بل يمكن أن نصعد اللهجة ويصلح أن يكون هذا جواباً مستقلاً على شبهة التخيير المشروط ونقول:- ان إطلاق حديث الرفع إذا شمل الشبهة المحصورة فسوف يلزم أن يكون الترخيص مطلقاً بلحاظ الشبهة البدوية ومشروطاً بلحاظ الشبهة المحصورة وهذا استعمال في أكثر من معنى واحد ، يعني أن حديث الرفع يدل على ثبوت الترخيص وإما أن يكون هذا الترخيص مطلقاً بلحاظ الاثنين أو يكون مشروطاً بلحاظهما ، أما أنه يكون مشروطاً بلحاظ أحدهما ومطلقاً بلحاظ الآخر فهذا استعمال في معنى واحد وهو ان كان ممكناً فلا أقل من كونه مخالفاً للظاهر ولا يصار إليه إلا بدليل وحيث لا دليل على أن الترخيص بشكلين - أي بشكل مطلق بلحاظ البدوية وبشكل مشروط بلحاظ المحصورة - فلا يمكن أن يكون حديث الرفع شاملاً لكلتا الشبهتين فان لازمه أن يكون الترخيص مطلقاً ومشروطاً وهو خلاف الظاهر . وهذا جواب مختصر عن شبهة التخيير المشروط.
فاتضح إذن من خلال ما تقدم أنه يمكن أن نجيب بجوابين أحدهما ما كان يحتاج إلى المقدمة السابقة والثاني هو هذا.
ومن خلال ما ذكرنا يتضح التعليق على ما أفاده السيد الشهيد(قده) في جوابه الثاني فانا فيما سبق ذكرنا أن له جوابان وقد تقدمت الإشارة إلى الأول بعنوان ( الجواب السادس ) وهذا هو الجواب الثاني وحاصله هو أن الملاك الأهم في مورد الشبهة المحصورة ان كان هو ملاك الإباحة فالمناسب أن يكون الترخيص ترخيصاً مطلقاً فكل طرف يجوز ارتكابه بشكل مطلق لأن المفروض أن ملاك الإباحة هو الأهم ولأجل التحفظ عليه لابد من الترخيص في كلا الطرفين حتى يجزم بتحققه ، وإذا فرض أن الملاك الأهم هو ملاك الحرام فالمناسب هو جعل الاحتياط في كلا الطرفين بشكل مطلق أيضاً فيقال ( لا ترتكب هذا الطرف ولا ذاك تحفظاً على ملاك الحرام ) ، وهناك شق ثالث وهو أن يكون ملاك الحرمة أهم من زاوية حرمة المخالفة القطعية وليس بأهم من زاوية وجوب الموافقة القطعية ، يعني أن ملاك الحرمة أهم بحيث يستدعي أن لا يخالف المكلف بنحو المخالفة القطعية ولكن ليس بنحوٍ يستدعي أن يوافق موافقة قطعية فهو متوسط الحال فيقتضي حرمة المخالفة القطعية ولا يقتضي وجوب الموافقة القطعية والمناسب على هذا التقدير هو الترخيص في الجامع - أي في أحدهما - فيقال ( أنت مرخص في أحدهما ) . هذا من ناحية الاحتمالات الثبوتية.
وبعد أن اتضح ذلك ثبوتاً نأتي إلى عالم الإثبات ونقول:- لو رجعنا إلى دليل الأصل وجدنا أن الترخيص فيه ترخيص مطلق وحيث أنه لا يمكن أن يشمل الطرفين بنحو الإطلاق فلنقيد الترخيص فيصير ترخيصاً مشروطاً كما اقترحه الشيخ العراقي(قده).
ولكنا نقول له:- ان هذا الترخيص المشروط لا يتلاءم مع الاحتمالات الثلاثة الثبوتية فهو باطل على تقدير جميعها ، ونحن قد فرغنا من أن الاحتمالات ثبوتاً هي ثلاثة لا رابع لها والترخيص المشروط لا يتلاءم مع أي واحد منها فهو إذن مرفوض.
أما أنه لا يتلاءم مع الاحتمال الاول:- فلأن المناسب عليه أن يكون الترخيص مطلقاً لا مشروطاً.
وأما انه لا يتلاءم مع الاحتمال الثاني:- فباعتبار أنه يلزم منه جعل الاحتياط المطلق لا الترخيص بنحو مطلق أو بنحو مشروط.
وأما أنه لا يتناسب مع الاحتمال الثالث: وهذا هو المهم فان الذي يتوهم فيه التناسب هو هذا الاحتمال فباعتبار أن لازمه هو الترخيص في الجامع لا في كل طرف بنحو مشروط ، اللهم إلا إذا أرجعنا الترخيصين المشروطين إلى إرادة الترخيص في الجامع وهو شيء ممكن ولكنه مخالف للظاهر فيحتاج إلى دليل كي يصار إليه والمفروض في مقامنا أنه لا دليل عليه.
إذن الترخيص المشروط شيء لا يمكن المصير إليه.