الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/11/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 112 ) حكم طرو العيب على الحيوان بتفريطٍ من المشتري أو مع عدم تفريطه - الخيار الثاني ( خيار الحيوان )، الخيار الثالث ( خيار الشرط ) - الفصل الرابع ( الخيارات ).

وأما إذا تحقق الحدث بفعل المشتري: - فهذا يمنع من ردّ الحيوان ويكون هذا الحدث مضموناً على المشتري ويمنع من الرد بالخيار.

فإذاً لنا دعويان، الأولى إنَّ هذا الحدث الذي حدث بفعل المشتري مضمون على المشتري، والثانية إنه يمنع من الرد وإعمال الخيار.

أما كونه مضموناً على المشتري: - فذلك مقتضى القاعدة فإنَّ هذا الحدث قد تحقق بسبب المشتري فيكون ضمانه عليه.

ولو قلت: - توجد عندنا روايات كرواية ابن رباط وهي قد دلت على أنَّ الحدث لا يمنع من الرد لو كانت تامة سنداً.

قلنا: - إنَّ هذه الرواية منصرفة إلى حالة ما إذا حدث هذا الحدث من دون تفريط من المشتري، فإذاً الحدث مضمون على المشتري إذا كان هو السبب فيه بمقتضى القاعدة ولا يوجد دليل خارجي يمنع من ذلك فإنَّ الدليل كرواية ابن رباط منصرف عن حالة ما إذا صدر الحدث بفعل المشتري، وإذا كان الدليل هو الروايات التي جوّزت إعمال الخيار حتى لو حدث له حدث في فترة الخيار فتلك الروايات منصرفة أيضاً إلى حالة عدم تفريط المشتري.

وأما سقوط خيار المشتري فالوجه في ذلك واضح، فإن مستند الخيار هو الروايات التي دلت على أنه يحق للمشتري الخيار في الحيوان حتى وإن حدث فيه حدث، فلتك الروايات منصرفة إلى حالة ما إذا لم يكن الحدث بفعل المشتري، فإذا لم تشمل هذه الحالة نرجع إلى القاعدة وهي تقتضي عدم ثبوت الخيار فإنَّ ثبوت الخيار يحتاج إلى دليل، ومن هذه الروايات وراية عبد الرحمن ورواية ابن سنام، أما رواية عبد الرحمن فإنها قالت:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوماً أو يومين فماتت عنده وقد قطع الثمن على من يكون الضمان؟ فقال: - ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه )[1] ، يعني أن الجارية ماتت عنده في زمان الخيار من دون تفريط، فمادام حصل هذا الحدث في فترة الخيار يكون الضمان على البائع، ولكنها منصرفة عن حالة التعمّد، وأما رواية ابن سنان فقالت:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد والابة او يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ فقال: - على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصي المبيع للمشتري )، فواضح أنها منصرفة عن حالة التعمّد.

فإذاً لا يوجد دليل يدل على ثبوت الخيار في حالة تعمّد إحداث الحدث والعيب من قبل المشتري فإنَّ القاعدة تقتضي عدم ثبوت الخيار أما ثبوت الخيار فيحتاج إلى دليل.

 

الخيار الثالث: - خيار الشرط.

قال السيد الماتن: - ( الثالث خيار الشرط والمراد به الخيار المجعول باشتراطه في العقد إما لكل من المتعاقدين أو لأحدهما بعينه أو لأجنبي ).

وحينما قال السيد الماتن في عبارة المتن ( والمراد به ) يشير إلى وجود احتمالاتٍ أخرى في المراد من خيار الشرط، فإنَّ خيار الشرط يستعمل في معانٍ ثلاث:-

الأول: - هو ما يقصد في عبارة المتن المتقدمة، يعني أن يشترط أحد المتعاقدين في العقد شرط الخيار فيقول للبائع أشتري منك هذه السيارة مثلاً على أن يكون لي الخيار لمدة شهر مثلاً، فيثبت الخيار للمشتري بسبب اشتراطه الخيار في متن العقد، فيتمكن أن يرجعها إلى البائع، فإذا أرجعها إلى البائع في فترة الخيار لزم أن يقبل البائع بذلك ولا يحق له الرفض، لأنَّ المشتري قد اشترط عليه ذلك، وهذا هو المقصود في محل كلامنا.

الثاني:- هو مصداق للمعنى الأول لا نفسه ولا مغايراً له، وهذا ما يصطلح عليه ببيع الخيار، كما لو كان الشخص يملك داراً واحتاج إلى بيعها، فيتمكن أن يقول للمشتري بعتك داري بكذا على أن يكون لي الخيار في ردّ الثمن إلى سنة مثلاً، فهذا الخيار الذي ثبت للمشتري أيضاً هو خيار شرط ولكن بهذا الشكل، ويصطلح عليه عنه الفقهاء ببيع الخيار، أو يصطلح عليه البيع أو الخيار بشرط ردّ الثمن، وهذا مصداقٌ لخيار الشرط، فهو خيارُ شرطٍ ولكنه بهذا النحو وليس معنىً جديداً يغاير المعنى الأول لخيار الشرط وإنما هو مصداقٌ له، وتوجد روايات تدل على صحته.

الثالث: - أن يشترط المشتري على البائع بأن يشتري منه الدار بشرط أن يكون سند الطابو سالماً ولا يوجد فيه شبهة الغصب أو الوقفية مثلاً، فإذا وجد فيه شبهة الغصب أو الوقف مثلاً فللمشتري أن يرجع المبيع ويبطل العقد لحصول خيار تخلّف الشرط، أو يقول المشتري للبائع اشتري منك هذه الدار بشرط تزويجي من بنتك مثلاً فإذا لم ينفذ البائع الشرط فللمشتري خيار الفسخ، أو ما شاكل ذلك من الأمثلة.

والمعنى الأوّل لهذا الخيار هو الذي يقصده السيد الماتن(قده) في المنهاج حيث قال :- ( والمراد به[2] المجعول باشتراطه في العقد إما لكل من المتعاقدين أو لأحدهما بعينه أو لشخص ثالث )، وقد أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) حيث قال:- ( الثالث يعني من الخيارات خيار الشرط أعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد ولا خلاف في صحة هذا الشرط )[3]

أما المعنى الثاني الذي هو بيع الخيار فقد أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) بقوله:- ( مسألة:- من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه ويقال له بيع الخيار هو جائز عدنا كما في التذكرة وعن غيرها ... ) [4] وذكر له أربع روايات.

كما تعرض له السيد الماتن في مسألة ( 116 )، وأما الثالث فقد أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في أحكام الشرط حيث قال:- ( ولا إشكال في أنه لا حكم للقسم الأول إلا الخيار مع تبين فقد الوصف المشروط[5] ، كما أشار اليه السيد الماتن في المنهاج في مسألة ( 167 ) ومسألة ( 168 ).


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص14، أبواب الخيار، باب5، ح1، ط آل البيت.
[2] فهو بتعبيره ( والمراد به أن يحترز به عن الخيارين الأخيرين.
[3] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص111.
[4] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص127.
[5] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج6، ص59.