الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ).

وأما سند الروايتين: -

فسند الرواية الأولى:- فهو:- ( عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن ابن سنان يعني عبد الله قال سألت أبا عبد الله ).

وقد يقال: - توجد مشكلتان في السند.

المشكلة الثانية: - أنه قيل ( عن ابن سنان - يعني عبد الله - ) فربما يخطر إلى الذهن أنَّ ابن سنان عندنا اثنان وهما محمد بن سنان وعبد الله بن سنان فمن قال إن هذا الراوي هو عبد الله بن سنان فإنَّ هذا التفسير ليس من الامام عليه السلام كما قد لا يكون من الكليني فلا يمكن الاعتماد عليه بناءً على أن محمد بن سنان لم تثبت وثاقته - لأنَّ فيه قال وقيل - أما عبد الله بن سنان فهو من أجلة أصحابنا فكيف نتغلب على هذه المشكلة؟

والجواب: - إنَّ محمد بن سنان هو في مرحلة فهو في زمان الامام الرضا والهادي والجواد وليس في زمان الامام الصادق عليهما السلام أما الموجود في مرحلة الامام الصادق عليه السلام فجزماً هو عبد الله بن سنان، ولذلك تفسير عبد بأنه عبد الله بن سنان لا يؤثر شيئاً وجد أو لم يوجد.

المشكلة الأولى: - إنه ورد في السند عبارة ( عدَّة من أصحابنا ) وهذه الظاهرة كما ذكرنا مختصة بالشيخ الكليني وقد ذكرها الكليني في الكافي كثيراً فمن هو المقصود من العدة فلعلهم ليسوا ثقات فكيف نعتمد عليها؟

وفي الجواب نقول: - هناك عدَّة أجوبة في هذا المجال: -

الأول: - أن يقال إذا رجعنا إلى خلاصة الأقوال للعلامة نجده يعقد في نهاية كتابه يعقد فوائد الفائدة الثالثة منها يرتبط بالعدة حث قال: - ( الفائدة الثالثة:- إنَّ الكليني قال إن المراد بقول المراد بقولي عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى هو فلان وفلان وفلان وإذا كانت العدة عن أحمد بن محمد بن خالد مثلاً فالمراد فلان وفلان وفلان )، وحينئذٍ قد يقال إن العلامة هو ينقل عن الكليني تفسير العدَّة فلا موجب للتوقف بعد معرفتهم.

ولكن يمكن أن يقال: - من أين للعلامة أنَّ الكليني قال إنَّ مرادي من العدَّة الفلانية هم فلان وفلان فإنه يوجد فاصل زمني كبير بين العلامة وبين الكليني، فما ذكره العلامة مرسل فلا عبرة به، ولا تقل إنَّ العلامة لا يتكلّم من دون دليل ولكن نقول لعله سلك طريقاً للنقل عن الكليني لو اطلعنا عليه لرفضناه ولا يلزم أن نعتمد على ما اعتمد عليه.

وعلى منواله ذكر الشيخ النجاشي في ترجمة الشيخ الكليني ما نصّه: - ( إنه قال كل ما في كتابي هذا عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى فهم محمد بن يحيى و ... )، والنجاشي نقل عن الكليني تفسير عدة واحدة فقط وهي الواردة عن أحمد بن محمد بن عيسى أما سائر العدد فلم ينقلها.

والجواب: - إنَّ النجاشي ينقل عن الكليني والفاصل الزمني بينه وبين الكليني كبير فهذا النقل مرسل فلا يكون حجة علينا.

ولو قيل: - لماذا تأخذ بتوثيقات النجاشي التي ينقلها ولكنك تتوقف فيما ذكره من تفسير العدة؟

قلت: - إنَّ هذين من بابين مختلفين فإن التوثيقات يمكن الأخذ بها من باب أن التوثيقات قد وصلته يداً بيد فصار خبيراً في هذا المجال، فيؤخذ بكلامه، فنجري أصالة الحس في توثيقاته، إما لهذه النكتة أو لنكتة أخرى، أما في العدَّة فهو ينقل عن الشيخ الكليني مباشرة ولا نعلم طريقه إلى كلام الشيخ الكليني هذا والحال أنَّ الفاصل الزمني بينهما كثير فيكون هذا النقل مرسلاً فلا عبرة به.

الثاني: - سألت السيد الخوئي(قده) مرَّة بعد مجلس الدرس عن عدة الكليني فقال إنه في بداية الكافي يقول الشيخ الكليني ما نصه في الحديث الأول من الكافي: - ( أخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب قال حدّثني عدة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ) ، [1] فهنا نفس الكليني قال حدثني عدة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار فهذا يصير قرينة على أنَّ كل عدّة أحدهم محمد بن يحيى العطار الثقة الجليل.

ولكن الاشكال الذي يرد عليه: - هو أنه من أين يصير هذا قرينة على وجود محمد بن يحيى العطار في كل عدّة؟!، نعم يصير هذا احتمالاً ولكن لعله موجود في هذه العدَّة فقط وليس في كلّ عدَّة، فإذاً من الصعب الجزم بكونه موجوداً في كل عدَّة لأنَّ القدر المتيقن أنه موجود في هذه العدَّة أما أنه موجود في كل عدَّة فلا.

الثالث: - أن نقول إنَّ هذه القضية لا تحتاج إلى هذا التطويل وإنما نقول إن العدة أقلها ثلاثة، واحتمال اجتماع ثلاثة من مشايخ الكليني على الكذب بعيد جداً فيحصل الاطمئنان بحقانية النقل، وهذا شيء له وجاهة ولكنه ليس طريقاً علمياً وإنما هو طريق وجداني يمكن قبوله من قبل البعض ويمكن رفضه من البعض الآخر.

والذي نراه أحسن التقريبات والمحامل أن نقول: - لو قمنا بعملية إحصاء لمشايخ الكليني الذين يروي عنهم فلعلَّ عددهم ثلاثون شيخاً، وأكثر الذين ينقل عنهم هو علي بن إبراهيم، ونستطيع أن نقول إنَّ الكليني روى ثلث الكافي عن علي بن إبراهيم، ثم يأتي بعده فلان وفلان، وهؤلاء الذين يكثر الكليني الرواية عنهم الطابع العام لهم أنَّ وثاقتهم ثابتة وليسوا من المجهولين، فإذا عرفنا هذا فحينئذٍ نقول حينما يقول الكليني ( عدَّة من أصحابنا ) التي هي ثلاثة فمن البعيد أن يكونوا كلّهم من غير هؤلاء الذين يكثر الرواية عنهم والذين عددهم خمسة أو ستة، فيحصل الاطمئنان بأنَّه لا أقل أنَّ واحداً من العدَّة هو من هؤلاء الذين يكثر الرواية عنهم والمفروض أنهم من الثقات، وعليه فلا توجد مشكلة في عدَّة الكليني.

فإذاً سند الرواية الثانية لا مشكلة فيه.

وأما سند الرواية الأولى: - فهو ( محمد بن يعقوب عن حميد بن زيان عن الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحدٍ عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله )، وأبان بن عثمان ثقة، وعبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري ثقة أيضاً، والحسن بن محمد بن سماعة ثقة أيضاً، ولكن المشكلة في تعبير ( غير واحد ) فإنَّ البعض قال إنَّ هذا التعبير لا يثبت أنَّ هؤلاء - غير الواحد - هم من الثقات، فيتوقف في السند من هذه الناحية.

وفي الجواب نقول: - يمكن التغلب على هذه المشكلة بطريقين: -

الأول: - أن نذهب على الحسن بن محمد بن سماعة الذي يروي عن غير واحدٍ ونجري عملية إحصاء لمشايخه، فإذا وجدنا أنه يكثر الرواية عن فلان وفلان كما قلنا ذلك في الشيخ الكليني فإنه يكثر عن علي بن إبراهيم ومحمد بن يحيى العطار وأمثالهم فمن البعيد أن يقول ( عن غير واحدٍ ) ولا يكون من جملتهم واحداً من الذين يكثر الرواية عنهم، فيحصل حينئذٍ الاطمئنان بأنَّ واحداً منهم هو من هؤلاء الذين يكثر الرواية عنهم.

الثاني: - أن نقول من البعيد أن يجتمع ثلاثة من الرواة - حتى لو كانوا غير مشهورين - على الكذب في هذه القضية التي ليست مهمة، فيحصل لنا الاطمئنان بعدم اجتماعهم على الكذب، فيكون الطريق معتبر، وهذه طريقة ليست علمية وإنما هي طريقة وجدانية قد يقبلها شخص ويرفضها آخر ولكننا نراها شيئاً وجيهاً.

فإذاً لا مشكلة سندية بلحاظ هاتين الروايتين.


[1] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج1، ص10.