الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الأمر الرابع:- ذكر الشيخ العراقي(قده)
[1]
- لمناسبة لم تتضح لنا - فرعاً من فروع العلم الإجمالي والذي هو أقرب إلى كونه فرعاً فقهياً من كونه فرعاً أصولياً ، ولكنّا نشير إليه لاشتماله إلى بعض النكات العلمية وحاصله:- لو فرض أن المكلف كان لديه ماء وتراب وهو يعلم بنجاسة أحدهما ولا يوجد عنده ماء آخر يُجزَم بطهارته أو تراب آخر يُجزَم بطهارته ، والمفروض أنه يعلم بنجاسة أحدهما وحلَّ عليه وقت الصلاة فما هي الوظيفة ، فهل يجمع بين الوضوء والتيمم أو أنه يتوضأ فقط من دون حاجة إلى التيمم ؟
وقبل أن نتعرض إلى ما اختاره الشيخ العراقي(قده) نذكر ما هو المناسب بادئ ذي بدئ:- ان المناسب هو الجمع بين الوضوء والتيمم ، لأنه ان كان الماء طاهراً فالوظيفة هي الوضوء وان كان التراب هو الطاهر فالوظيفة هي التيمم ، فهو يعلم بتوجه أحد تكليفين إليه إما الوضوء أو التيمم فيلزم الجمع بين الاحتمالين بمقتضى منجزية العلم الإجمالي كما هو الحال في كل علم إجمالي آخر ، غايته ينبغي الالتفات إلى أنه يلزم أن يقدِّم التيمم على الوضوء لأنه لو قدم الوضوء فسوف يعلم ببطلان التيمم بنحو الجزم ، والوجه في ذلك هو أنه إذا كان الماء هو النجس فسوف تتنجس أعضاؤه وبالتالي سوف يكون التيمم على الأعضاء المتنجسة فيبطل التيمم من باب كونه على الأعضاء المتنجسة وهذا بناءاً على كون نجاسة الأعضاء مبطلة للتيمم - وأما على تقدير كون التراب هو النجس فأيضاً يكون التيمم باطلاً لأنه تيمم بالتراب النجس.
إذن سوف يعلم ببطلان التيمم على كلا التقديرين فيما لو فرض أنه قدَّم الوضوء . وهذا بخلاف ما لو عكس وقدَّم التراب فانه سوف لا يجزم بنجاسة الأعضاء لاحتمال أن التراب هو النجس وهو لا يُنجِّس الأعضاء - بعد فرض كونه جافاً - وبالتالي سوف يكون الوضوء وضوءاً بالماء الطاهر.
إذن المناسب هو تقديم التيمم وتأخير الوضوء من دون حاجة إلى إعادة الصلاة مرتين - أي مرة بعد التيمم ومرة بعد الوضوء - بل تكفي صلاة واحدة فيأتي بالتيمم أوَّلاً ثم بالوضوء ثانياً وبعد الفراغ من ذلك يأتي بصلاة واحدة ولا يجزم بأن صلاته قد وقعت في الأعضاء المتنجسة لاحتمال أن التراب نجس وقد فرضنا أنه قدَّمه ونجاسة التراب لا تؤثر على الأعضاء كما قلنا وبالتالي سوف يكون الوضوء وضوءاً على الأعضاء الطاهرة.
وبكلمة أخرى:- نجري أصل الطهارة في الأعضاء ونقول نحن نشك هل تنجست أو لا ؟ فالمرجع إلى أصل الطهارة وتكفي صلاة واحدة ، هذا هو المناسب بادئ ذي بدء.
بيد أن الشيخ العراقي(قده) ذكر تفصيلاً حاصله:- تارة نفترض أن التراب لا أثر له الا بلحاظ التيمم وبقطع النظر عنه لا يوجد له أثر آخر ، وأخرى نفترض أن له أثراً آخر كما إذا كان التراب تراباً مقدساً يمكن الاستفادة منه للاستشفاء كتراب قبر الحسين عليه السلام ، فان كان من الأوَّل كتراب الأزقة فيكفي في مثله الوضوء من دون حاجة إلى التيمم ، وان كان من الثاني فلا بدَّ من الجمع بين الوضوء والتيمم.
والوجه في ذلك:- هو أن الماء إذا كان هو النجس فسوف يحدث تكليف بوجوب التيمم فان نجاسة الماء هي موضوع للحكم بوجوب التيمم شرعاً ، وأما إذا فرض أن النجس هو التراب فنجاسته لا تكون موضوعاً للحكم بوجوب الوضوء إذ لا توجد آية ولا رواية تقول ( إذا كان التراب متنجساً فيجب الوضوء ) ولكن بما أننا نعلم من الخارج بأن نجاسة التراب تلازم طهارة الماء في مقامنا اتفاقاً وصدفةً فيجب آنذاك الوضوء من باب أن الماء طاهر . إذن سوف لا يحدث عندنا تكليف على كلا التقديرين بل يحدث تكليف على أحدهما من دون حدوثه على التقدير الثاني ، فعلى تقدير نجاسة الماء يحدث تكليف بوجوب التيمم بينما على تقدير نجاسة التراب لا يحدث تكليف بوجوب الوضوء فان نجاسة التراب ليست موضوعاً لوجوب الوضوء ، إذن لا يحدث علم إجمالي بحدوث التكليف وبالتالي لا مانع من الاكتفاء بالوضوء من جهة عدم حدوث علم إجمالي بكلا التكليفين فيكون الوضوء وحده كافٍ ، ولكن هذا يتم فيما لو فرض أن التراب لا فائدة فيه سوى التيمم.
وأما إذ كانت فيه فائدة أخرى كالاستشفاء فيحدث علم إجمالي بحدوث أحد تكليفين فعلى تقدير نجاسة الماء يحدث تكليف بوجوب التيمم وعلى تقدير نجاسة التراب يحدث تكليف بحرمة الأكل والاستشفاء فانه لا يجوز أكل المتنجس وبالتالي سوف يتعارض أصل الطهارة في الطرفين فلا يمكن أن نجريه في الماء لإثبات وجوب الوضوء به ولا يمكن ان نجريه في التراب لإثبات جواز الاستشفاء به وإذا سقط أصل الطهارة في الطرفين لا يعود هناك ما يثبت طهارة الماء فنحتاج إلى الجمع بين الوضوء والتيمم ، وهذا بخلافه على التقدير السابق فان أصل الطهارة بلحاظ التراب لا يجري إذ لا أثر له من حيث الاستشفاء فانا قد افترضنا ذلك فلو كان التراب نجساً فلا يترتب أثر على نجاسته حتى يجري أصل الطهارة لإثبات طهارته ويكون له - أي لأصل الطهارة - أثر ، فان أصل الطهارة في التراب لا أثر له على التقدير الاول إذ الأثر إما الاستشفاء والمفروض أنه لا استشفاء به أو هو وجوب الوضوء وقد فرضنا فيما سبق أن الموضوع لوجوب الوضوء ليس هو نجاسة التراب ولا طهارته وإنما هو طهارة الماء فالأثر منصبٌّ على طهارة الماء أما نجاسة التراب وطهارته لا أثر لها حتى يجري أصل الطهارة بلحاظ ذلك الأثر ومعه يجري أصل الطهارة في الماء من دون معارض فيكفي آنذاك الوضوء بلا حاجة إلى ضمّ التيمم ، بخلافه في الحالة الثانية فان أصل الطهارة له أثر وهو الاستشفاء فيتعارض أصلا الطهارة وبالتالي لا نحصل على ما يثبت طهارة الماء فلا يمكن الاكتفاء بالوضوء بل لابد من الجمع بينهما.
[1]
نهاية الأفكار 3 349.