الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ).

الدليل الثالث الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) لإثبات رأي الأعلام الثلاثة من أنَّ خيار الحيوان يشرع بعد خيار المجلس: - هو أنه لو شرع خياري المجلس والحيوان في زمانٍ واحدٍ يلزم اجتماع سببين على مسبَّبٍ واحد وهو غير مكن، فلابد من وجود سببٍ وعلَّةٍ واحدةٍ لكل مسبَّبٍ ومعلول لا أن توجد له علتان وسببان، قال: - ( ربما يستدل عليه .... وبلزوم اجتماع السببين على مسبَّبٍ واحد ). [1]

ثم بعد ذلك أجاب عن هذا الدليل ولا نرى حاجة إلى ما ذكره.

ولكن يرد عليه:- إنَّ هذه قواعد فلسفية وموطن القواعد الفلسفية هو عالم الحقيقة لا عالم الاعتبار، فالأمور الحقيقية لا يمكن تحققها بسببين وعلتين لم هو مذكور في محلّه أما الأمور الاعتبارية فهي اعتبار ولا محذور في اجتماع علّتين أو ثلاثة على معلوٍل واحدٍ لأنه اعتبار، فأنا أعتبر هذا الشيء عندما يتحقق هذا الشيء أو ذاك أو ثالث، نعم المعلول التكويني الحقيقي لا يصدر من علل متعددة، أما الأمر الاعتباري كاعتبارٍ فلا محذور في اجتماع علتين عليه، وكان لابد للشيخ الأعظم(قده) أن يشير إلى هذا، فالخيار وحصول الفسخ أمر اعتباري وليس أمراً حقيقياً، فأيَّ مانع أن نقول يحصل الفسخ بتحقق هذا الشي أو ذاك أو تحقق الكل فإنَّ هذا لا مشكلة فيه، نعم أقصى ما يلزم محذور اللغوية وليس الاستحالة، لأنه إذا تحقق المسبَّب بالسبب الأول فلا داعي إلى السبب الثاني فيلزم اللغوية هنا، ولكن يمكن دفع اللغوية بأن يقول المشرّع أنا أريد أن أجعل المكلَّف في يسرٍ وسعةٍ فمرة يختار هذا ومرة يختار ذاك، وهذا من القضايا الواضحة.

الحكم الخامس: - لا فرق في ثبوت خيار الحيوان بين أقسام الحيوان ناطقٍ وغير ناطق.

والوجه في ذلك ثلاثة أدلة: -

الأول: - اطلاق كلمة الحيوان حيث قالت الرواية ( الخيار في الحيوان ثلاثة أيام )، فكلمة ( حيوان ) مطلقة تشمل الناطق وغير الناطق، والمقصود من الناطق غير الحر وهما العبد والأمة.

الثاني: - توجد رواية أو أكثر تصرّح بثبوت خيار الحيوان في الانسان العبد، كمعتبرة علي بن رئاب: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال:- الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة ) ، [2] فهي دلت على ثبوت خيار الحيوان في الجارية، وهي تشمل العبد أيضاً لعدم احتمال التفصيل بينهما.

الثالث: - إنه لا يوجد خلاف في هذه المسألة بين الفقهاء، فيورث الاطمئنان للفقيه بأنَّ خيار الحيوان ثبات حتى في الانسان العبد والأمة.

الحكم السادس: - إذا كان العقد أثناء النهار لفّق اليوم المنكسر من اليوم الرابع، كما لو أجريا العقد في يوم السبت الساعة العاشرة صباحاً فسوف ينتهي خيار الحيوان في الساعة العاشرة من يوم الثلاثاء.

ونلفت النظر إلى شيء: - وهو أنَّ كلمة اليوم في اللغة العربية بل في المصطلح القرآني على النهار، أما نحن فاليوم قد نطلقه على مجموع الليل والنهار، أما القرآن الكريم فيقول:- ﴿ سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حسوماً ﴾[3] ، فالآية الكريمة جعلت الأيام مقابل الليالي، فإذاً ليس المقصود من الأيام ما يشمل الليل وإنما اليوم ما يقابل الليل، أي النهار، فالآية الكريمة هكذا استعملت كلمة اليوم، وقد يكون الحال كذلك في استعمالاتنا العرفية، كما لو سافرنا إلى مكانٍ كمكة المكرمة فلو دخلنا فيها يوم السبت من حين طلوع الشمس وبقينا إلى غروب يوم الاثنين فسافرنا فإذا سألنا شخص كم بقيتم في مكة المكرمة فسوف نجيب بأننا بقينا ثلاثة أيام والحال أنها ثلاثة نهارات، فإذاً لا يبعد في إطلاقاتنا العرفية الأمر كذلك.

وإنما السؤال فيما لو وقع العقد أثناء النهار، كما لو وقع العقد على حيوان في الساعة العاشرة صباحاً من يوم السبت فخيار الحيوان يستمر إلى أيّ وقت؟ إنه على ما ذكرناه الآن قد يقال إنه يستمر إلى يوم الثلاثاء الساعة العاشرة صباحاً، فيوم الأحد ويوم الاثنين كاملان ونصف من يوم السبت ونصف من يوم الثلاثاء، والليلتان في الأثناء تدخلان في الخيار من باب العلم من الخارج بأنَّ خيار الحيوان واحدٌ مستمرٌ متصلٌ فبهذا الاعتبار تدخل الليلتان بالتبع، ولكن المهم الذي نريد أن ننبه عليه هو أنَّ المناسب أن يكون مقدار فترة الخيار يشمل نصف نهار من يوم السبت ونصف نهار من يوم الثلاثاء، وهل تقبل بهذا أو يوجد كلام في ذلك؟

قد تعرَّض صاحب الجواهر(قده) إلى هذه المسألة ولم يرتضِ ذلك، كما لم يرتض ذلك السيد اليزدي(قده)، حيث قال إنَّ الروايات قالت ( ثلاثة أيام ) وفي فرضنا هي ليست ثلاثة أيام وإنما هي يومان زائداً نصف اليوم الأول زائداً نصف اليوم الرابع، قال صاحب الجواهر:- ( إذا وقع العقد مثلاً ظهر يوم الخميس فالخيار متصل إلى أن يتحقق مصداق مضي ثلاثة أيام، ولا يكون ذلك إلا بانتهاء يوم الأحد، بل هذا كاد يكون صريح قوله عليه السلام في صحيح ابن رئاب " فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب البيع " إذ مفهومه أنَّ العقد على الخيار إن لم تمضِ[4] ... يمكن القطع به لمن رزقه الله تعالى اعتدال الذهن ) [5] فيصير المجموع ثلاثة أيام ونصف، فألغى النصف من يوم الخميس فلا يكتفي إلا بثلاثة أيام كاملة أما يومين ونصفين فلا يكتفي به.

والذي يلفت نظرنا هو أنَّ الشيخ الأنصاري لم يتعرّض إلى هذه القضية أبداً وكان من المناسب له التعرض لها.


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص93.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص12، أبواب الخيار، باب3، ح9، ط آل البيت.
[3] الحاقة/السورة69، الآية7.
[4] أي أن لم تمضِ ثلاثة أيام كاملة.
[5] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج23، ص30.