الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الاصول
32/11/13
بسم الله الرحمن الرحیم
الرأي الرابع:- ما ذهب إليه السيد الروحاني(قده)[1] حيث اختار رأياً ربما جمع فيه بين الرأي الثاني - القائل بالتعلق بالواقع - والرأي الثالث - القائل بالفرد المردد - فانه وان لم يصرح بذلك ولكن نحن نقول ربما حصل بهذا الرأي الجمع بين هذين الرأيين حيث ذكر (قده) أنه يمكن أن يقال إن العلم الإجمالي متعلق بحسب الواقع بالفرد المعين ولكن بحسب علم العالم هو متعلق بالفرد المردد.
إذن متعلق العلم الإجمالي مردد بحسب علم العالم ومعين بلحاظ الواقع .
وفيه:- إن هذا لو أخذنا بظاهره فربما يشتمل على التناقض والتهافت ولكن لعل مقصوده شيء آخر وهو ما سنبينه بعد ذلك.
أما أن ظاهره متناقض:- فباعتبار أن العلم الإجمالي إذا كان متعلقاً بالمعين واقعاً فكيف يكون في نظر العالم بالإجمال مردداً فأن كونه مردداً يعني التعلق بالمردد وهذا خلف ما فرضه من تعلقه بالمعين ، فكلا هذين المطلبين لا يمكن الجمع بينهما ، ولكن كما قلت سيأتي إنشاء الله تعالى ما يمكن به توجيه المطلب.
الجامع بنحو المرآتيـة
ذكرنا فيما سبق آراءً أربعة في حقيقة العلم الإجمالي ولا يبعد أن أولاها وأحسنها هو الرأي الاول ، أعني التعلق بالجامع.
ووجه أقربيته:- هو كونه موافقاً للوجدان ، فنحن نشعر بوجداننا حينما نعلم بأن أحد الإناءين قد وقعت فيه نجاسة أن معلومنا هو إحدى النجاستين الذي هو عبارة عن الجامع الانتزاعي.
إذن أقرب الآراء إلى الوجدان هو الرأي الاول والذي لم يستدل عليه أصحابه بشيء ولعلهم لم يذكروا دليلاً من باب الإحالة على الوجدان.
ولكن الآن نستدرك ونقول:- صحيح أن العلم الإجمالي متعلق بإحدى النجاستين الذي هو عبارة أخرى عن الجامع ولكن ليس متعلقه هو الجامع بما هو جامع بل الجامع بما هو مرآة للفرد الواقعي فان ما علم به وجداناً هو نجاسة إناء معين والنجاسة لا تثبت إلا للمعين وليست ثابتة للجامع بما هو جامع.
إذن صحيح أن متعلق علمي الإجمالي هو الجامع - أعني الأحد -ولكن ليس هو الأحد بما هو أحد بل بما هو مرآة إلى ذلك الفرد الواقعي.
ولا يبعد أن الشيخ العراقي(قده) يقصد هذا المطلب ولا يريد أن يقول إن العلم الإجمالي متعلق بالواقع ابتداءً وإنما يقصد أنه متعلق بالجامع بما هو مرآة لذلك الواقع فلاحظ عبارته حيث قال ( إن متعلق العلم الإجمالي ومعروضه وان كان هو الجامع بين الطرفين ليس إلا لبداهة خروج الخصوصيتين عن متعلق العلم رأساً لكن لا بما أنه في حيال ذاته ........ بل بما أنه مرآة إجمالي عن الخصوصية الواقعية المرددة في نظره بين إحداهما بنحو تكون نسبته إليها نسبة الإجمال والتفصيل بحيث لو كشف الغطاء كان المعلوم بالإجمال عين المعلوم التفصيلي وينطبق عليه بتمامه لا بجزء تحليلي منه )[2] فأن عبارته هذه لعلها ظاهرة بل أكثر من ظاهرة فيما ذكرنا.
وبهذا يحصل للمعلوم بالإجمال معالم ثلاثة ، فهو أولاً عبارة عن الجامع كما ذكر العلمان ، وهو في نفس الوقت معلوم بالإجمال - أعني الجامع - ولكن بما هو حاك عن الفرد الواقعي وهو ما صار إليه الشيخ العراقي(قده) ، وحيث أن ذلك الفرد الواقعي لا نشخصه بشكل تام بل الرؤية بلحاظه مشوبة بالخفاء فيمكن أن نصطلح عليه بأنه هو المردد فهو مردد باعتبار أن رؤيتنا وعلمنا مشوب بالخفاء والشكوك ، وهو الواقع باعتبار أن متعلق العلم الإجمالي وان كان هو الجامع ولكن بما هو حاك عن الواقع ، وهو الجامع أيضاً لأن المتعلق بالمباشرة هو الجامع.
وبذلك يحصل الجمع بين الآراء الثلاثة ، فكل رجع إلى وجدانه ولكنه أخذ جزءاً من الوجدان ، فالرأي الاول صحيح لأن المتعلق في العلم الإجمالي هو الجامع ، والثاني صحيح باعتبار أن الجامع يلحظ بما هو مرآة للفرد ، والثالث صحيح أيضاً باعتبار أن الرؤية لذلك الفرد الواقعي مشوبة بالخفاء فيحصل التردد.
ولعل هذا هو مقصود السيد الروحاني(قده) في رأيه الرابع.
وبهذا نختم حديثنا عن حقيقة العلم الإجمالي.
[1] المنتقى 5 51 و 54.
[2] نهاية الأفكار 3 47.