الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الاصول
32/10/28
بسم الله الرحمن الرحیم
أما بالنسبة الى الثمرة:- فتظهر في تهيئة مقدامات وجود الخمر ، فلو أراد الشخص أن يهيئ مقدمات وجود الخمر وكان يعلم أنه لو حصلت المقدمات لحصل بعد ذلك الخمر وحصل شربه فهل يحرم إيجاد المقدمات المستتبعة لتحقق الشرب جزماً ؟ ان الثمرة تظهر هنا فبناءاً على رأي الشيخ النائيني(قده) حيث أنه لا حرمة للشرب قبل وجود هذا الخمر في الخارج فلا موجب لحرمة تهيئة المقدمات حتى لو علم أنه يشرب الخمر بعد ذلك جزماً إذ المفروض أنه الآن لا حرمة فلم يحرم تهيئة المقدمات ، وهذا نظير ما لو فرض أن المكلف بقي ساهراً ليله على الانترنيت - كما هي المشكلة في زماننا - الى ما قبل الفجر بدقائق فهل يجوز له أن ينام مع فرض علمه بأنه لو نام الآن فلا يستيقظ لصلاة الفجر أو لا ؟ نعم يجوز له النوم ، والوجه في ذلك هو أنه لا تكليف له بالصلاة الآن وإنما يحدث التكليف فيما بعد والمفروض أنه نائم وقد رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ فلا محذور في النوم ، هذا مقتضى القواعد والصناعة.
الهم إلا أن يقول قائل[1] :- إنا نستفيد من قوله تعالى ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) أن المحافظة لازمة وهي لا تتحقق إلا ببقائه مستيقظاً الى الفجر إلا أن يضع المنبه وإلا لم يكن محافظاً.
ولكن يمكن ان يقال:- يجوز أن ينام من دون وضع المنبه لهذه النكتة التي ذكرتها.
ونفس الشيء كما نقوله في باب الصلاة يلزم الشيخ النائيني(قده) قوله في مثال تهيئة مقدمات الخمر ، فان الحرمة تتولد على رأيه بعد وجود الخمر والآن لا حرمة فلا محذور في تهيئة المقدمات
بينما على ما اخترناه من أن وجود الخمر خارجاً ليس قيداً في فعلية الحرمة وإنما القيد هو اتصاف الشيء بكونه خمراً على تقدير وجوده ونحن نجزم بأنه بعد شراء العنب وعصره سوف سيتصف سائله بالخمرية وبالتالي سوف يكون الاتصاف محرز ، فإذا كان محرزاً فسوف تصير الحرمة فعلية وإذا صارت فعلية فالمقدمات يحرم تهيئتها رغم عدم وجود الخمر خارجاً ، ان هذه ثمرة بين هذين التعليلين والتقريبين.
أما إذا سألت ما هو المثبت لما ذكرناه في مقابل ما ذكره الشيخ النائيني(قده) ؟
فجوابه قد اتضح:- فان المرتكز المتشرعي والحس المتشرعي يقضي في هذا المثال المقدمات التي لا تنفك عن تحقق شرب الخمر بحرمة تهيئة المقدمات ، ومن البعيد أن يلتزم فقيه بجواز المقدمات المذكورة ، ان هذا بنفسه منبه على أن الحرمة الفعلية لا تدور مدار الخمر خارجاً بل متى ما كان متصفاً بالخمرية على تقدير وجوده فذلك يكفي في فعلية الحرمة حتى مع عدم وجود الخمر خارجاً ، ان هذا الإحساس دليل وجداني على البيان الذي ذكرناه.
يبقى الكلام بالنسبة الى الذي تمسك به الشيخ النائيني(قده) فانه تمسك بوجهين أحدهما أنه لا مفسدة في شرب الخمر بعد فرض عدم تحققه خارجاً.
وجوابه:- ان لازم ما ذكره(قده) عدم ثبوت الحرمة حتى مع فرض وجود الخمر فان الخمر إذا كان موجوداً ولكن لم يشرب فلا مفسدة فان المفسدة ثابتة في شرب الخمر لا في وجود الخمر فيلزم على الشيخ النائيني(قده) أن يحكم بعدم فعلية الحرمة حتى على تقدير وجود الخمر خارجاً ما دام هو بعد لم يشرب ، وهذا بنفسه منبه واضح على بطلان ما ذكره.
والوجه الثاني الذي ذكره هو أن الخمر إذا لم يكن موجوداً فهو مُنتركٌ بنفسه فلا حاجة الى الأمر بالترك وهل هذا إلا أمر بتحصيل الحاصل.
فجوابه:- ان لازم ما ذكره(قده) هو أن الخمر حتى لو كان موجوداً فما دام هو بعد لم يشرب فهو منترك فلا أمر بتركه آنذاك ، وحل هذه الشبهة ما قراناه في المعالم حيث ذهب البعض الى أن المطلوب بالنهي ليس هو الترك بل هو الكف لأن الترك حاصل قبل النهي فلو كان المطلوب هو الترك حينئذ للزم الأمر بطلب تحصيل الحاصل.
وجوابه ما ذكر هناك من أن المطلوب بالنهي ليس هو إيجاد الترك بل هو إدامة الترك والاستمرار عليه.
وعلى هذا الأساس لا مشكلة من هذه الناحية.
والخلاصة من كل هذا :- أن حرمة الخمر في هذه الصورة الاولى تدور مدار اتصاف الشيء بالخمرية على تقدير وجوده وحيث لا نحرز أن هذا الشيء على تقدير وجوده متصف بالخمرية فحينئذ لا نجزم بفعلية الحرمة وبالتالي تجري البراءة . هذا كله بالنسبة الى الصورة الاولى.
الصورة الثانية:- وهي أن يكون الموضوع مأخوذاً بنحو البدلية من قبيل ( اعتق رقبة ) فان المطلوب هو عتق رقبة ما لا جميع الرقاب ، فلو شككنا أن هذا رقبة أو لا - أي هل هو عبد مملوك أو حر - فهل يكتفى بعتقه ، أي بعتق مشكوك الرقبة ؟
والجواب:- انه لا يكفي ذلك بل الأصل هو الاشتغال لأن الذمة قد اشتغلت بعتق العبد جزماً وأنا اشك هل يتحقق الامتثال بعتق المشكوك أو لا فالشك شك في تفريغ الذمة عما اشتغلت به جزماً وليس شكاً في أصل اشتغالها إذ يجزم باشتغالها بعتق الرق.
نعم لو فرض أنه لا يوجد في الدنيا إنسان يجزم بكونه رقاً بل الموجود كله مشكوك الرقية ففي مثل هذه الحالة يمكن أن نتمسك البراءة ونقول يكفي عتق هذا المشكوك ولا يتعين انتخاب ما يجزم برقيته إذ المفروض تعذره.
ومن هذا القبيل مسألة الوضوء ، فان الواجب عندنا هو التوضؤ بالماء ، فإذا أراد شخص أن يتوضأ وكان عنده سائل يشك في أنه مطلق أو مضاف - أي ماء أو ليس بماء فهل يجزي الوضوء به ؟ كلا لا يجزي الوضوء به فان الذمة قد اشتغلت بالتوضؤ بالماء والمفروض أن التوضؤ بالماء ممكن وأشك في حصول الامتثال لو توضأت بهذا المشكوك فالشك شك في الامتثال وهو مجرى للاشتغال.
نعم لو لم يكن لدينا إلا هذا السائل ففي مثل هذه الحالة يكفي الوضوء به إذ المفروض أن غيره متعذر ولا يحتمل اشتغال الذمة به ، نعم ربما يقال هذا لا يكفي الوضوء به بل نحتاج الى التيمم.
إذن ينبغي أن نفصِّل في هذه الصورة بين ما إذا كان هناك فرد آخر من الموضوع يُحرَز انطباق عنوان الموضوع عليه فالأصل هو الاشتغال لأن الشك شكٌ في الامتثال ، وبين ما إذا لم يوجد فرد آخر بل الموجود هو المشكوك فقط فالأصل هو البراءة.
[1] قد ذكرت ذلك في كتاب تفسير آيات الأحكام.