوجد عندك علم بثبوت التكليف على كلا التقديرين بنحو الجزم فأنت ملزم بالامتثال فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) أما أن يكون المعلوم بالإجمال هو المُحدِث للتكليف فالعقل لا يُلزِم بذلك ، وهذا ينبغي أن يكون من الأمور الواضحة ولا ندري من أين جاء الشيخ العراقي(قده) بهذا - أي بشرطية الإحداث - وينبغي على رأيه أن نضيف شرطاً جديداً لمنجزية العلم الإجمالي وهو أن يكون ثبوت التكليف بنحو الإحداث ، ان هذا شيء لا يراه العقل.
والخلاصة:- يكفي في منجزية العلم الإجمالي ثبوت التكليف على كلا التقديرين بنحو الجزم ، أما أن يكون ذلك بنحو الإحداث فالعقل لا يرى ذلك شرطاً لازماً.
هذا وقد يقال يمكن الدفاع عن الشيخ العراقي(قده) بشكل آخر وذلك بأن نقول:- بناءاً على مسلك الاقتضاء لا يكون العلم الإجمالي منجزاً ما دام يمكن جريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارضة وهنا يجري الأصل كذلك فيكون العلم الإجمالي ساقطاً عن التنجيز غايته لا لأجل النكتة التي أشار إليها الشيخ العراقي(قده) بل لنكتة جديدةٍ ، أما كيف يجري الأصل في أحد الطرفين بلا معارضة ؟ ذلك باعتبار أنا نشك في طهارة الماء وبأصل الطهارة نثبت طهارته وهذا أصل له أثر وهو وجوب الوضوء ، وأما بالنسبة إلى نجاسة التراب وطهارته فلا معنى لإجراء أصل الطهارة فيه إذ لا يترتب على ذلك أثر فان التراب إذا كان طاهراً لا يثبت له أثر جواز التيمم به فان شرط جواز التيمم هو نجاسة الماء فالمهم هو نجاسة الماء أما أن التراب طاهر فهذا وحده لا يكفي لإثبات جواز التيمم به . إذن إجراء أصل الطهارة في التراب لا يوجد له أثر فلا يجري فيجري ذلك الأصل بلا معارض.
والجواب:- ان أثر طهارة التراب لا ينحصر بجواز التيمم بل هناك آثار أخرى فان التراب إذا كان طاهراً فلا ضير آنذاك في مسِّه مع رطوبة اليد بلا حاجةٍ إلى غسلها لأجل الصلاة ، من آثاره جواز السجود عليه فإذا كان طاهراً جاز السجود عليه ، بل لا نحتاج إلى التفتيش عن هذه الآثار وإنما يكفينا الأثر السابق - أي جواز التيمم - فان موضوع جواز التيمم بالتراب هو نجاسة الماء زائداً طهارة التراب وليس الموضوع هو نجاسة الماء فقط بل طهارة التراب هي الجزء الآخر من الموضوع فإجراء أصل الطهارة في التراب لأجل إحراز الجزء الثاني يكون شيئاً وجيهاً وذا أثر عملي.
والخلاصة من كل هذا:- قد اتضح أن هذه المحاولة لتأييد الشيخ العراقي(قده) قضية مرفوضة ، كما اتضح أن محاولة الشيخ العراقي(قده) هي مرفوضة أيضاً ، بل المهم هو العلم بثبوت التكليف وان لم يكن بنحو الإحداث ، وبذلك تكون النتيجة هي أن الواجب على المكلف هو الجمع بين الوضوء والتيمم لأجل علمه الإجمالي.