الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/11/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (108 ) مسقطات خيار الحيوان - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ).

وهذه الأمثلة التي ذكرت في الروايات أثارت إشكالاً: - وهو أنَّ مثل هذه التصرفات كيف يسقط بها الخيار والحال أنها لازم أعم؟

وفي هذا المجال نقول: - أولاً نذكر ما تقتضيه القاعدة، وثانياً نلاحظ ما دلت عليه الروايات.

أما القاعدة: - فهي تقتضي أنَّ كل تصرّف يدل عرفاً على الرضا بالعقد وإسقاط الخيار فالمناسب كفايته، لأنَّ الرضا بالعقد عبارة أخرى عن إسقاط الخيار وإرادة اللزوم.

إن قلت: - إنه قد يتحقق تصرفٌ ولكن لا يقصد به المشتري الرضا بالعقد وإسقاط الخيار، وربما ينعكس الأمر فالمشتري يقصد به إسقاط الخيار ولزوم العقد ولكن لا توجد دلالة عرفية في هذا التصرف، فإذاً لا ملازمة بين الطرفين، فكيف نتغلب على هذا الاشكال؟

قلت:- إنَّ المدار ليس على عالم الثبوت بل على عالم الاثبات، بمعنى أنه لا يهمنا عالم الثبوت وأنه واقعاً قصد الطرف بهذا الفعل الفسخ أو لا، فنحن لسنا مكلفين بلحاظ عالم الثبوت فإنَّ عالم الثبوت لا يعرفه إلا الله عزَّ وجل، وإنما المدار في حساباتنا على عالم الاثبات - أي عالم الدلالة - فإذا كان في الفعل دلالة على الرضا بالعقد وإسقاط الخيار كفى ذلك، بل حتى لو قال المشتري بعد ذلك إني لم أقصد بهذا الفعل الفسخ فهذا لا يقبل منه لأنَّ المدار على كون الفعل فيه دلالة عرفية على إسقاط الخيار والرضا بالعقد، وكأنه بفعله هذا قد قال إني رضيت بالعقد واسقطت الخيار، وهذا يكفي، ولا يهمنا أنه تريد اسقاط الخيار جداً أو لا تريده وإنما نحن مكلفون بلحاظ عالم الاثبات.

ونحن نحكم بأنَّ هذا المقدار يكفي في إسقاط الخيار من دون حاجة إلى رواية مادام في الفعل دلالة عرفية على الرضا بالعقد وإسقاط الخيار.

وإنما المشكلة هي أنَّ بعض الروايات ذكرت بعض الأمثلة التي يصعب دلالتها عرفاً على الرضا بالعقد، حيث ذكرت مثال النظر إلى ما لا يحل من الحارية ولمسّها وقالت إنَّ هذا يكفي لسقوط الخيار، وقد قلنا إنَّ هذا الفعل ليس فيه دلالة عرفية على الرضا بالعقد بل لعله يريد أن يفهم عيوبها وسائر الأمور فكيف نتغلّب على هذا الاشكال؟

قال السيد الخوئي:- إنَّ الروايات عبّرت بالحدث والحدث ليس هو كل تصرف وإنما هو حصة خاصة من التصرف التي تكون ملازمة للرضا بالعقد، فانحل الاشكال، قال:- ( كل فعلٍ صدق عليه أنه حدث أي زيادة على خلقته الأصلية أو نقيصة عنها فلا محالة يوجب سقوط الخيار مطلقاً صدر عن القصد والاختيار أو عن الجهل والغفلة ). [1]

وقد ذكرنا أنَّ بعض الأمثلة المذكورة في الروايات ليست من هذا القبيل، كما في النظر إلى ما لا يحل من الجارية، وهذا ليس زيادةً أو نقيصة في الخلقة، فإذا الاشكال باقٍ على حاله.

وقريب من ذلك ذكر السيد الخميني(قده):- حيث ذكر أنَّ الحدث يغاير التصرف، قال ما مضمونه:- ( فإن التصرف إذا كان موجباً لتغيير في العين كأخذ الحافر والنعل والصبغ فهو حدث وربما لا يكون كذلك كالركوب والسقي والاستخدام وإعطاء العلف فهو تصرف بالمعنى العام وليس حدثاً ) [2]

فإذاً هو جعل الحدث حصَّةً خاصة من التصرف، وهكذا صنع السيد الخوئي(قده).

ونحن نشكل على كلا العلمين ونقول: - إنَّ بعض الأمثلة المذكورة في الروايات للتصرف كالنظر واللمس لا توجب زيادة ولا نقيصة في الخلقة، فكل ما ذكروه من الضابط لا ينطبق على ذلك، فإذاً الاشكال باقٍ على حاله، وفما هو الجواب؟

وفي هذا المجال يمكن أن يقال:- نحن نقسّم الأفعال إلى قسمين، أفعالٌ تدل على الرضا بالبيع، كما إذا اقترب من الجارية أو ما شاكل ذلك من التصرفات الشبيهة بذلك، فهذه التصرفات تكون مسقطة للخيار بمقتضى القاعدة قبل أن نحتاج إلى الرواية، والرواية تدعم ذلك في هذه المساحة، وهناك نحو آخر من التصرفات والأفعال ذكرتها الروايات وهي ليست مسقطة للخيار على طبق القاعدة، فلو خلينا نحن والقاعدة فهذه الأفعال ليست فيها دلالة على الرضا بالعقد وليس فيها تغيير في العين ولا غير ذلك، ومثل هذه الأفعال نقول بمسقطيتها تعبّداً باعتبار أنَّ الروايات قد ذكرتها، وبهذا تصير مسقطية الأفعال على نحوين، مسقطية على طبق القاعدة، ومسقطية تعبدية، والمسقطية على طبق القاعدة هي كلّ فعل فيه دلالة على الرضا بالعقد ولزومه والروايا أيضاً تدعم ذلك، والقسم الآخر من التصرفات هو ما لا يكون له تلك الدلالة عرفاً على الرضا بالقعد وإسقاط الخيار ولكن لأجل أنَّ الروايات قد أشارت إليها وذكرتها بالخصوص فنلتزم بها بعناوينها الخاصّة ولا نتجاوز عنها، فنلتزم بكونها مسقطة من باب التعبّد، وربما يقصد العلمان في عبارتيهما السابقتين هذا المعنى، وبناءً على هذا تحتاج عبارة المتن إلى اصلاح، فلابد أن نضيف إليها إضافة فنقول:- ( يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد كما يسقط بإسقاطه بعده وبالتصرف في الحيوان تصرفاً يدل على إمضاء العقد واختار عدم الفسخ بل يكفي بعض التصرفات وإن لم تكن دالة على ذلك كلمس الجارية وركوب الدابة فراسخ و... ) فنذكر ذلك من باب التعبّد والاستفادة من النص.

ولعل السيد الشهيد(قده) يقصد هذا المعنى في تعليقته على المنهاج، حيث علّق على قول السيد الماتن حينما قال يسقط الخيار بالتصرف، فالسيد الشهيد قيد وقال: - ( يصدق عليه أنه أحدث بالحيوان حدثاً وإذا كان المباع جاريةً اعتبر النظر إلى ما كان يحرم عليه واللمس بحكم الحدث شرعاً )، فلعله يقصد أنّه مادامت قد أشارت النصوص إلى هذه الأفعال فالمسقطية سوف تكون تعبّدية.


[1] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، السيد أبوالقاسم - الشيخ ميرزا علي الغروي، ج3، ص174.
[2] كتاب البيع‌، الخميني، السيد روح الله، ج4، ص293.