الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الثالث ( خيار الشرط ) - الفصل الرابع ( الخيارات ).

وما هو الدليل على صحة وشرعية هذا الخيار بالمعنى الأول؟

أجاب الشيخ الأعظم(قده)[1] عن هذا التساؤل بقوله:- ( يدل على صحة خيار الشرط بهذا المعنى الأخبار العامة والخاصة، وذكر مثالاً للأخبار العامة وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم " المسلمون - المؤمنون - عند شروطهم "ولكنه لم يذكر مثالاً للأخبار الخاصة.

ولعله يمكن يتمسك ببعض الروايات لإثبات ذلك، ونذكر اثنين منها: -

الرواية الأولى: - ما رواه إسحاق بن عمّار، وهي واردة في القسم النحو الثاني من خيار الشرط - وهو بيع الخيار - فهي قد يتمسك بها لإثبات مطلوبنا، ولو قلت إنَّ هذه الرواية واردة في القسم الثاني ونحن نريد دليلاً على القسم الأول؟ قلنا: - إنه لا ضير في ذلك، وهي: - ( محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن إسحاق بن عمّار[2] قال:- حدثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام وسأله رجل وأنا عنده فقال:- رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال أبيك داري هذه وتكون لك أحبَّ إليَّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردَّ عليَّ، فقال:- لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردَّ عليه، قلت:- فإنه كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلَّة؟ فقال: - لغلّة للمشتري، ألا ترى أنها لو احترقت لكانت من ماله ) [3]

والكلام تارةً يقع من حيث الدلالة وأخرى من حيث السند: -

أما من حيث الدلالة: - فصحيح أنها واردة في النحو الثاني من خيار الشرط ولكن إذا صح النحو الثاني صح النحو الأول فإنهما من وادٍ واحد، بل يصح الأول بالأولوية، لأن النحو الثاني فيه مؤونة زائدة، لأنه في فترة السنة إذا أرجع البائع الثمن استرجع المثمن من المشتري، فهو مصداق لخيار الشرط ولكن مع مؤونة وإضافات، فإذاً إما أن نتمسك بالأولوية على صحة النحو الأول لأن النحو الثاني هو مصداق للنحو الأول، لأنَّه في النحو الثاني قد اشترط فيه البائع الخيار لنفسه وكذلك في النحو الأول أيضاً اشترط البائع لنفسه الخيار ولكن من دون ضمّ هذه الضمائم - كاسترجاع المبيع إذا استطاع البائع أن يرجع الثمن إلى المشتري خلال سنة الخيار، فإذاً لا موجب للتوقف.

أما من حيث السند: - فجميع أفراد السند ثقات حتى إسحاق فإنه موثق، ولكن إسحاق يقول ( حدثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام وسأله رجل وانا عنده ) فماذا يقصد من هذه العبارة؟ وقبل أن نجيب عن هذا نقول:- إنَّ الشيخ الصدوق(قده) نقل هذه الرواية بشكلٍ لا يعود معه مجال للإشكال حيث قال:- ( ورى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- سأله رجل وأنا عنده فقال:- رجل مسلم احتاج إلى ... ) ، [4] فهنا كان إسحاق بن عمّار موجوداً في مجلس الامام عليه السلام حينما سأله شخص واسحاق ينقل لنا هذ الحوار الذي حدث بين الامام عليه السلام وبين ذلك الشخص، وعليه فلا توجد مشكلة من هذه الناحية.

ولو قيل: - إنَّ الشخص الذي سأل الامام عليه السلام مجهول فكيف نعتمد عليه؟

قلنا: - إن إسحاق يقول أنا كنت حاضراً وسمعت السؤال والجواب، فلا يضر كون السائل مجهولاً.

وعليه فلا مكلة بناءً على نقل الشيخ الصدوق.

ولكن يمكن أن يقال: - قد نقلها الشيخ الطوسي والكليني بشكلٍ آخر، ولعل النقل الصحيح هو نقلهما دون نقل الصدوق، فعاد الاشكال كما هو، أما نقل الشيخ الطوسي فهو: - ( عن إسحاق بن عمار قال حدثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام وسأله رجل وأنا عنده ... ).

ولعل قائل يقول:- إنَّ هذا النقل جيد، لأنَّ الشيخ الطوسي ينقل بأنَّ إسحاق بن عمّار نقل له رجل بأن الامام عليه السلام أجاب هكذا، وفي نفس الوقت يقول إسحاق بن عمّار أنا كنت حاضراً في مجلس الامام عليه السلام وقد سأله رجل وأنا عنده فهذا الخبر قد وصلني بشكلين، الأول أنَّه حدثني رجل سأله رجل وأنا حاضر عنده، والثاني أنه قد حدّثني بهذا الحديث رجل آخر سمع من الامام عليه السلام هذا الحديث والجواب، فوصل لي مرةً من طريق نقل ذلك الناقل الذي سمع الامام عليه السلام، ومرة أخرى أنا كنت حاضراً في مجلس الامام وقد سأله رجل فأجابه الامام عليه السلام، وإذا كان الطريق الأول ليس بمعتبر باعتبار أنَّ ذلك الرجل الذي حدّث إسحاق مجهول ولعله غير ثقة لكن الطريق الثاني لا مشكلة فيه، لأنَّ إسحاق كان حاضراً عند سؤال ذلك الرجل من الامام عليه السلام، يعني أنَّ هذا الحديث بنصّ هذه الألفاظ قد صدر مرتين

ويردّه: - إنَّ صدور هذا الحديث مرتين بنفس الحروف والألفاظ بعيد جداً، ولك أن تقول إنَّ حرف الواو الموجود في عبارة ( وسأله رجل ) إما أن نقول هو زائد، أو نقول هو ثابت، فإن قلنا هو زائد فسوف تصير العبارة( حدثني من سمع أبا عبد الله سأله رجل وأنا عنده ) والذي يقول ( سأله رجل وأنا عنده ) هو ذلك الشخص الذي سمع المحاورة بين الامام والسائل وليس إسحاق، وهذا لا ينفعنا لأنَّ ذلك الرجل مجهول عندنا، وإذا فرض أنَّ الواو كانت موجودة فيلزم من ذلك تعدّد الواقعية، يعني أنَّ هذا الحديث صدر مرتين من قبل الامام عليه السلام بنصّ الألفاظ وهذا بعيد، نعم يمكن أن ينقل مرّة بذلك المضمون ومرة أخرى بهذا المضمون لا أنه ينقل بنفس الألفاظ.

فإذاً الرواية محل تأمل على نقل الشيخ الطوسي.

وأما الشيخ الكليني فقد نقل الحديث هكذا: - ( عن إسحاق بن عمّار قال:- أخبرني من سمع أبا عبد الله عليه السلام قال:- سأله رجل وأنا عنده ... )، وعلى هذا النقل يوجد شخصٌ واحد كان حاضراً في المجلس سمع من شخص يسأل الامام عليه السلام والامام أجابه وهو ينقل لنا السؤال والجواب، ومن الواضح أنَّ هذا النقل لا ينفعنا، لأنَّ الناقل مجهول.

فإذاً نقل الشيخ الطوسي يوجد فيه احتمالان وعلى أحد الاحتمالين لا ينفع، كما أنه يضر على الاحتمال الثاني لأنه يلزم تعدد الواقعة الواحدة بنفس الألفاظ، كما أنه على نقل الشيح الكليني لا تكون الرواية معتبرة أيضاً، وبالتالي سوف تصير هذه الرواية معتبرة عل نقل الشيخ الصدوق وغير معتبرة على النقلين الآخرين، وحيث لا مثبت لنقل الشيخ الصدوق أنه هو الصحيح في مقابل هذين النقلين فيكون التمسك بالرواية محل إشكال، إلا أن يحصل الاطمئنان بصحة نقل الشيخ الصدوق، ولكن هذه قضية وجدانية يختلف فيها البعض عن البعض الآخر.


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص118.
[2] وكل رواة السند من الثقات وسند الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد معتبر، كما نقلها المحمدون الثلاثة.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص19، أبواب الخیار، باب8، ح1، ط آل البيت.
[4] من لا يحضره الفقيه‌، الشيخ الصدوق‌، ج3، ص205.