الموضوع / التنبيه الثاني / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
ولكن ما هو المستند الذي استند إليه الشيخ النائيني(قده) ؟
انه استند إلى البيان التالي:-
أن العلم الإجمالي وان كان هو الحجة بيد أنه حجة بنحو الكشف والطريقية ، يعني أنه ينجز المعلوم بالإجمال من حينه وفي وقته أي من حين تحقق المعلوم ، فلو فرض أن المكلف كان يعلم الآن بأن زيداً عادل أمس فآثار العدالة من متى تترتب ، هل أنها تترتب من الآن أو من الأمس ؟ إنها تترتب من الأمس ، فمادام المكلف يعلم الآن بكونه عادلاً أمس فآثار العدالة تترتب من الأمس لا من الآن وهذا معنى أن العلم حجة بنحو الكشف والطريقية ، فإذا قبلنا بهذا المطلب فسوف يصير مقامنا من موارد الشك في سقوط التكليف ومورد الشك في سقوط التكليف مجرى للاشتغال .
ولكن كيف يكون موردنا من موارد الشك في سقوط التكليف ؟ ذلك باعتبار أن المكلف في الساعة الثالثة قد علم بثبوت نجاسة أحد الإناءين في الساعة الأولى وهذا معناه أنه قد توجه إليه وجوب الاجتناب في الساعة الأولى إما عن هذا الإناء أو عن ذلك الإناء والمفروض أنه قد طرأ الاضطرار إلى الإناء الاول في الساعة الثانية ، فان كان الإناء الاول هو النجس فوجوب الاجتناب الثابت في الساعة الأولى سوف يسقط بسبب الاضطرار ، أما إذا كان النجس هو الآخر فوجوب الاجتناب الذي توجه إليه سوف يبقى على حاله.
إذن المكلف يشك في سقوط وجوب الاجتناب الذي توجه إليه جزماً في الساعة الأولى - أعني فيما بعد - أو لا ؟ فالمورد إذن من موارد الشك في سقوط التكليف الجزمي فيحكم بالاشتغال.
ان قلت:- ان الشك في السقوط يكون مورداً للاشتغال فيما إذا كان ناشئاً من احتمال الامتثال كمن دخل عليه وقت الصلاة وبعد فترة يحتمل أنه امتثل فسقط التكليف ويحتمل انه لم يمتثل فلم يسقط ، فهنا يحكم العقل بالاشتغال إذ الشك في السقوط نشأ من احتمال الامتثال ، ولكن في موردنا لم ينشأ الشك في السقوط من احتمال الامتثال وإنما نشأ من احتمال أن النجاسة واقعة في الإناء المضطر إليه فيسقط التكليف لا لأجل الامتثال بل لأجل الاضطرار ففي مثل ذلك لا يكون المورد من موارد الشك في الامتثال الذي هو مجرى للاشتغال.
قلت:- ان العقل لا يفرِّق من هذه الناحية بين أن يكون الشك في السقوط ناشئاً من احتمال الامتثال أو يكون ناشئاً من سبب آخر كالاضطرار .
إذن لا فرق بين أسباب احتمال السقوط وعلى تقدير جميعها يحكم العقل بالاشتغال.
ثم قال (قده) :- ولنا طريق آخر لإثبات الاشتغال وهو التمسك بالاستصحاب وذلك بأن يقال:- ان التكليف كان ثابتاً جزماً - أي بوجوب الاجتناب عن أحد الإناءين - في الساعة الأولى وإذا شككنا في سقوطه بسبب الاضطرار فنستصحب بقاءه . إذن حتى لو ناقشنا في الوجه الاول فلنا أن نتمسك بالوجه الثاني وهو الاستصحاب فيثبت به أن وجوب الاجتناب بعدُ باقٍ فيلزم آنذاك لأجل الفراغ اليقيني ترك الإناء الثاني.
ان قلت:- ان لنا طريقاً لإثبات جواز ارتكاب الإناء الثاني وذلك بأن يقال:- انه قبل حصول العلم الإجمالي تكون الأصول جارية بلا معارضة فيجوز تناول الإناء الثاني لأجل ذلك - أي لجريان الأصل فيه بلا معارضة - إذ المفروض أنه لا علم إجمالي في البين وبعد أن فرض حلول الساعة الثالثة لا يتحقق آنذاك علم بتوجه التكليف إلى المكلف لاحتمال أنه كان ثابتاً في الإناء الاول المضطر إليه وقد فرض سقوطه بسبب الاضطرار فالآن لا يمكن ان يقسم الكلف على انه قد توجه إليه تكليف ، فالشك شك بدوي وليس هناك علم إجمالي بتوجه التكليف ومعه يجري الأصل في الإناء الثاني بلا معارضة لفرض عدم العلم الإجمالي .
إذن لا علم إجمالي قبلاً - أي قبل الساعة الثالثة ولا بعداً حتى تتعارض الأصول بل يجري الأصل بلحاظ الطرف الثاني قبلاً وبعداً.
قلت:- هذا صحيح ولكني لا أريد أن أثبت تنجُّز الطرف الثاني ووجوب اجتنابه من ناحية العلم الإجمالي ، فلو كنت أريد التمسك لإثبات تنجزه بفكرة العلم الإجمالي فالإشكال وارد وتام ، ولكني أريد أن أثبت تنجزه بشيء آخر غير العلم الإجمالي إلا وهو فكرة الشك في السقوط وفكرة الاستصحاب ، فاني أريد أن أتمسك بهذين الوجهين الجديدين وأطبقهما ولا أريد التمسك بفكرة العلم الإجمالي حتى تشكل عليَّ بما ذكرته. انتهى ما أفاده(قده).