الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (108 ) مسقطات خيار الحيوان - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ).

قضية جانبية:- تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى قضية جانبية دخل فيها وهو يعيش الترد وخرج منها كذلك، ولا بأس أن نذكرها، وحاصل ما ذكره[1] إنه ورد في معتبرة ابن رئاب:- ( فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيام فذلك رضاً منه ولا خيار ) ، يعني فإن أحدث المشتري حدثاً فيما اشترى فذلك رضاً منه فلا شرط، وهنا توجد جملة شرطية وهي ( فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً ) فهذه الجملة تشتمل على فعل الشرط، وجواب الشرط هو ( فلا شرط ) يعني فلا خيار، ولكن جملة ( فذلك رضاً منه ) موجودة قبل جملة ( فلا خيار ) فما هو الموقف تجاهها؟ يمكن أن يقال: - هي مقدّمة وتمهيد إلى جواب الشرط. هذه صورة اجمالية عن هذه الجملة.

ثم أخذ الشيخ الأعظم(قده) بذكر الاحتمالات الأربعة في هذه الجملة: -

الاحتمال الأول: - أن يكون الجواب للشرط هو ( فذلك رضاً منه فلا شرط ) ولكن بنحو التعبّدية، يعني أنَّ الشارع يعبدنا ويقول إذا تصرفت في الحيوان أو أحدثت حدثاً فأنا الشرع أعدّ هذا الحدث رضاً منك بالبيع وبالتالي لا خيار، وبناءً على هذا الاحتمال سوف تصير النتيجة هي أنَّ كل حدثٍ وكل تصرفٍ يكون مسقطاً للخيار، فحتى لو قال المشتري أنا لم أقصد بذلك الرضا فهذا لا يقبل منه لأنَّ الشارع قد حكم تعبّداً بأنَّ ما صدر منه هو رضاً ومسقطٌ للخيار.

الاحتمال الثاني: - إنَّ الشرط باقٍ على حاله كما في الاحتمال الأول ولكن الجواب هو ( فلا شرط ) يعني فلا خيار، وأما قوله عليه السلام قبل الجواب ( فذلك رضاً منه ) هو بيان لحكمة سقوط الخيار، فإنَّ الحكمة لسقوط الخيار هي الدلالة النوعية على الرضا، لأنَّ الحدث هو غالباً يدل على الرضا، وهذا حكمة لسقوط الخيار، فهنا توجد غلبة على أنَّ التصرف يدل على الرضا وإن لم نعلم بكونه يدل على الرضا في الموارد الأخرى، وعلى هذا الاحتمال سوف تصير النتيجة هي سقوط الخيار دائماً، لأنَّ هذه الدلالة النوعية ثابتة في كل الموارد، فصحيح أنَّ الدلالة الشخصية قد لا توجد في موردٍ وآخر ولكن الدلالة النوعية ثباتة، فالمشتري حينما تصرّف في الحيوان الذي اشتراه تصرّفاً فقد لا يوجد مثبت لكونه قصد به إسقاط الخيار والرضا ولكن مع ذلك نقول قد سقط خياره فإنَّ الرضا قد أخذ بنحو الحكمة لا بنحو العلَّة، وسقوط الخيار يدور مدار العلَّة ولا يدور مدار الحكمة، فحتى لو لم يكن هنا رضاً فلا نقبل منه ذلك لأنَّ هذا حكمة وليس علّة، فيسقط الخيار.

فإذاً الخيار ساقط على كلا الاحتمالين وإن لم تثبت الدلالة الفعلية للحدث والتصرّف على رضا المشتري المتصرِّف.

فإذاً على الاحتمال الأول يسقط الخيار من باب التعبّد الشرعي، وعلى الاحتمال الثاني يسقط الخيار من باب أنَّ الدلالة على الرضا قد أخذت بنحو الحكمة ولم تؤخذ بنحو العلَّة حتى يدور الحكم مدارها، فالعامل المشترك بين هذين الاحتمالين هو أنه يسقط الخيار بكلّ حدثٍ وبكلّ تصرّفٍ حتى وإن صرّح المتصرِّف بأنه لم يقصد اسقاط الخيار.

الاحتمال الثالث: - أن يكون الجزاء هو ( فلا شرط ) ونأخذ جملة ( فذلك رضاً منه ) علّة لسقوط الخيار وليس حكمة ولكن يفترض أنَّ الدلالة النوعية هي العلّة لا الدلالة الشخصية في خصوص هذا المورد أو ذاك، والدلالة النوعية متوفرة دائماً، فيسقط الخيار دائماً.

فإذاً اشتركت الاحتمالات الثلاثة في سقوط الخيار بالتصرّف والحدث وإن لم يكن الرضا الفعلي موجوداً من المتصرِّف.

الاحتمال الرابع: - أن يكون قوله عليه السلام ( فذلك رضاً منه ) مأخوذ بنحو العلّية لا بنحو الحكمة والمقصود هو الرضا الشخصي لا النوعي، وعليه فسوف تصير النتيجة هي أنه متى ما كان هناك رضاً شخصياً سقط الخيار، وأما إذا لم يكن هناك رضاً شخصياً فلا يسقط الخيار، لأنَّ الرضا قد أخذ بنحو العلّية وكذلك أخذ بنحو الرضا الشخصي.

ثم قال: - وأظهر الاحتمالات الرابع، ولم يبين وجه الأظهرية، ولكن نقول إنَّ ذلك من باب أنَّ العناوين والأوصاف دائماً يفهم منها أنَّ المدار على الوجود الشخصي للوصف لا على الوجود النوعي، فحينما نقول ( إذا جاءك عالم فأكرم ) فنحن نفهم مجيء العالم بالفعل لا أنه كان عالماً أو سوف يصير عالماً، فدائماً كل وصفٍ يؤخذ فهو يؤخذ على نحو الوجود الشخصي، فتعبير ( فذلك رضاً منه ) نحملها على الرضا الشخصي لا النوعي، كما أنَّ الحمل على العلّية واضح باعتبار أنَّ ظاهر التعليل دائماً هو العلّية دون الحكمة فإنَّ الحمل على الحكمة يحتاج إلى قرينة، وهذا استظهار عرفي نساعد به الشيخ الأعظم(قده)، فإذاً أظهر الاحتمالات هو الاحتمال الرابع وبالتالي يصير المدار على أن يكون التصرف دالاً دلالةً شخصيةً وبالفعل على إسقاط الخيار ولا تكفي الدلالة النوعية، فإذا ثبت أنه لا يوجد عنده رضاً للسببٍ وآخر كما لو عرفنا أنه لا يكذب أو استصحبنا عدم وجود الرضا الشخصي فإنه قبل اجراء المعاملة لم يكن عنده رضاً شخصياً فنشك هل حدث عنده الرضا بعد العقد أولا فنستصحب عدم وجوده، وإن لم نقبل ب بالاحتمال الرابع فالمدار على الاحتمال الثالث، وسوف تكون النتيجة مختلفة، فعلى الاحتمال الرابع لابد من وجود الرضا الشخصي حتى يسقط الخيار، بينما على الاحتمال الثالث يسقط الخيار دائماً لأننا حملنا قوله عليه السلام ( فذلك رضاً منه ) على العلّية والمدار على الرضا النوعي، والرضا النوعي ثابتٌ دائماً فحينئذٍ يسقط الخيار دائماً، وهذا فارقٌ كبير بين الاحتمالين.

ولكن تبقى مشكلة: - وهو مشكلة الأمثلة، فإنَّ الأمثلة التي ذكرت لا توجد في بعضها دلالة فعلية على الرضا، فمثلاً على الاحتمال الرابع المدار على الرضا الفعلي وهذا المشتري حينما نظر إلى ما يحرم من الجارية فهذا الفعل لا توجد فيه دلالة على الرضا وإنما لعلَّه نظر إليها ليعرف بعض الأمور، فإذاً الأمثلة قد تعارض استظهار الاحتمال الرابع أو غيره.

ثم أنهى الشيخ الأعظم(قده) الموضوع بالتردد والاشكال.


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص101.