الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

32/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 ثمرة العلية والاقتضاء:- ذكرنا سابقاً أن الشيخ النائيني(قده) ذهب إلى مسلك الاقتضاء يعني أنه يمكن الترخيص في أحد الإطراف ما دام لا يوجد معارض ، بينما الشيخ العراقي(قده) ذهب إلى مسلك العلية يعني أنه لا يمكن الترخيص في الطرف الواحد حتى إذا لم يوجد معارض ، والآن نريد البحث عن الثمرة العملية بين هذين المسلكين ، فالشيخ النائيني (قده) أنكر وجود الثمرة وقال لا يوجد مورد يمكن أن يجري فيه أحد الأصلين بلا معارضة حتى يكون هو الثمرة وإنما هذا خلاف نظري وعلمي لا أكثر إذ ما من مورد يمكن أن يجري الأصل في أحد الطرفين إلا ويمكن جريانه في الطرف الثاني فيكون هذا النزاع ليس مثمراً.
 هذا ولكن الشيخ العراقي(قده) [1] ذكر أنه يمكن أن يوجد مورد يجري فيه الأصل في أحد الطرفين فيكون هو الثمرة وهو ما لو فرضنا وجود إناءان وعلمنا بوقوع النجاسة في أحدهما وكانت الحالة السابقة لأحدهما - كالإناء الاول - هي الطهارة والثاني حالته السابقة مجهولة ، ففي هذه الحالة يجري استصحاب الطهارة في الإناء الاول ويعارض بأصالة الطهارة في الثاني فيتعارض هذان الأصلان ويتساقطان وبعد فرض عدم جريان هذين الأصلين وتساقطهما تصل النوبة آنذاك إلى أصل الطهارة في الإناء الاول فانه يبقى سالماً بلا معارض إذ أن معارضه - وهو أصل الطهارة في الإناء الثاني - قد سقط بالمعارضة للاستصحاب في الإناء الاول فيعود هذا بلا معارض.
  فبناءاً على مسلك الاقتضاء يلزم جريانه لأنهم يرخصون في ذلك ويقولون بأنه ممكن ، بينما على مسلك العلية لا يمكن ذلك حتى لو لم يكن هناك معارض.
 وقد سجل الشيخ العراقي(قده) هذا كمورد للثمرة وقال على أصحاب مسلك الاقتضاء ان يلتزموا في هذا المورد بجواز شرب الإناء الاول دون الثاني ، وهل يلتزمون بذلك ؟ كلا بل الرواية قد دلت على أنه يهريقهما ويتيمم من دون تفصيل بين كون الحالة السابقة لهذا الإناء كذا أو كذا ، ولا نظن لفقيه أن يلتزم بذلك ، وهذا الحس الوجداني بعدم إمكان جريان أصل الطهارة في إناء واحد وتجويز شربه هو بنفسه شاهد على بطلان مسلك الاقتضاء.
 والشيخ النائيني(قده) كأنه كان ملتفتاً إلى هذه الثمرة أو وصل إليه خبرها وردَّها بأنها لا تتم وذلك لأنه يلزم من جريان أصل الطهارة في الإناء الاول - بعد سقوط ذينك الأصلين - عدم جريانه ، وما يلزم من جريانه عدم جريانه يكون أصل جريانه مستحيلاً وباطلاً.


[1] نهاية الأفكار 3 320 .