نعم نستدرك ونقول:- هذا يتم إذا كانت الأصول الثلاثة ذات مضمون واحد ، أما إذا اختلف مضمونها بأن اتحد اثنان في المضمون واختلف الثالث فلا محذور في الرجوع إلى الثالث.
مثال الاول:- ما تقدم ، فان الأصلين الأولين - أعني استصحاب الطهارة في الإناء الاول وأصل الطهارة في الإناء الثاني - هما ذوا مضمون واحد إذ أن مضمونهما هو الطهارة والأصل الثالث المحكوم مضمونه الطهارة أيضاً ، فالثلاثة تريد أن تثبت الطهارة فيأتي ما أشرنا إليه سابقاً من أن دليل قاعدة الطهارة ودليل الاستصحاب لا يمكن أن يشمل مثل هذا المورد لمحذور المخالفة القطعية.
ومثال الثاني:- ما إذا فرض أن لدينا ماءاً وخشبة وعلمنا أن أحدهما قد تنجس ، ففي هذا المثال يتعارض أصل الطهارة في الماء مع أصل الطهارة في الخشب بمعنى أنه لا يشملهما ( دليل كل شيء لك طاهر ..... ) ويكون منصرفاً عنهما ولكن يبقى الحل في الماء فانه لا محذور في جريانه بلحاظه ولا يعارض بأصل الحل في الخشبة فان الخشب ليس من الأجسام القابلة للأكل.
إذن ينبغي التفصيل فيقال:- ان الأصل الثالث إذا كان متحد المضمون مع الأصلين الأوَّلين فجميع الأصول الثلاثة لا تجري ، وأما إذا كان يختلف معهما في المضمون فتختص المعارضة بالأصلين الأوَّلين ولا مانع من الأخذ بالأصل الثالث فانه ليس بمعارض.
ان قلت:- بناءاً على هذا سوف تتم الثمرة التي أرادها الشيخ العراقي(قده) فنبدل المثال الذي ذكره بهذا المثال فيقال:- بعد تساقط أصلي الطهارة في الطرفين يعود المجال مفتوحاً لأصل الحل بلحاظ الماء ، فبناءاً على مسلك العلية لا يجري بينما يجري على مسلك الاقتضاء . فالثمرة تكون تامة إذن غايته نساعد الشيخ العراقي في تبديل المثال.
قلت:- هذا المثال لا ينفع الشيخ العراقي(قده) باعتبار أن العلم الإجمالي ينحصر طرفاه بالطهارة والنجاسة ، فنحن نعلم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين أو بنجاسة الماء أو الخشب مثلاً ، وإما بلحاظ الحل والحرمة فلا يوجد علم إجمالي ، يعني لا نتمكن أن نقول نحن نعلم إجمالاً بحرمة أحد هذين الجسمين - إما الماء أو الخشب - لفرض أن الخشب ليس من الأشياء القابلة لطرو حل الأكل عليها . إذن هناك شبهة بدوية بلحاظ الحل وإنما يكون هناك علم إجمالي بلحاظ الطهارة والنجاسة وبالتالي لا يأتي مسلك العلية والاقتضاء فإنهما فرعان عن مورد العلم الإجمالي ، فالعلم الإجمالي يقال انه تارة ينجز بنحو العلية وأخرى بنحو الاقتضاء أما إذا كانت الشبهة بدوية كما هو المفروض بلحاظ الحل والحرمة فان الخشب ليس جسماً قابلاً لطرو الحل عليه وإنما نحتمل حرمة الماء وحليته فالشبهة بلحاظه تكون بدوية وليس هناك علم إجمالي حتى يأتي مسلك الاقتضاء والعلية ، وعليه فكلا المثالين لا ينفعان الشيخ العراقي(قده).
ان قلت:- يمكن أن نصحح المثال الاول بلا حاجة إلى ملاحظة المثال الثاني وذلك بأن يقال:- انه يوجد لدينا في المثال الاول أصل الطهارة بلحاظ الإناء الثاني وبلحاظ الإناء الاول ولا يمكن أن يشملهما دليل أصل الطهارة للمعارضة ، ولكن يبقى المجال مفتوحاً للاستصحاب فان دليله مستقل عن دليل قاعدة الطهارة وليس دليلهما واحداً حتى يقال لا يمكن أن يشملهما بل نقول ان حديث ( كل شيء لك طاهر ..... ) لا يمكن أن يشمل هذين الإناءين إذ لو شملهما للزم محذور المخالفة القطعية فيكون منصرفاً عنهما ، ولكن لا محذور في جريان استصحاب الطهارة في الإناء الاول بلا معارضة إذ المفروض أنه لا توجد حالة سابقة متيقنة في الإناء الآخر.
إذن بلحاظ دليل قاعدة الطهارة يسقط بلحاظ الطرفين لأنه لا يمكن أن يشملهما ومسالة اختلاف الرتبة لا تؤثر شيئاً ، وأما بلحاظ حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) فهو صالح لشمول الإناء الأول ، فيكون هذا المثال مورداً لثمرة الشيخ العراقي(قده) فنحن نتعاون معه ونقتصر على مثاله بعد إدخال التعديل المذكور.
قلت:- هذا وجيه لو كان الاستصحاب في هذا المثال لا يرتبط بمسألة الطهارة بل يرتبط بقضية أخرى ، أما بعد ارتباطه بها فلا يؤثر اختلاف الدليل شيئاً وتصير الأدلة المتعددة بعد وحدة مضمونها الذي تؤدي إليه - أعني الطهارة - بمثابة الدليل الواحد ، يعني نقول هكذا ( لا يمكن للشرع أن يحكم بطهارة هذين ولو بدليلين متغايرين لأننا نعلم بنجاسة أحدهما ) وهذا معناه أن اختلاف الدليل لا يؤثر شيئاً ما دام المضمون الذي يؤديان إليه واحداً.
والخلاصة من كل هذا:- ان الثمرة التي ذكرها الشيخ العراقي(قده) مرفوضة حسب ما أوضحناه.