الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

32/12/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الجواب السادس وهو للسيد الشهيد(قده):- فهو له جوابان عن هذه الشبهة أحدهما ما نذكره الآن والآخر - ولعله الأساسي - نرجئه إلى ما بعد بيان ما هو المختار عندنا في الجواب ، وإنما فعلت ذلك لقضية فنية تتضح فيما بعد إنشاء الله تعالى.
 أما الجواب الاول [1] فحاصله:- إنا لو سلمنا أن المناسب هو ثبوت التخيير المشروط كما ذكر الشيخ العراقي ولكن نقول لابد من رفع اليد عنه فانه مرفوض شرعاً ، فالشرع لا يريد إثبات الترخيص لا بنحو مطلقٍ ولا بنحوٍ مشروطٍ ، بل هو عنده مرفوض رأساً والذي يحكم به هو لزوم الاحتياط.
 فالصناعة وان اقتضت ما ذكره الشيخ العراقي ولكن النصوص قد دلت على أن الترخيص ليس بثابت في موارد الشبهة المحصورة في العلم الإجمالي سواء كان بنحو مطلق أو بنحو مشروط وذلك باعتبار أنه قد دلت الرواية الصحيحة في مورد الماء النجس المشتبه بين ماءين على أنه يهريقهما ويتيمم ، فلـو كـان الترخيـص المشـروط مرضيـّاً لـدى الشـرع لكـان المنـاسب أن يقـول ( توضأ بأحدهما بشرط اجتناب الآخر ) بيد أنه حكم بلزوم التيمم وعدم جواز الاستفادة من أي واحد منهما.
 وكمثال ثاني على ذلك:- الغنم الموطوءة ، فلو فرض أن واحداً من الغنم كان موطوءاً ضمن قطيع فالرواية قد دلت على لزوم الاجتناب عن جميع القطيع ، فلو كان الترخيص مقبولاً لكان المناسب هو تجويز ارتكاب بعض الأطراف بشرط ترك طرف واحد.
 ومن هذا وذاك نفهم أن الشرع لا يرتضي فكرة الترخيص المشروط وان كانت موافقة للصناعة.
 وهنا نحتاج إلى مقدمة كي يتم هذا الجواب:- وهي أن نلغي خصوصية هذين الموردين ونقول لا يحتمل وجود خصوصية لا للمثال الاول ولا للثاني إذ لو كان احتمال الخصوصية ثابتاً فلا يمكن أن نستنتج منهما حكم الشرع وانه يرفض الترخيص المشروط بشكل مطلق وعام.
 فتعليقنا على هذا الجواب هو:- أنه جواب جيد بشرط الجزم بعدم الخصوصية لهذين الموردين.
 وبعد استعراض هذه الأجوبة نذكر الجواب المناسب والذي يخطر في ذهننا في المقام:- وبيانه يتوقف على مقدمة وحاصلها ما أشرنا إليه في مبحث الإطلاق - ولم نر من نبه عليه بشكل واضح - وهي أن الإطلاق إنما يصح التمسك به إذا لم يلزم من تطبيقه مؤونة ثبوتية ، أما إذا لزمت فلا يجري ولا يصح التمسك به.
 ونذكر أولاً مثالاً لما تلزم منه المؤونة الثبوتية ثم نذكر مثالاً آخر لما لا يلزم منه ذلك:-
 أما مثال ما يلزم منه المؤونة الثبوتية فهو:- لو فرض أن المرأة أصابها مرض في بعض أعضاء بدنها واحتاجت إلى الكشف عن ذلك الموضع أمام الطبيب ، فهل يجـوز لهـا الكشـف أو لا ؟ قد يخطر إلى الذهن حديث ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) فيقال إنها مضطرة إلى ذلك فيجوز لها الكشف . والجواب واضح:- فانا لسنا بصدد بيان المدرك لكشفها هي عن الموضع بل نحن بصدد بيان المدرك لجواز نظر الطبيب ، فمرة نبحث عن حكمها هي وهل يجوز لها الكشف ؟ والجواب نعم يجوز لها ذلك لقاعدة رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ، وأخرى نريد أن نستوضح حكم الطبيب فانه ليس مضطراً وما دام كذلك فلا مجال لتطبيق حديث الاضطرار في حقه ، إذن هذا المدرك لا ينفعنا.
 وقد يخطر إلى الذهن وهو بيت القصيد - في بيان المدرك ما يلي:- إنا نطبق حديث نفي الاضطرار أوَّلاً على المرأة ونقول ان مقتضى إطلاقه أنها يجوز لها الكشف لأنها مضطرة ، وإذا ثبت بالإطلاق جواز الكشف فيلزم منه جواز نظر الطبيب وإلا للزم محذور اللغوية.
 والجواب:- ان هذه طريقة مرفوضة ، وإنما نسلمها لو فرض أنـه جاء نص خاص وقـال للمـرأة ( إذا احتجت إلى الكشف عن بدنك أمام الطبيب فيجوز لك ذلك ) كما يستفاد ذلك من صحيحة الثمالي فإنها دلت على أنه إذا كان الطبيب الرجل أرفق من المرأة جاز لها الذهاب إليه ، فلو كان هناك نص خاص جوَّز للمرأة الكشف فيثبت جواز النظر من قبل الطبيب بالملازمة وإلا فهذا التجويز للمرأة يكون لغواً وبلا فائدة.
 أما إذا فرض عدم وجود نص خاص وكان عندنا حديث نفي الاضطرار فقط ونريد أن نسحب إطلاقه إلى هذه المرأة ونقول إذا جاز لها الكشف جاز للطبيب النظر ، فهنا لا يصح التمسك بالإطلاق وذلك لأن لازم سحب الإطلاق إلى هذا المورد تحقق مؤونة ثبوتية ، وما هي تلك المرونة ؟ انه يوجد عندنا دليل آخر يقول للرجل مثلاً - ( وقل للمزمنين يغضوا مـن أبصـارهـم ) فانه يدل باطلاقة على عدم جواز النظر إلى المرأة ومقتضى إطلاقه الشمول حتى لحالة كون المرأة مريضة ، فلابد وأن نقيّد هذا المطلق في مرحلة سابقة حتى نتمكن - بعد تقييده - من التمسك بإطلاق حديث رفع الاضطرار ، أما إذا لم نقيّده في مرحلة سابقة وبقي على حاله فلا يمكن آنذاك التمسك بحديث نفي الاضطرار في حق المرأة لتحقق المعارضة بينهما ، إذ حديث نفي الاضطرار يقول للمرأة يجوز لك الكشف بمقتضى الإطلاق وبالملازمة سوف يثبت جواز النظر للطبيب حتى لا تلزم اللغوية ، وفي المقابل يقول الإطلاق الثاني ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) لا يجوز للرجل أن ينظر حتى لو كانت المرأة مريضة .
 إذن لابد في مرحلة أسبق من تقييد إطلاق الدليل الثاني - أي إطلاق دليل ( قل للمؤمنين ) - وحيث لا مثبت ولا أولوية لهذا التقييد للدليل الثاني من تقييد الدليل الاول فلا يمكن التمسك بالإطلاق الاول - أي إطلاق حديث نفي الاضطرار - فانه من المناسب أن يقال ان التقييد فيه محتمل فيكون التقييد فيه ثابتاً ، يعني ان إطلاق رفع الاضطرار لا يشمل مثل هذه المرأة المريضة التي تحتاج إلى كشف أمام الرجل بل يختص بغيرها ممن لا تحتاج إلى كشف.
 إذن التمسك بإطلاق حديث رفع الاضطرار في حق المرأة يلزم منه مؤونة ثبوتية - أي يلزم منه أن نقيد إطلاق ذلك الدليل الثاني - بينما المحتمل أن نُعمل التقييد في الاول فنقول إطلاق ( رفع عن أمتي ) لا يشمل هذه المرأة فنقيده بغيرها ممن لا تحتاج إلى إبراز بدنها أمام الطبيب.
 إذن الإطلاق في مثل هذه الحالة لا يصح التمسك به.


[1] ذكره في التقرير 5 195.