الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الاصول
32/10/13
بسم الله الرحمن الرحیم
وبعد الاطلاع على الروايتين المذكورتين نعود الى بيان الاحتمالات في المقصود من المضمون المذكور ، وهي ستة:-
الاحتمال الأول:- أن يكون المقصود هو أن بلوغ الثواب إذا كان في باب المستحبات فهو حتى لو كان ضعيف السند إلا أنه في خصوص باب المستحبات يصير ما هو ضعيف السند حجة ، فالمقصود هو جعل الحجية للخبر الضعيف ولكن في خصوص باب المستحبات.
وهذا الاحتمال ربما ينسب الى المشهور وقد اختاره الشيخ النائيني[1] ولكنه لم يذكر وجهاً لاستقرابه.
وبناءاً عليه سوف نحصل على حكم أصولي وليس على حكم فقهي فرعي إذ نحصل على حجية الخبر الضعيف والحجية كما نعرف حكم أصولي ، وبناءاً على هذا سوف تتم قاعدة التسامح في أدلة السنن وتصير قاعدة تامة لو ثبت هذا الاحتمال وبالتالي سوف ينتفع الفقيه من الروايات المذكورة إذ هي تثبت له شيئاً مهماً وهو حجية الخبر الضعيف في باب المستحبات.
الاحتمال الثاني:- أن يكون المقصود منها جعل الشيء الذي بلغ الثواب عليه مستحباً بالعنوان الثانوي - أي بعنوان البلوغ فهو في ذاته ليس مستحبا ولكن لأجل البلوغ يصير مستحباً.
وبناءاً عليه سوف تصير النتيجة هي ثبوت حكم فرعي فقهي لا أصولي وتتم قاعد التسامح في أدلة السنن أيضاً لأنه بالتالي سوف يصير كل عمل بلغ عليه الثواب ولو بطريق ضعيف مستحباً غايته بالعنوان الثانوي ، كما يستفيد الفقيه أيضاً من أحاديث من بلغ لأنه سوف يثبت له حكم فقهي فرعي وهو استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب بطريق ضعيف .
نعم المناسب على الاحتمال الأول ذكر هذه القاعدة في باب حجية الخبر بينما على الاحتمال الثاني يكون المناسب ذكرها في باب آخر من قبيل ما صنعه العلمان الأنصاري والخراساني حيث ذكراها في ذيل مسألة أصل البراءة والاحتياط لمناسبة تقدمت الإشارة إليها.
وقد تبنى هذا الاحتمال الشيخ النائيني أيضاً في أجود التقريرات[2] .
الاحتمال الثالث:- أن يكون المقصود كالاحتمال الثاني - يعني جعل الاستحباب للعمل الذي بلغ عليه الثواب - غايته يكون الاستحباب ثابتاً للعمل بعنوانه الأولي وليس بعنوانه الثانوي ، وهذا هو الفارق بين هذا الاحتمال والاحتمال السابق ففي السابق كان يثبت الاستحباب لعنوان البلوغ وأما على هذا الاحتمال فالاستحباب ثابت لذات العمل وليس لحيثية البلوغ ، وقد اختار هذا الشيخ الخراساني في الكفاية.
الاحتمال الرابع:- أن يكون المقصود هو الإرشاد الى حكم العقل باستحقاق المنقاد للثواب فان العقل يحكم بأن المنقاد يستحق الثواب على خلاف المتجري فانه يستحق العقاب وهذه الروايات جاءت مؤكدة لهذا الحكم العقلي وان من بلغه ثواب على عمل وجاء به بسبب البلوغ فهو منقاد فيستحق الثواب من باب الانقياد.
وبناءاً عليه سوف لا تتم قاعدة التسامح في أدلة السنن إذ لا تريد الروايات جعل العمل مستحباً بالعنوان الثانوي أو الأولي ولا جعل الخبر الضعيف حجة حتى تثبت القاعدة وإنما تشر الى مطلب عقلائي وعقلي وهو أن المنقاد يستحق الثواب وبالتالي سوف لا يستفيد الفقيه شيئاً من أخبار من بلغ وهذا بخلافه على الاحتمالات الثلاثة الاولى ، وقد بنى على هذا الاحتمال الشيخ الأعظم في الرسائل وهكذا السيد الخوئي[3]
الاحتمال الخامس:- أن يكون المقصود هو الوعد من الله عز وجل وأنه يثيب الشخص الذي بلغه ثواب على عمل والله لا يخلف الميعاد.
فهي إذن مجرد وعد وأجنبية عن مسألة جعل الحجية للخبر الضعيف أو جعل العمل مستحباً بالعنوان الأولي أو الثانوي ، كلا ، وأيضاً لا يقصد الحث والدفع نحو العمل إذ لو كانت تحث نحو العمل لاستفيد الاستحباب وصار هذا الاحتمال راجعاً الى الاحتمال الثاني أو الثالث إذا بناءاً على هذا الاحتمال نفترض أن الروايات فقط وفقط تريد أن تقول أنا أعدك بالثواب ، نظير الشخص الكريم فانه إذا قلنا له قد بلغنا عنك أنك تقدم الهدايا فهو يجيب ويقول أنا لم أقل هكذا ولكن رغم ذلك مادام قد بلغكم هذا فانا أعطيكم ، وهذه خصلة وسلوك الجواد الكريم والله عز وجل هنا هذا غرضه أما أنه يجعل الخبر حجة أو يحث على العمل فكلا.
وبناءاً على هذا سوف لا يستفيد الفقيه من أخبار من بلغ شيئاً ، ولم نعرف شخصاً تبنى هذا الاحتمال ولكنه احتمال ثابت حقاً في هذه الرواية.
الاحتمال السادس:- أن يكون المقصود تأكيد محركية الأمر الاستحبابي الذي وصل الى المكلف بطريق معتبر ، فان المكلف قد يصله مثلاً خبر معتبر بأن في زيارة الحسين عليه السلام في النصف من شعبان كذا وكذا ثواب - وأأكد بطريق معتبر - ولكن المكلف قد يحتمل في نفسه خطأ الخبر وأن مضمونه ليس صحيحاً رغم وصوله عن طريق معتبر وربما لا يتحرك آنذاك لاحتمال خطأ الخبر فجاءت أخبار من بلغ لتعطي دفعاً للمكلف وتقول له انه حتى لو فرض أن الخبر المعتبر كان مضمونه خطأً ولكني أقدم لك ذلك الثواب ، فهي تقصد تحريك المكلف الذي وصله الخبر المعتبر الدال على الثواب.
وبناءا على هذا الاحتمال سوف لا يستفيد الفقيه شيئاً من أخبار من بلغ لأنها خاصة بمورد وجود الطريق المعتبر ، وإذا كان هناك طريق معتبر فهو حجة ولا نحتاج الى شيء آخر والفقيه إنما يستفيد منها لو فرض أنه لم يوجد طريق معتبر وجعلت الحجية للطريق الضعيف أو جعل الاستحباب للعمل الذي بلغ عليه الثواب بطريق ضعيف أما ما وصل استحبابه بطريق معتبر فيكفي الفقيه الطريق المعتبر ولا يحتاج الى شيء آخر.
إذن بعد عرض هذه الاحتمالات الستة نعرف أن الفقيه يستفيد من الاحتمالات الثلاثة الاولى وأما الثلاث الأخيرة فلا يستفيد منها.
وبعد ذلك نأتي الى الاحتمالات المذكورة ونتحدث عنها:-
الكلام عن الاحتمال الأول:- أعني جعل الحجية للخبر الضعيف ، فربما يذكر في توجيهه ما يلي:-
ان أخبار من بلغ تحث على العمل بما بلغ عليه الثواب والأخذ به وهذا معناه حجية البلوغ ، كما إذا فرض أن المولى حثنا على العمل بخبر الثقة وقال خذ بخبر الثقة واعمل على طبقه فإننا نستفيد من هذا اللسان أن خبر الثقة حجة والأمر في أخبار من بلغ هو ذلك فانها تحث على الأخذ بالبلوغ وعلى العمل الذي بلغ عليه الثواب وهذا حث على العمل بعنوان البلوغ - أي بعنوان الخبر الضعيف - أو اعملوا به وخذوا به فيصير نظير خذ بخبر الثقة فكما يستفاد من هذا حجية خبر الثقة كذلك يستفاد في مقامنا حجية الخبر الضعيف ولكن في خصوص باب المستحبات هذا ما قد يقال في توجيه الاحتمال المذكور.
وجوابه:- ان ما ذكر وجيه إذا لم يذكر في روايات من بلغ هذا الذيل وهو ( كان له ذلك الثواب وان كان النبي لم يقله ) أو ( وان كان الأمر ليس على ما بلغه ) ان هذا الذيل لا يتناسب مع إرادة جعل الحجية ، فأنت لا تقول خذ بخبر الثقة واعمل به حتى وان كان مخطئاً بل تسكت عن هذه التتمة وتقول ( خذ بخبر الثقة ) ولا تعر أهمية لاحتمال خطأه ، ولا تقول خذ به وان كان مخطئاً.
إذن هذا الاحتمال وجيه لولا هذه التتمة أما بعد فرض وجودها فسوف يكون بعيداً.
[1] فوائد الأصول 3 415.
[2] أجود التقريرات 2 208.
[3] مصباح الأصول 2 319.