الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء:-
 كنا فيما سبق نتحدث عن حالة خروج أحد الطرفين عن القدرة ، والآن نريد أن نتحدث عن حالة الخروج عن محل الابتلاء ، بمعنى أن كلا الطرفين مقدورٌ الا أن أحدهما ليس محلاً للابتلاء ، وقد ادعى الشيخ الأعظم(قده) ومن جاء بعده أن العلم الإجمالي لا يكون ثابتاً إذا يحتمل أن النجاسة مثلاً ثابتة في الطرف غير المبتلى به ومثله لا يتوجه إليه التكليف وذلك لمحذور الاستهجان فان الشيء الخارج عن الابتلاء يستهجن توجيه التكليف إليه ، اللهم الا مع قيد الابتلاء فانه لا يستهجن آنذاك ، بل ربما يستهجن الخطاب أحياناً حتى مع التقييد بالابتلاء من قبيل أن يقال لعاميِّ بليد ( إذا صرت مجتهداً فيجب عليك التسهيل في الفتوى ) أو لدِهقان فقير أي مثل مختار المحلة ( إذا صرت سلطاناً فلا تظلم رعيتك ) ان توجيه الخطاب إليه حتى مع التقييد بالابتلاء يكون مستهجناً ، وعليه فمع خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء لا يجزم بتوجه التكليف إلى المكلف بل يكون الطرف المبتلى به من مصاديق الشك البدوي فيجري فيه الأصل بلا معارضة . هذا ما قد يقال بل هو المشهور من زمان الشيخ الأعظم والى يومنا هذا ، ولكن هذا لا يعني عدم وجود المخالف في المسالة فقد خالف الشيخ الأصفهاني (قده) في نهاية الدراية [1] ونسب ذلك إلى بعض أجلة عصره أيضاً ولعله الشيخ عبد لكريم الحائري صاحب درر الفوائد أو المحقق النهاوندي فان هذا التعبير يكون عادةً لأحد هذين العلمين.
 ومحصل ما ذكره الشيخ الأصفهاني(قده):- ان التكليف وان كان مجعولاً بداعي التحريك الا أنه ليس مجعولاً بداعي التحريك الفعلي بل هو مجعول بداعي التحريك بالإمكان ، ومن الواضح ان كل تكليف هو بالإمكان صالح للمحركية.
 ثم قال ما حاصله :- وعوى استهجان العرف لا معنى لها لعدم ارتباط حقيقة التكليف بالعرف ..... إلى آخر كلامه (قده) .
 هذا بالنسبة إلى كلمات القوم
 وأما بالنسبة ألينا :- فبعد أن اتضح أن التكليف يمكن توجيهه إلى غير القادر على ما أوضحنا سابقاً فإمكان توجيهه إلى غير المبتلي يكون أوضح.
 ويمكن على سبيل الاختصار أن نقول:- ان المانع من توجه التكليف بلحاظ الطرف غير المبتلى به هو أحد الأمور التالية:-
 الأول:- محذور الاستهجان ، حيث أن الشخص الذي ليس مبتلياً بالشيء يستهجن توجيه التكليف إليه إذ عدم الابتلاء بالشيء هو بنفسه يكفي لانتراكه بلا حاجة إلى توجيه خطابٍ ، وهذا هو المستند الذي تمسك به الشيخ الأعظم(قده) ومن بعده وعلى أساسه قالوا انه لا يتكون علم إجمالي بالتكليف في حالات عدم الابتلاء بأحد الطرفين.
 وقد اتضح الجواب عن ذلك فيما تقدم:- فانه يتم فيما إذا كانت الخطابات الشرعية خطابات شخصية ولكنها ليست كذلك إذ هي خطابات مطلقة والإطلاق عبارة عن رفض القيود وليس ضم القيود فلا يأتي آنذاك محذور الاستهجان ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
 الثاني:- ان الشيء إذا لم يكن مقدوراً فلا يمكن للمكلف أن يتحرك نحوه ، وحيث أن التكليف مجعول بداعي التحريك فلا يمكن توجيه التكليف في حالة عدم الابتلاء ، فإذا كان الإناء النجس موجوداً في مكانٍ لا يمكن الوصول إليه فالمكلف لا يتمكن أن يتحرك نحو الترك لفرض خروج الشيء عن محل الابتلاء.


[1] نهاية الدراية 2 -0 252 ط قديمة و ج4 262 وما بعدها .