الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/11/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (108 ) مسقطات خيار الحيوان - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ).

مسألة ( 108 ):- يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد، كما يسقط بإسقاطه بعده، وبالتصرف في الحيوان تصرفاً يدل على إمضاء العقد واختيار عدم الفسخ.

..........................................................................................................

تتعرض هذه المسألة إلى مسقطات خيار الحيوان، وهي ثلاثة، الأول اشتراط سقوطه في متن العقد، والثاني اشتراط اسقاطه بعد العقد، وهذان المسقطان قد تقدّما في خيار المجلس في مسألة ( 107 ) حيث عقدت تلك المسألة لمسقطات خيار المجلس وأحدها كان اشتراط سقوطه في متن العقد والثاني كان هو اشتراط إسقاطه بعد العقد، وقد تحدثنا عن ذلك بشكل ٍمفصّل، ولا يوجد فرق في البحث بين خيار الحيوان وخيار المجلس من هذه الناحية، فما قيل هناك يأتي هنا أيضاً فلذلك نترك التعرّض إلى المسقطين الأوّلين لتقدّم الحديث عنهما.

ويقع الكلام في المسقط الثالث وهو التصرف أو الحدث الذي يدل على الرضا بالبيع وعدم الفسخ: - كما لو فرض أنَّ المشتري اشترى حيواناً فذبحه فهذا إحداثُ حدثٍ يدل على الرضا بالبيع فيسقط الخيار، وسيأتي الحديث عن مستنداته بعد قليل.

وهناك سؤال يطرح في هذه المسألة: - وهو أننا عرفنا أنَّ إسقاط خيار الحيوان جائز بعد العقد، وهذا واضح أنه حق صاحب الخيار وقد أسقطه، ولكن أحياناً صاحب الخيار لا يسقط خيار الحيوان بالكامل وإنما يسقطه بلحاظ اليوم الأول أو بلحاظ اليوم الثالث أو بشكل آخر، فالمهم انه لا يسقط خيار الحيوان بشكل كامل فهذا يجوز أو لا؟

مرَّ الشيخ الأعظم(قده) على هذا الحكم مروراً عابراً، قال: - ( ولو شرط سقوط بعضه كإسقاطه في اليوم الأول فقد صرّح بعضٌ بالصحة، ولا بأس به )، ولم يذكر توجيهه الفني.

وذكر السيد الخوئي(قده) ما يقارب ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) فقال:- ( وأما إسقاط بعض الخيار كإسقاطه في اليوم الأول فهو جائز لأنَّ حق الخيار ينحل إلى خيارات متعددة بحسب آنات الزمان )[1]

ولكن وإن كان كلام السيد الخوئي(قده) أحسن مما صنعه الشيخ الأعظم(قده)، لأنَّ السيد الخوئي(قده) ذكر توجيهاً لهذا الحكم، ولكن هذا التوجيه ناقص، فكون الخيار متعدداً هو مجرد دعوى تحتاج إلى مثبتٍ ونكتةٍ كالاستفادة من الروايات بأنَّ الخيار متعدد.

وذكر الشيخ الخراساني(قده) أنَّ إسقاط بعض خيار الحيوان ليس بجائز لأنه إذا أسقط بعضه، كما لو أسقط الخيار في اليوم الثاني مثلاً فسوف ينفصل الخيار في اليوم الأول عن الخيار في اليوم الثالث وهذا لازم تعدد الخيار والحال أنَّ خيار الحيوان واحد، قال: - ( نعم لا يصح اشتراط إسقاطه في اليوم الثاني وحده لاستلزامه تعدد الحق لتحقق الانفصال المساوق للتعدد في الأمور التدريجية وهو ينافي ما دل على أنه حق واحد مستمر )[2] .

والمناسب ما قاله الشيخ الأعظم(قده) من أنه يجوز اسقاطه في بعض الأيام ّوأنَّ الخيار متعدد بحسب الأيام:- والوجه في ذلك هو أننا إذا رجعا إلى روايات خيار الحيوان لا يبعد استفادة ذلك منها، وهذه قضية استظهارية، فمثلاً في معتبرة ابن رئاب المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ) ،[3] وظاهر هذ المعتبرة للمشتري حق الخيار في اليوم الأول وله الحق في عدم تفليه، وفي اليوم الثاني له حق الخيار وله الحق في عدم تفعيله، وله حق الخيار في اليوم الثالث وله الحق في عدم تفعيله، فيستفاد وجود حقوق ثلاثة، ولعل الشيخ الأنصاري سكت عن الدليل لوضوح المطب، وعلى منوالها معتبرة الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام:- ( في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري ) [4] وهي أيضاً على منوال المعتبرة السابقة، فالإمام عليه السلام حينما يقول ( ثلاثة أيام ) يعني له حق الخيار في اليوم الأول، كما له حق الخيار في اليوم الثاني، وكما له حق الخيار في اليوم الثالث، ففي كل يومٍ يوجد له حق مستقل عن الحق في اليوم الآخر، فإن قبلنا بهذا الاستظهار فبها، وأما إذا جزمنا بالعدم كما جزم بذلك الشيخ الخراساني(قده) فبها أيضاً، وأما لم يكن عندنا استظهار لا من هذه الناحية ولا من تلك فسوف يصير تردد وإشكال في إسقاطه في بعض الأيام دون بعض والأحوط إسقاطه بأجمعه أو إبقاؤه بأجمعه وعدم إسقاطه في بعض الأيام.

بقي شيء: - وهو أنه هناك حالتان لابد من التمييز بينهما، وهما حالة إسقاط الخيار وحالة عدم تفعيل الخيار، فمرة يقول البائع لمشتري الحيوان بعتك الحيوان بشرط إسقاط الخيار، فإذا أسقطه المشتري فهنا يسقط الخيار، وأما إذا لم يسقطه فسوف يُلزَم بإسقاطه، وأما إذا كان الخيار موجوداً ولكنه شرط عليه أن لا يفعّله فهذا الشرط صحيح أيضاً، نعم يبقى الكلام فيما إذا فعّله وفسخ العقد فهنا يقع الفسخ صحيحاً، لأنَّ الخيار ثابت له وليس هو مسلوب الخيار، فإذا فعَّل الخيار وفسخ العقد فسوف يقع الفسخ صحيحاً.

ويوجد مطلب آخر: - وهو أننا قلنا إنَّ المسقط الثالث هو أن يُعمِل مشتري الحيوان عملاً أو يُحدِثَ حدثاً يدل على الرضا وإسقاط الخيار، وقد دلت بعض الروايات على ذلك[5] من قبيل: -

الرواية الأولى: - محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيام فذلك رضاً منه فلا شرط، قيل له وما الحدث؟ قل:- إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء ... ) [6]

الرواية الثانية:- ما رواه الشيخ الطوسي بإسناد عن محمد بن الحسن الصفار قال:- ( كتبت إلى أبي محمد عليه السلام في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فرسخاً ألهُ أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها او الركوب الذي يركبها فراسخ، فوقّع عليه السلام:- إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء الله )[7] .

الرواية الثالثة: - من رواه عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد بالسند السابق عن علي بن رئاب قال: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟ فقال: - الخيار لمن اشترى، ... قلت له:- أرأيت إن قبّلها المشتري أو لامس؟ قال فقال:- إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته )[8] ، وسند الرواية معتبر.


[1] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، السيد أبوالقاسم - الشيخ ميرزا علي الغروي، ج3، ص172.
[2] الحاشية على المكاسب، الخراساني، ج1، ص94، ط حجرية.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص13، أبواب الخيار، باب4، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص10، أبواب الخيار، باب3، ح1، ط آل البيت.
[5] وقبل أن نذكر الروايات نقول إن الأمثلة التي ذكرت في الروايات قد يصعب أن تكون مصداقاً للتصرف أو للحدث الدال على الرضا، وهذا إشكال في المقام، يعني أن الروايات تذكر تصرفات وأحداث لا توجد فيها دلالة على الرضا بالبيع، كما لو اشترى دابة وركبها عند رجوعه إلى داره، أو اشترى جارية فنظر إليها أو لمسها. فمثل هذه التصرفات يصعب استفادة دلالتا على الرضا بالبيع.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص13، أبواب الخيار، باب4، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص13، أبواب الخيار، باب4، ح2، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص13، أبواب الخيار، باب4، ح3، ط آل البيت.