هذا والمناسب ما أفاده الشيخ الأعظم(قده):- وهو أن الطرف الثاني يلزم تركه ولكن لا لنكتة الجمع بين الحقين إذ يرد عليها ما أفاده الشيخ الخراساني(قده) من أن العلم الإجمالي في مرحلة البقاء قد ارتفع وتبدل إلى الشك البدوي فلا معنى آنذاك لتطبيق فكرة الجمع بين الحقين وإنما هي وجيهة لو فرض أن العلم الإجمالي باق في مرحلة البقاء ولكنه ليس بباق كما أوضح الشيخ الخراساني(قده) ، فانه بالرغم من بطلان النكتة التي أشار إليها الشيخ الأعظم(قده) ولكن الصحيح هو ما ذهب إليه - أي لزوم ترك الثاني - وذلك لنكتة أخرى التفت إليها الشيخ الخراساني نفسه بعد أن كتب الكفاية فانه تراجع بعد ذلك حيث علق على الكفاية في هذا الموضع وحاصل ما ذكره هو التمسك بفكرة العلم الإجمالي الدائر بين الفرد الصغير والفرد الطويل ، فانه أحياناً يكون للعلم الإجمالي فردان أحدهما طويل الأمد والآخر قصير الأمد كما لو فرض أن المكلف علم بأنه قد نذر إما زيارة الجامعة كل يوم إلى فترة شهر أو زيارة عاشوراء إلى فترة سنة ، ففي مثل هذه الحالة هل يكون العلم الإجمالي المذكور منجزاً أو لا ؟ نعم هو منجز ، فان طرفيه متباينان فيلزم الجمع بينهما فان المكلف يعلم بأن ذمته قد اشتغلت بأحد هذين والفراغ اليقيني لا يحصل إلا بالإتيان بهما معاً - بعد فرض التباين بينهما - ان مقامنا من هذا القبيل وذلك لأنّا قد فرضنا أن العلم الإجمالي قد حدث أوَّلاً إما بنجاسة البارد أو بنجاسة الطرف الآخر وعلمنا الإجمالي هذا هو من بداية حدوثه والى الأبد دائر بين الطويل والقصير ، يعني أقول هكذا:- ان كانت النجاسة في الإناء غير البارد فوجوب الاجتناب عنه ثابت إلى الأبد وأما إذا كانت النجاسة واقعة في الإناء البارد فوجوب الاجتناب عنه ثابت الآن ولغاية طرو الاضطرار إلى شرب الماء البارد ، فالمحرم هو هذه الفترة القصيرة بخلاف الحرمة في ذلك الطرف.
إذن علمي الإجمالي من البداية مردد بين طرفين قصير وطويل قبل طرو الاضطرار فيتنجز هذان الطرفان ، أي يجب ترك غير البارد إلى الأبد لأن وجوب الاجتناب الثابت له سنخ وجوب طويل بخلاف الطرف الثاني فان وجوب الاجتناب الثابت له مؤقت لغاية الاضطرار. إذن يبقى الطرف غير البارد منجزاً لأنه متنجز قبل حدوث العلم الإجمالي.
وهذا بخلاف ما إذا كان الاضطرار ثابتاً قبل العلم الإجمالي ، فلو كان الاضطرار هو الأسبق فالعلم الإجمالي حينما يحدث فليس له إلا طرف واحد - أي الإناء غير البارد - إذ المفروض أن البارد لا حرمة له جزماً لفرض الاضطرار ، وحيث أن البارد واحد فيوجد شك بدوي في توجه وجوب الاجتناب ولا يوجد علم إجمالي بتوجه وجوب الاجتناب.