الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
ان قلت:- نسلّم أن العلم بالتكليف أو بالملاك ثابت ، ولكنَّ شرط المنجزية هو عدم جريان الأصل في أحد الطرفين من دون معارضة ، أما إذا جرى في أحدهما ولم يُعارَض بالأصل في الطرف الآخر فيسقط العلم الإجمالي عن التنجيز ، ومقامنا من هذا القبيل فان الأصل لا معنى للتعبّد به في الطرف الخارج عن محل الابتلاء فما دام خارجاً عن محل الابتلاء فالتعبّد بجواز الفعل وأن الأصل هو الحل أو الطهارة لا معنى له.
قلت:- يرد على ذلك ما أجبنا به سابقاً من أن غاية ما يلزم مما ذكر هو اللغوية ، أي أن التعبد بالأصل في مورد عدم الابتلاء يكون لغواً وقد عرفت فيما سبق أن الخطابات الشرعية كليّة وعامة وليست شخصية والإطلاق هو عبارة عن رفض القيود وليس هو الجمع بينها.
ان قلت:- بناءاً على أن الأصل وليد التزاحم الحفظي فحيث لا تزاحم حفظي في المقام فلا معنى للتعبّد بالأصل ، أما لماذا لا معنى للتزاحم الحفظي في المقام ؟ ذلك باعتبار أن الملاك اللزومي يكون مُحرَز التحقق بنفس عدم الابتلاء ، فهناك ملاكان ملاك المبغوضية على تقدير كون الشيء خمراً وملاك المحبوبية على تقدير الإباحة وكونه ماءاً مثلاً ومعلوم أن الملاك الاول محرز الحفظ لفرض أن المكلف ليس بمبتلٍ بالارتكاب فالمبغوض منترك بشكلٍ قهريٍ فلا تزاحم حفظي حتى يُشَرَّع الأصل.
قلت:- يرد عليه ما أجبنا به سابقاً في مبحث عدم القدرة فان المولى في مقام التزاحم الحفظي لا ينظر إلى كل شبهةٍ شبهة بخصوصها وإنما ينظر إلى الشبهات بشكل عام ويجد آنذاك مزاحمة بين الملاكات الالزامية والملاكات الترخيصية فيُشرِّع الأصل آنذاك إما طبقاً لهذا الملاك أو طبقاً لذاك الملاك . نعم لو كان ينظر إلى كل شبهة بخصوصها فالإشكال وارد ، ولكن حيث أن الصحيح هو أن النظر إلى الشبهات بنحو عام ومطلق فلا يرد ما ذكر.
والنتيجة النهائية من كل هذا هي:- أن أحد طرفي العلم الإجمالي لو كان غير مقدورٍ أو كان خارجاً عن محل الابتلاء فالتنجيز باقٍ على حاله شريطة أن يكون المطلوب هو الترك ، والكلام هو فقط في هذه المساحة - أي إذا كان المطلوب هو الترك - كما أوضحنا ذلك سابقاً.
وبهذا قد اتضح أنه لا حاجة إلى أن نلِج في بعض القضايا الجانبية التي بحثها القوم من قبيل أنه لو شككنا في بعض الأطراف في أنه خارج عن محل الابتلاء أو لا ؟ فقد وقع كلام بين الأصوليين في أنه ماذا نصنع في مثل ذلك ، هل نرجع إلى المطلقات - أي مطلقات التكليف - ونثبت تحقق التكليف أو نرجع إلى الأصل وبالتالي ننفي التكليف ؟ يعني أن الطرف المبتلى به جزماً هل نثبت وجوب الاجتناب عنه بمطلقات التكليف من قبيل ( يحرم الخمر ) أو نرجع إلى أصل الحلّيّة ؟ ذهب الشيخ الأعظم(قده) إلى الاول - أي نرجع إلى مطلقات التكليف - بينما الشيخ الخراساني(قده) ذهب إلى الثاني - أي نرجع إلى الأصل - ان هذا البحث وما شاكله لا داعي إليه بعد فرض أنّا قد ذكرنا أنه يصح التكليف حتى إذا جزمنا بعدم الابتلاء فضلاً عما إذا شككنا . إذن هذا البحث لا يعود له مجال على مبنانا.
نعم هناك بعض القضايا العلمية النافعة نشير إليها ضمن الأمور التالية:-
أمور في المقام ينبغي الالتفات إليها:-
الأمر الاول:- بناءاً على أن العلم الإجمالي لا يتنجَّز في حالة خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء نسأل هل هذا خاصٌ بباب التحريم أو يعمّ باب الواجبات أيضاً ؟ ذكر الشيخ العراقي(قده)
[1]
انه يعمّ ، بدعوى أن نكتة الاستهجان لا فرق في تحققها بين باب المحرمات وباب الواجبات فكما يستهجن أن تقول لشخص ( لا تتزوج ببنت السلطان ) باعتبار أنها خارجة عن محل الابتلاء فخطاب ( لا تتزوج ) مستهجن كذلك الأمر والإيجاب يكون مستهجناً ، أي لو أردنا أن نقول له ( تزوج ببنت السلطان ) لكان مستهجناً أيضاً ، وأيضاً كما يستهجن أن نقول لشخص ( لا تشرب الإناء الموجود أمام السلطان ) كذلك يستهجن أن نقول له ( اشرب من الإناء الموجود أمام السلطان ).
إذن محذور الاستهجان محذور عام لا يختص بباب المحرمات بل يعم باب الواجبات.
والإشكال عليه واضح حيث يقال له:- إنا نسلم محذور الاستهجان في باب المحرمات باعتبار أن المطلوب هو الترك وهو متحقق بنفس عدم الابتلاء فلا حاجة إلى إصدار خطابٍ وتكليفٍ ، وهذا بخلافه في باب الواجبات فان المطلوب هو الفعل دون الترك والفعل ليس متحققاً في حالات عدم لابتلاء حتى يكون الخطاب والتكليف مستهجناً من باب كونه طلب لما هو حاصل ، كلا إنما المطلوب هو الفعل وهو ليس بحاصل في مورد عدم الابتلاء.
نعم المحذور اللازم في المقام هو محذور العسر والحرج لا محذور الاستهجان ، أي ان التكليف بالزواج ببنت السلطان ليس هو طلباً لتحصيل ما هو حاصل بل هو طلب لتحصيل ما يشتمل على العسر والحرج . والتكليف في مورد العسر والحرج ليس مستهجناً بل قد يكون ثابتاً كما في الأمر بالتضحية بالنفس في ساحة القتال أمام سيد الشهداء عليه السلام أو الأمر بنفس الجهاد فانه شيء عسري ، وهكذا الأمر في إنفاق المال لدفع الخمس أو الزكاة فانه عسري خصوصاً في حق بعض الأشخاص.
إذن التكليف العسري لا مانع منه بل هو ثابت ، بل يمكن أن نقول أكثر وهو أنه لو كان التكليف العسري مستهجناً يلزم أن لا نحتاج لرفع التكليف في موارد العسر إلى الآية الكريمة التي تقول ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) والحال أن المستند هو هذه الآية الكريمة بحيث لو لم تكن هذه الآية موجودة لكنا نقول بثبوت التكليف في موارد العسر والحرج .
إذن الاستهجان غير محتمل في موارد العسر والحرج من ناحيتين:-
الأولى:- انه لا إشكال بين الأعلام بأنهم يتمسكون في رفع التكليف العسري بقاعدة ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) ولا يوجد أحد يقول بأنه ليس بثابتٍ للاستهجان.
والثانية:- ان التكليف العُسري ثابت في الشريعة المقدسة فلو كان مستهجناً فكيف يثبت !! فهو قد ثبت في مثل الأمر بالجهاد والأمر بالإنفاق وغير ذلك من الموارد.
[1]
نهاية الأفكار 3 339 .