الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الاصول

32/11/11

بسم الله الرحمن الرحیم

وفيه:- إن ما ذكره(قده) يكون وجيهاً تاماً فيما لو كان الشيخ العراقي(قده) يقصد من تعلق العلم الإجمالي بالواقع هو الواقع الخارجي الثابت في الخارج ، إذ في عالم الخارج قد فرض أن كلا الإناءين نجس فالتعلق بهذا دون ذاك بلا مرجح أو بذاك دون هذا بلا مرجح أيضاً وبكليهما لا يمكن لأنه خلف العلم الإجمالي بنجاسة الأحد فاني أعلم بنجاسة أحد الإناءين وليس بنجاسة كلا الإناءين ، ولكن تعلق العلم بالواقع الخارجي هو من الأمور التي صار بطلانها واضحاً ومن البديهيات ، فلا يمكن لأحد أن يدعي أن العلم يتعلق بالخارج ، وكيف يتعلق بالخارج والحال أن العلم شيء نفساني !! وكيف يتعلق الشيء النفساني بالخارج !! فإن لازم ذلك إما صيرورة الأمر النفساني أمراً خارجيا أو الخارجي يصير أمراً نفسانياً ، بل يلزم صيرورة كل علم مصيباً ، إذ ما دام العلم يتعلق بالخارج فيلزم ثبوت ذلك الخارج حتى يتعلق به العلم وبالتالي يلزم صيرورة العلم مصيباً دائماً.

 إذن بطلان تعلق العلم بالأمور الخارجية شيء يكاد أن يكون واضحاً ولا يمكن التفوه بخلافه ، وهو من المطالب التي قد تنبه إليها الشيخ العراقي(قده) ونبه عليها[1] .

 إذن حينما يقول الشيخ العراقي(قده) إن العلم الإجمالي يتعلق بالواقع فلا يقصد منه الواقع الخارجي وإنما يقصد تعلق العلم الإجمالي بصورة الفرد وصورة الواقع ، فمتعلق العلم دائما هو الصورة الذهنية وهي قد تكون صورة ذهنية للفرد وقد تكون صورة ذهنية للجامع.

 ومعه فلا يرد إشكال السيد الخوئي(قده) إذ نقول له صحيح أنه لا يوجد إناء نجس بخصوصه في عالم الخارج حتى يمكن أن يتعلق به العلم الإجمالي ولكن هناك صورة ذهنية يحملها العالِم بالإجمال وهي صورة للفرد غايته هي صورة لا تطابق الخارج ولكن عدم مطابقتها للخارج لا يعني أنها ليست ثابتة في الذهن بل هي ثابتة في الذهن والعلم الإجمالي يتعلق بها.

وان شئت قلت:- ما رأيك لو فرض أن المكلف كان يعلم تفصيلاً بنجاسة هذا الإناء بينما في الواقع كان النجس كلا الإناءين انه في هذه الحالة لو كان العلم التفصيلي يتعلق بالواقع الخارجي فلا يوجد واقع خارجي بعينه يمكن أن يتعلق به العلم وإنما يتعلق بالصورة الذهنية للفرد ، انه إذا قبلنا هذا في حالة العلم التفصيلي فلنقبله بنفسه في حالة العلم الإجمالي فهناك صورة ذهنية للفرد والعلم الإجمالي يتعلق بها غايته هي صورة ليست مطابقة للوقع الخارجي وعليه فلا يتم الإشكال المذكور.

الإشكال الثاني:- ما أفاده الشيخ الأصفهاني (قده) حسب ما نقله عنه السيد الشهيد(قده)[2] وحاصله أن العلم الإجمالي إذا كان يتعلق بالصورة الذهنية للفرد فنسأل هل أن الحد الشخصي للفرد داخل في الصورة أو ليس بداخل فيها ؟ فان كان داخلاً فيها - أي كانت الصورة صورة للفرد بكامل حدوده وقيوده - فسوف يصير العلم تفصيلياً لأنه علم بصورة الفرد بكامل خصوصياته وهذا شأن العلم التفصيلي ، وان كان الحد خارجاً عن الصورة فهذا معناه أن العلم الإجمالي صار متعلقاً بالجامع وليس بالفرد.

وفيه:- إن المختار هو الأول ، يعني أن المشخصات والحدود داخلة في الصورة ولا يلزم منه انقلاب العلم الإجمالي إلى تفصيلي ، إذ بإمكان الشيخ العراقي أن يجيب بأن الصورة رغم كونها صورة للفرد بكامل مشخصاته هي ليست علماً تفصيليا لأنها مشوبة بالخفاء ، فلأجل شوبها بالخفاء صارت علماً إجمالياً ولم تصر علماً تفصيلياً كما هو الحال في من يرى زيداً من بعيد ولا يشخص أنه هو ، فحينما يراه يكون متعلق الرؤية هو زيد بكامل مشخصاته ولكنها رؤية مشوبة بالخفاء.

 وفي مقامنا يفرض ذلك أيضاً ، فالعلم الإجمالي يتعلق بصورة الفرد بكامل مشخصاته ولكن حيث أن الصورة مقرونة بشيء من الخفاء فلا يلزم صيرورة العلم الإجمالي علماً تفصيلياً.

الإشكال الثالث:- ما ذكره السيد الروحاني(قده)[3] وحاصله:- أنك قلت أيها الشيخ العراقي إن المعلوم بالإجمال ينطبق على المعلوم التفصيلي بكامله وليس بجزئه التحليلي - أعني الجامع فقط - وهذا دليل على أن متعلق العلم الإجمالي هو الواقع وليس الجامع ، ونحن نقول لك كيف ينطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل والحال أن المعلوم بالإجمال مشوب بالخفاء بينما المعلوم بالتفصيل واضح ؟ إن لازم هذا صيرورة العلم الإجمالي علماً تفصيلياً وصيرورة الخفاء وضوحاً والوضوح خفاءً أو بالأحرى اجتماع الوضوح والخفاء ،

وفيه:- إن مقصود الشيخ العراقي(قده) هو الانطباق بين ذات المعلومين ، ومن الواضح أن ذات المعلوم بالعلم الإجمالي إذا كان هو الجامع فيلزم أن لا ينطبق على المعلوم بالعلم التفصيلي - الذي هو الواقع - بل ينطبق على بعضه فان الجامع بعض الفرد ، فالتطابق الذي يقصده الشيخ العراقي(قده) هو التطابق بين ذات المعلومين والخفاء والوضوح ليسا من شؤون المعلومين ومن حالات متعلق العلمين بل هما حالتان من أحوال العلم ، وهذا كما هو الحال في من يرى زيداً من بعيد ولكنه لا يشخص كونه زيداً بيد أنه إذا اقترب منه وشخص كونه زيداً فسوف يقول ( ما رايته قبل قليل هو عين ما رأيته الآن ) إن هذا كلام صحيح ، ولا يشكل ويقال إذن يلزم أن يكون الخفاء عين الوضوح ، كلا إن الخفاء والوضوح من شؤون نفس الرؤية وليسا من شؤون متعلق الرؤية - أي المرئي - فالرؤية تتصف بالخفاء والوضوح لا أن المرئي كذلك ، وفي المقام نقول ذلك أيضاً.

 إذن لا يلزم على الشيخ العراقي الإشكال المذكور.

[1] لاحظ نهاية الأفكار 3 299.

[2] في التقرير 4 159 .

[3] منتقى الأصول 5 55.