الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ).

وهكذا ذكر الشيخ الأعظم(قده) عبارة بهذا المضمون فقال:- ( لا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيام لا لدخول الليل في مفهوم اليوم بل للاستمرار المستفاد من الخارج ولا في دخول الليالي الثلاث عند التلفيق مع الانكسار ) [1] يعني إذا أجروا عقد بيع الحيوان في نصف اليوم الأول ففي مثل هذه الحالة عند التلفيق من نصف اليوم الذي جرى فيه العقد والنصف من اليوم الرابع فهنا يقول لا إشكال في دخول الليالي الثلاث المتوسطة، والشيخ هنا مرَّ مروراً عابراً على هذه المسألة، فهو قبل بفكرة الانكسار، يعني لا يشترط أن تكون أيام خيار الحيوان الثلاثة كاملةً من طلوع الشمس إلى غروبها وإنما يكفي التلفيق، فهو لم يشر إلى مسألة الانكسار وقبولها إلا بهذا المقدار.

وقد قلنا إنَّ صاحب الجواهر(قده) ذهب إلى أنَّ جبر الانكسار لا يكفي، وإنما إذا أجري العقد في منتصف نهار اليوم فهذا النصف يعتبر ملغياً ولا يضم إلى منتصف اليوم الرابع لأنه سوف يكون المجموع يومان مع نصف يوم مع نصف يومٍ آخر والروايات قالت ( ثلاثة أيام ) ولا يصدق على الثلاثة الملفّقة أنها ثلاثة أيام، لأنَّ اليوم الشرعي هو ما يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها أما النصف السابق مع النصف اللاحق فلا يعد يوماً واحداً وإنما هنا نصفان فلا تشملهما الرواية، وقال في خصوص هذا الرأي:- ( يمكن القطع به لمن رزقه الله تعالى اعتدال الذهن ) [2]

وكان للشيخ لأعظم (قده) أن يبين أنَّ هناك رأياً آخر لا يكتفي بالتلفيق كما ذهب إليه صاحب الجواهر(قده)، فكان لابد له أن يبين كون المسألة ليست اتفاقية، وإنما هو ذكر فكرة الانكسار فقط وهذا يوهم بأنَّ المسألة اتفاقية على قبول فكرة الانكسار.

وممّن وافق صاحب الجواهر(قده) على ما ذهب إليه من عدم كفاية التلفيق السيد اليزدي(قده):- قال:- ( ولو كان في أثناء النهار فإن كان ما مضى منه قليلاً بحيث يصدق اليوم الكامل على بقيته فيحسب ذلك اليوم يوماً واحداً كما إذا كان في آخر النهار بحيث لم يبق منه ألا يسير لا يعتنى به فيلغى بالمرّة ولابد من مضي ثلاثة أيام تامة غيره وإن كان في الاثناء ولم يكن الماضي أو الباقي ملحقاً بالعدم فاللازم بمقتضى القاعدة إلغاء ذلك اليوم ومضي ثلاثة أيام أخر وذلك لأن التلفيق من اليوم الرابع فرع إرادة مقدار بياض اليوم مع أنَّ ظاهر اللفظ إرادة نفس اليوم لا مقداره فما يظهر من المصنف من التلفيق عند الانكسار لا وجه له ) [3] فهو يريد أن يقول إنما يقبل ذلك فيما إذا كان الشرع يريد من اليوم البياض، فيكون نصفٌ من اليوم الأول ونصفٌ من اليوم الرابع فصار بياضاً كاملاً - أي يوماً كاملاً - ولكن الروايات قالت ثلاثة أيام واليوم لا يصدق من ضم نصفين، نعم ضم النصفين هو بمقدار يومٍ ولكنه ليس يوماً، والروايات أرادت ثلاثة أيام كاملةً لا مقدار ثلاثة أيام.

ولكن يمكن أن يقال: - إنَّ الثلاثة أيام مأخوذة بنحو المرآتية والطريقية دون الموضوعية، يعني أنَّ المقصود من الثلاثة أيام هو اثنين وسبعين ساعة كل يوم منها أربعة وعشرين ساعة، أو نقول هي أقل من اثنين وسبعين ساعة لأنَّ الليالي الداخلة في الحساب هما الليلتان المتوسطتان فقط أما الليلية الثالثة فلا تدخل في الحساب، وهذا الرأي عكس ما يقوله صاحب الجواهر والسيد اليزدي، فإنهما تعبدا بلفظ ( ثلاثة أيام ) بينما على هذا الاحتمال فنحن نأخذ الأيام الثلاثة بنحو الطريقية إلى الفترة الزمنية للأيام الثلاثة وهي اثنين وسبعين ساعة أو أقل من ذلك ولا موضوعية لعنوان الأيام الثلاثة.

إن قلت: - إنَّ هذا يحتاج إلى مثبت فإنَّ ما ذهب إليه صاحب الجواهر والسيد اليزدي يوجد له مثبت وهو أنَّ الروايات قد أخذت عنوان الثلاثة أيام، وظاهر كل عنوان أنه مأخوذ بنحو الموضوعية وأما حمله بنحو المرآتية إلى الاثنين والسبعين ساعة يحتاج إلى دليل؟

قلت: - إنَّ العرف لا يفهم خصوصيةً الأيام الثلاثة سوى أنها معبرّة عن الفترة الزمنية المذكورة، فعنوان الثلاثة أيام ليس مهماً وإنما المهم هو هذه الفترة الزمنية، وفي ذلك الزمان لم يكن عندهم ساعات حتى يقول الامام عليه السلام اثنين وسبعين ساعة وإنما الوسيلة الواضحة هي أن يقول ثلاثة أيام، فالثلاثة أيام مأخوذة بنحو المرآتية، وهذه قضية وجدانية، ونفس الكلام نقوله في ثلاثة الحيض، فكون أقل الحيض ثلاثة أيام ليس من المناسب حمل الثلاثة هنا على المعنى الدّقي الذي ذكره صاحب الجواهر والسيد اليزدي، وإنما المقصود هو أنَّ الثلاثة أيام هي الوسيلة الممكنة للناس عادةً، فهذا العنوان قد أخذ بنحو المشيرية لا بنحو الموضوعية.

إن قلت: - إذا قبلت بهذا فقل ذلك أيضاً في ثلاثة الاعتكاف، فإنَّ الاعتكاف ثلاثة أيام، فعليك أن تحمل الثلاثة أيام في الاعتكاف على المشيرية إلى الفترة الزمنية من دون خصوصيةٍ لعنوان الأيام، فإنه إذا صار البناء على إلغاء عنوان اليوم وحمله على المشيرية فيلزم أن تقوم بذلك في جميع الموارد؟

قلت: - نحن لسنا دائماً نحمل عنوان ثلاثة أيام على المشيرية، وإنما هو يختلف باختلاف الموارد، فإنَّ الاعتكاف يوجد فيه صوم ثلاثة أيام، فيلزم أن يكون فيه نهارات ثلاث متصلة ولا يصح أن يكون ملفّقاً.

فإذاً من المناسب حمل الأيام الثلاثة على المشيرية إلى الفترة الزمنية، ونتيجة ما نقوله هو نفس ما ذهب إليه المشهور من كفاية الكسر والانكسار ولكن بطريقٍ مختلف.

كما نلفت النظر إلى أنه بقيت بعض الأمور التي ذكرت في المتن وهي ترتبط بخيار الحيوان أيضاً ولكن لا داعي إلى ذكرها لأنها قد اتضحت مما سبق كما لا يوجد فيها مطالب مهمة أخرى.


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص95.
[2] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج23، ص30.
[3] حاشية المكاسب‌، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج2، ص18.