الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الاصول

32/10/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 واتضح أيضاً من خلال ما ذكرناه الرد على صاحب الكفاية(قده) فانه فصَّل كما تقدم بين ما إذا كان الحكم متعدداً ومنحلاً كما في مثال ( لا تشرب الخمر) و ( لا تكذب ) فانه ينحل بعدد أفراد الخمر وبعدد أفراد الكذب فالمورد يكون مجرى للبراءة وأما إذا كان الحكم واحداً وليس منحلاً كما في وجوب اجتناب المفطرات بالنسبة الى الصوم فان الحكم بوجوب الاجتناب واحد ولا يتعدد بتعدد المفطرات فإذا شك في أن تزريق الإبرة في العضلة شرب أو ليس بشرب فيكون ذلك مجرى للاشتغال لأننا كلفنا بحكم واحد وهو الاجتناب عن جميع المفطرات وقد اشتغلت به الذمة جزماً فيلزم التفريغ اليقيني وهو لا يحصل إلا بترك المشكوك أيضاً فتزريق الإبرة الذي يشك في كونه شرباً يلزم تركه أيضاً فان الشك ليس في أصل التكليف وإنما في امتثال ما اشتغلت به الذمة جزماً فيكون مجرى للاشتغال . هكذا ذكر (قده) على ما اتضح سابقاً.

 وقد اتضح الجواب عن ذلك:- فانا نسلم أن الحكم في باب الصوم واحد وهو وجوب الاجتناب عن جميع المفطرات التي منها الشرب ولكنه لا يؤثر على الموقف شيئاً بحيث يصير المناسب هو الاشتغال بدل البراءة ، بل نحن نبقى مصرِّين على البراءة رغم أن الحكم واحد وذلك لنفس البيان الذي ذكرناه سابقاً حيث يقال ان المولى حينما نهى عن الشرب فالعرف يفهم أنه متى ما صدق على المورد أنه شرب فيلزم تركه وأما إذا لم يصدق أنه شرب فلا يلزم تركه ، وحيث نشك في صدق عنوان الشرب في المورد حسب الفرض فسوف نشك في اقتضاء ذلك التكليف الوارد لترك هذا النحو - أعني تزريق الإبرة في العضلة - فان ذلك الحكم الواحد يشمل هذا ويقول اجتنبه لو فرض أنه يصدق عليه عنوان الشرب وحيث نشك فلا نجزم باقتضاء ذلك الحكم الواحد للزوم ترك هذا فيكون المورد من موار الشك في أصل التكليف.

 ولا تقل:- ان المفروض أن المولى قد نهانا عن الشرب بنحو الجزم واليقين فالذمة مشتغلة جزماً بذلك فالمورد يصير من موارد الشك في الامتثال كما أراد هو (قده).

 فانا نجيب:- ان مجرد توجه النهي الى العنوان من دون صدق المعنون لا يكفي في لزوم الترك ، فان الذي يلزم تركه هو ما يصدق عليه أنه شرب والمفروض أنا نشك في صدق عنوان الشرب على هذا فنشك بالتالي باقتضاء ذلك التكليف الواحد للزوم ترك هذا المشكوك.

 ويمكن أن نبين هذا المطلب الذي أشرنا إليه بروح أخرى أو بصيغة أخرى مع وحدة الروح وذلك بأن نقول :- صحيح أن التكليف واحد ولكن يشك في سعة متعلقه وضيقه فيصير المورد من الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، فانه إذا كان يصدق على تزريق الإبرة عنوان الشرب فسوف يصير متعلق الحكم بالاجتناب عن الشرب وسيعاً وشاملاً لتزريق الإبرة وللاستنشاق من خلال الفم وغيرهما بينما لو لم يصدق عنوان الشرب فسوف يصير المتعلق ضيقاً ومختصاً بما إذا كان التناول عن طريق الفم ان متعلق الحكم الواحد سوف يتردد أمره بين السعة والضيق ويصير المورد نظير باب الصلاة فان هناك أمراً واحداً لا ندري هل تعلق بتسعة اجزاء من دون الطمأنينة مثلاً أو أن ذلك الأمر الواحد تعلق بالعشرة - أي بما يشمل الطمأنينة - انه ما دام الحكم واحداً والمتعلق يتردد أمره بين السعة والضيق والأقل والأكثر فسوف يصير المورد من الأقل والأكثر الارتباطيين ، وقد بنى (قده) على أن البراءة العقلية لا تجري لنفي وجوب الأكثر لنكتة أشار إليها في محلها المناسب ولا حاجة لذكرها الآن ولكن البراءة االنقلية تجري.

 وما دام قد سلم بجريان البراءة النقلية فنطبقها في المقام ونقول:- نحن نشك في تعلق الأمر بالمتعلق الوسيع فننفيه بحديث ( رفع عن أمتي ) ، وأما تعلقه بالأقل فهو جزمي وإنما الشك في تعلقه بما زاد فننفيه بالبراءة.

 إذن نحن لنا صيغتان في مقام المناقشة لما أفاده صاحب الكفاية(قده) ولعلهما ترجعان الى روح واحدة.

 فائدة جانبية:- قلنا ان المورد يصير من الأكثر والأقل الارتباطيين ، وهل يمكن أن يصير المورد من الأقل والأكثر الاستقلاليين ، ومتى ؟

 والجواب:- يصير كذلك إذا كان الحكم متعدداً ومنحلاً بعدد الأفراد كما في مثال ( لا تشرب الخمر ) أو ( لا تكذب ) فانه ينحل بعدد أفراد الكذب ، فإذا شككنا في مورد أن هذا الخبر كذب أو لا فسوف يصير المورد من الأقل والأكثر أيضاً ، فان كان هذا كذباً فالمتعلق سوف يصير وسيعاً وإذا لم يكن كذباً فالمتعلق سوف يصير ضيقاً ولكن هذا أقل وأكثر استقلالي لأن كل فرد له نهي خاص به ومتى ما تعددت النواهي أو الأوامر فالأقل والأكثر يكونان استقلاليين ، يعني امتثال أحدهما لا يتوقف على امتثال الثاني بل هو مستقل عنه ، اما إذا فرضنا أن الحكم كان واحداً فسوف يصير الأقل والأكثر ارتباطيين حتماً ، فان ضابط الاستقلاليين والارتباطيين هو وحدة التكليف وتعدده ، فمتى ما كان التكليف واحداً وشككنا في متعلقه بين السعة والضيق فالأقل والأكثر يكونان ارتباطيين ، ومتى ما كان التكليف متعدداً فالأقل والأكثر يكونان استقلاليين.

 وبما أن صاحب الكفاية(قده) ذكر في باب الصوم أن التكليف بالاجتناب واحد فالأقل والأكثر بلحاظ المتعلق سوف يكونان ارتباطيين فتجري البراءة النقلية للتأمين من الأمر بالزائد وان كانت البراءة العقلية لا تجري على مبناه.

 واتضح شيء آخر من خلال ما ذكرنا وهو:- انه عرفنا من خلال ما سبق أن البراءة تجري في الحالة الاولى ، يعني عند الشك في قيد التكليف ، وتجري في الصورة الثانية من الحالة الثانية ، يعني إذا كان الشك في مصداق المتعلق في باب الشبهة التحريمية ، فان الاتصاف قيد فإذا شك في الاتصاف فقد شك في فعلية التكليف فتجري البراءة ، انه في هذين الموردين تجري البراءة ، وربما سوف نذكر مورداً آخر ولكن الذي نريد قوله هو أنه قد اتضح لحد الآن هو انه في هذين الموردين تجري البراءة ، ويمكن أن نوحدهما وندخلهما تحت عنوان وضابط واحد.