الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/11/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 109 ) ثبوت خيار الحيوان للبائع أيضاً إذا كان الثمن حيواناً، مسألة ( 110 ) اختصاص خيار الحيوان بالبيع دون غيره من المعاملات، مسألة ( 111 ) تلف الحيوان في فترة الخيار من مال بائعه - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ).

مسألة ( 109 ):- يثبت هذا الخيار للبائع أيضاً إذا كان الثمن حيواناً.

..........................................................................................................

مضمون المسألة واضح، وهو أنه يمكن أن يقال إنَّ خيار الحيوان ليس مختصاً بالمشتري بل يثبت للبائع أيضاً إذا كان الثمن حيواناً، فلو كان الثمن حيواناً والمثمن حيواناً ثبت خيار الحيوان للمشتري والبائع معاً.

وكان من المناسب ذكر هذه المسألة متصلةً بالمتن السابق، حيث تقدم من السيد الماتن الخيار الثاني هو خيار الحيوان حيث قال: - ( الثاني من الخيارات خيار الحيوان:- كل من اشترى حيواناً إنساناً كان أو غيره ثبت له الخيار ثلاثة أيام ...... ) ولكن هذا كله فيما إذا فرض أنَّ المبيع كان حيواناً واشتراه المشتري، ولم يتعرض لحكم البائع وهل يثبت له خيار الحيوان إذا كان الثمن حيواناً أو لا، ثم ذكر مسألة ( 108 ) وقال فيها:- ( يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد كما يسقط بإسقاطه بعده وبالتصرف و.... )، يعني أنَّ المسألة التي ذكرها بعد المتن المذكور ترتبط بالمسقطات، ثم جاء إلى مسألة ( 109 ) وذكر فيها أنَّ خيار الحيوان يثبت للبائع أيضاً إذا كان الثمن حيواناً، وكان من المناسب ذكر هذه المسألة متصلةً بعد المتن الأول وقبل أن يذكر المسألة ( 108 )، فكان عليه أن يذكر أنَّ خيار الحيوان يثبت للبائع أيضاً قبل أن يذكر مسقطات خيار الحيوان لا أنه يؤجله بعد المسقطات.

والدليل على ثبوت خيار الحيوان للبائع وجهان: -

الوجه الأول: - الرواية التي تمسك بها صاحب المسالك، فإنه كان يرى أنَّ خيار الحيوان يثبت للمشتري والبائع معاً، وهي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- البيّعان بالخيار ما لم يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام ) ، [1] فقوله عليه السلام ( وصاحب الحيوان ) ينطبق على المشتري إذا كان المبيع حيواناً، وكذلك ينطبق على البائع إذا كان الثمن حيواناً، فينطبق على الاثنين معاً، فهذه الرواية من الوجيه التمسك بها لإثبات كون الخيار ثابت للاثنين معاً، كما توجد رواية منافية لها.

وقد يقول قائل: - إنَّ الروايات الأخرى صرحت بثبوت الخيار للمشتري فقط، فتكون معارضة ومنافية لهذه الصحيحة؟

قلنا: - إنَّ تلك الروايات ذكرت خصوص المشتري من باب أنَّ الطابع العام والغالب هو أنَّ الحيوان يكون مبيعاً وليس ثمناً، وهذا لا ينافي مجيء رواية أخرى تقول ( وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام ) والذي هو يشمل الاثنين معاً، فلا منافاة في البين.

الوجه الثاني: - أن يقال إنه حتى لو لم تكن لدينا رواية ولكن رغم ذلك يمكن للفقيه أن يثبت خيار الحيوان للبائع، فإنَّ نفس روايات ثبوت الخيار للمشتري يمكن الاستعانة بها لإثبات الخيار للبائع إذا كان الثمن حيواناً، والنكتة في ثبوته للبائع هو ما استفدناه من الروايات، فإنها قالت ( نَظِرَة ثلاثة أيام ) يعني حتى ينظر المشتري في المبيع الذي اشتراه ثلاثة أيام وأنه هل يوجد فيه عيبٌ أو لا، فإذا كانت هذه هي النكتة وليست القضية تعبّدية محضة بل لأجل الاطلاع على عيوب الحيوان فهذه النكتة بنفسها تأتي أيضاً فيما إذا كان الثمن حيواناً أيضاً.

فإذاً لا فرق بين أن يكون المثمن حيواناً فيكون الخيار للمشتري، وبين أن يكون الثمن حيواناً فيكون الخيار للبائع، فإنَّ النكتة والملاك الذي لأجله ثبت خيار الحيوان للمشتري يمكن أن يكون بنفسه ثابت للبائع.

إن قلت: - لماذا لم تنبه الروايات على ذلك بالصراحة، فكما ذكرت المشتري بالصراحة لابد أن تذكر البائع بالصراحة أيضاً؟

قلت: - نادراً ما يكون الثمن حيواناً، فعادةً يكون الحيوان مثمناً فالروايات إنما لم تتعرض إلى هذه الحالة بشكلٍ صريح لأجل ندرة الابتلاء بذلك.

 

مسألة ( 110 ):- يختص هذا الخيار بالبيع ولا يثبت في غيره من المعاوضات.

..........................................................................................................

المقصود من هذه المسألة واضح وهو أنَّ خيار الحيوان يختص بباب البيع فقط، وقد اتفقت كلمة الأصحاب على ذلك، ولا توجد رواية تصرح بذلك وإنما الوجه في ذلك: -

أولاً:- إنَّ الروايات عبرّت بكلمة البيع والبيّع والمتبايعان والمشتقات من كلة البيع، فمثلاً قالت ( البيّعان بالخيار في الحيوان ) والبيّعان من البيع، ولم يرد في الروايات ( المتعاملان ) أو ( المتعاقدان ) حتى يعم كل معاملة وكل عقد على الحيوان وإنما الوارد فقط في باب البيع، فإذا كانت الروايات مختصة بعنوان البيّع والمتبايعين فالزيادة على ذلك لا مثبت لها، يعني جريان الحيوان في غير البيع كالاجارة وما شاكل ذلك لا مثبت له ويتمسك آنذاك بأصالة اللزوم في هذه المعاملات فإنَّ الأصل هو الزوم وثبوت الخيار هو الذي يحتاج إلى دليل، وأقصى ما ثبت هو أنَّ خيار الحيوان ثابت في باب البيع فقط أما ما سوى ذلك فهو الذي يحتاج إلى دليل، وحيث لا دليل فيتمسك بأصالة اللزوم.

ونحن نحتاج إلى أصالة اللزوم لإثبات ما نقول، لأنَّ من دونها أقصى ما يثبت أنه لا يوجد مثبت لثبوت خيار الحيوان في غير البيع، فلا يمكن للفقيه أن يجزم بعدم ثبوت خيار الحيوان في غير البيع، بل أقصى ما هناك ثوبته في دائرةٍ خاصةٍ وهي باب البيع، ولكن هذا لا ينافي أن يقال بثبوته في دائرة ثانية غير البيع، ولا أقل يصير توقف وإشكال من هذه الناحية، ولكن إذا كانت أصالة اللزوم موجودة فإنَّ الأصل في العقود هو اللزوم إلا ما خرج بالدليل، فبعد وجود أصالة اللزوم ننفي بشكلٍ جزمي ثبوت خيار الحيوان في غير البيع، إذ المثبت لخيار الحيوان في باب البيع هو الروايات، أما فيما سوى ذلك فلا مثبت للخيار فنتمسك بأصالة اللزوم.

الثاني: - عدم الخلاف في المسألة، حيث لم ينقل خلاف من فقيهٍ فيها حتى سلار وابن الجنيد وغيرهما، وعدم نقل الخلاف ونقل الاتفاق يورث للفقيه الاطمئنان - في بعض المسائل الابتلائية كموردنا - بثبوت خيار الحيوان في البيع فقط دون غيره.

 

مسألة ( 111 ):- إذا تلف الحيوان قبل القبض أو بعده في مدّة الخيار كان تلفه من مال البائع ورجع المشتري عليه بالثمن إذا كان دفعه إليه.

..........................................................................................................

مضمون المسألة واضح حيث تقول إذا تلف الحيوان عند المشتري في فترة خيار الثلاثة أيام رجع به على البائع.

وهذا الحكم غير الحكم الأساسي السابق، فإنَّ الحكم الأساسي الذي بحثناه سابقاً هو أنَّ خيار الحيوان ثلاثة أيام ثابت للمشتري، يعني يتمكن المشتري أن يُعمِل الخيار ويفسخ ويرجع الحيوان إلى بائعه، أما في هذه المسألة نفترض أنه في اليوم الثاني من وجد المشتري الحيوان ميتاً فهنا ينفسخ العقد بشكل قهري ويتمكن المشتري أن يأخذ الثمن، فإذاً هذه المسألة لا ربط لها بالمسألة السابقة.

والدليل على ذلك عدّة روايات نذكر منها روايتين: -

الرواية الأولى: - محمد بن يعقوب عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحدٍ عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى أمة بشرطٍ من رجل يوماً أو يومين فماتت عنده وقد قطع الثمن على من يكون الضمان ؟ فقال:- ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه )[2] ، ودلالتها واضحة، فإنه اشترى أمةً وهي حيوان - وقد قلنا إن المقصود من الحيوان هنا ما يعم الصامت والناطق - فإنَّ الامام عليه السلام قال:- ( ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه )، فدلالتها واضحة جداً، فمادام قد ماتت الجارية في زمن الخيار فالضمان يكون على البائع، أي أنَّ العقد ينفسخ ويكون الضمان على البائع.

ويوجد إشكال في دلالتها: - وهو أنه لعل المقصود من الخيار في هذه الرواية ليس خيار الحيوان، لأنَّ الرواية لم تصرّح بأنه خيار الحيوان وإنما صرّحت بأنه ( اشترط الخيار ) يعني كان عند المشتري خيارُ شرطٍ وليس خيار حيوان، فلعل هذا من خصوصيات خيار الشرط.

ولكن نقول: - إنَّ هذا الاشكال لا بأس به، وعليه ثبت أنَّ خيار الشرط فيه هذه الخصوصية، وهي أنه لو تلف الحيوان في فترة خيار الشرط يكون ضمانه على البائع، ولكن توجد رواية ثانية - وهي الرواية الآتية - تصرّح بثبوت خيار الحيوان، وعليه فسوف تصير النتيجة هي أنه توجد خصوصية لخيارين من بين الخيارات وهما خيار الشرط وخيار الحيوان، فإذا مات المبيع في فترة الخيار شرطاً كان أو حيواناً ثبت الضمان على البائع وينفسخ العقد بشكلٍ قهري.

الرواية الثانية: - ما رواه الكليني عن عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن ابن سنان يعني عبد الله قال: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد والدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ فقال:- على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري )[3] ، وهذه الرواية ناظرة إلى خيار الحيوان، لأنَّ الامام عليه السلام جعل المدار على الثلاثة أيام رغم أنَّ الذي اشترطه المشتري يوماً أو يومين وليس ثلاثة أيام ، فيدل ذلك على أنَّ هذه الرواية ناظرة إلى خيار الحيوان.

فإذاً هذه الرواية ناظرة إلى خيار الحيوان والرواية الأولى ناظرة إلى خيار الشرط وآنذاك تثبت خصوصية لهذين الخيارين وهو أنَّ تلف المبيع في فترة هذين الخيارين يكون على البائع وينفسخ العقد بشكلٍ قهري.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص5، أبواب الخیار، باب1، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص14، أبواب الخیار، باب5، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص14، أبواب الخیار، باب5، ح2، ط آل البيت..