الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ) الثاني خيار المجلس-.

وأما المورد الثاني[1] :- فقد اختار العلمان اختصاص خيار الحيوان بما إذا كان المبيع - الحيوان - جزئياً لا بما إذا كان كلياً.

وقد استدل الشيخ الأعظم(قده) على عدم ثوبت خيار الحيوان إذا كان المبيع كلياً بوجهين: -

الوجه الأول: - إنَّ المنساق من اطلاقات أدلة خيار الحيوان هو ما إذا كان المبيع جزئياً، فإنَّ المستفاد من الروايات خصوصها بما إذا كان المبيع جزئياً لا بما إذا كان كلياً.

الوجه الثاني: - حكمة الخيار، فإنَّ حكمة خيار الحيوان هي النظرة للمشتري التي ذكرتاها رواية علي بن رئاب، أي لكي يتأمل المشتري في الحيوان الذي اشتراه وأنه فيه عيب أو لا، وهذا لا يكون إلا في الجزئي ولا يكون في الكلي. قال: - ( ثم إنه هل يختص هذا الخيار بالبيع المعيّن - كما هو المنساق في النظر من الاطلاقات، ومع الاستدلال له في بعض معاقد الاجماع كما في التذكرة بالحكمة الغير الجارية في الكلي الثابت في الذمة - أو يعمّ الكلي كما هو المتراءى من النص والفتوى؟ لم اجد مصرّحاً بأحد الأمرين، نعم يظهر من بعض المعاصرين قدس سره الأول ولعله الأقوى ). [2]

ويرد عليه: -

أما الوجه الأول فيرد عليه:- إنَّ قبول التبادر شيءٌ مشكل، فدعوى أنَّ المتبادر من روايات خيار الحيوان وأنَّ البيّعان بالخيار يعني الحيوان الجزئي يصعب قبولها، خصوصاً وأنَّ بعض الروايات قد ترفض ذلك، مثل صحيحة فضيل:- ( قلت له ما الشرط في الحيوان؟ قال ثلاثة أيام للمشتري )، فهي قالت ( ما الشرط في الحيوان ) ولم تقل ( إذا اشترى شخص حيواناً ) حتى تقول هو ينصرف إلى الجزئي، فلماذا تخصصه بالجزئي؟!!، وجاء في صحيحة الحلبي:- ( في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري )، فإذاً دعوى التبادر والانسياق والانصراف إلى خصوص الجزئي يصعب قبولها، نعم ربما يمكن توجيه الاختصاص بالجزئي ببيان يتناغم مع دعوى الانسياق سوف نذكره فيما بعد.

وأما الوجه الثاني فيرد عليه:- إنَّ التروّي والنظر تارةً يكون من ناحية الاطلاق على عيوبه - يعني خلال الثلاث أيام قد يظهر فيه عيب فإذا ظهر فيه عيب كان له الفسخ فجعل الخيار ثلاثة أيام لأجل ذلك - وأخرى قد يتردد المشتري في الحيوان بعد شرائه لأنه قد تبيّن له عدم حاجته إليه مثلاً لوجود حيوانات أخرى عنده أو ما شاكل ذلك، فإن كان المقصود هو أنه قد يظهر العيب فذاك خيار آخر وهو خيار العيب من دون حاجةٍ إلى خيار الحيوان، فإذاً لابد أن تكون النظرة للمشتري لا من باب ظهور العيب وإنما من باب أنَّ المشتري لعله يندم على شراء الحيوان، فإن كان هذا هو المقصود فهو يتلاءم مع شراء الكلي، فإنه في شراء الكلي قد يندم المشتري على شراء الحيوان لعدم حاجته إليه مثلاً ولا يتوقف على الجزئي.

وأما الشيخ النائيني(قده) فقد استدل بوجهين:- [3]

الوجه الأول: - حكمة الخيار، وهي النظرة للمشتري.

ولكن نقول: - قد ذكر الشيخ الأعظم(قده) هذا الوجه فيما تقدم وقد أجبنا عنه.

الوجه الثاني: - إنَّ خيار الحيوان متى يبدأ إذا كان المبيع كلياً فهل يبدأ من حين قبض مصداق الكلّي أو من حين العقد؟ وكلاهما باطل، أما ابتداؤه من حين قبض المصداق فأدلة خيار الحيوان تثبت الخيار من حين العقد لا أنها تثبته بعد ذلك بفترة - أي بعد قبض المصداق -، وإن كان المقصود هو ثبوت خيار الحيوان من حين البيع فالمفروض أنه من حين البيع لم يقبض الحيوان حتى يثبت الخيار، ففرد الكلي بَعدُ لم يتحقق حتى يثبت الخيار.

ولكن يمكن أن يقال: - إنَّ خيار الحيوان يثبت من حين العقد فإنَّ المشتري يستحق الفرد من حين العقد، نعم هو يتأخر في القبض ولكن هذه قضية ثانية أما الاستحقاق فهو من حين العقد، فيمكن أن نقول بثبوت الخيار من حين العقد لأنَّ استحقاق أخذ الفرد هو من حين العقد ولا مانع من الالتزام بذلك، كما لو فرض أني قلت له بعتك حيواناً بهذه الشرائط وقبل المشتري بذلك فهو يستحق من حين العقد، فإذا كان الاستحقاق للمشتري موجوداً من حين العقد فالخيار ثابت له من حين العقد ولا يشترط أن يقبض المبيع، كما لو فرض أنَّ المبيع كان جزئياً ولكن المشتري لم يقبضه بَعدُ وإنما ذهب لفترة وجيزةٍ ثم يعود فيأخذه، فالمشتري هنا قد استحق المبيع فالخيار يكون ثابتاً له من حين العقد، كذلك الحال فيما إذا كان المبيع كلياً فإنَّ المشتري هنا يستحق الفرد من حين العقد، فلا مانع من ثبوت الخيار من حين العقد.

فإذاً ما ذكره العلمان من اختصاص خيار الحيوان بالمبيع الجزئي قابل للتأمل.

ولكن رغم هذا يمكن أن نقول إنَّ الخيار يختصُّ بالمبيع الجزئي:- والوجه في ذلك ما أشرنا إليه في بحث مقدّمات الحكمة، حيث إنا نظيف مقدّمة جديدة على مقدمات الحكمة، وهي أنه متى ما إذا كان مراد المتكلم هو المقيد وفرض أنَّ العرف لا يستهجن الاطلاق رغم أنَّ مراده هو المقيد فلا ينعقد الاطلاق حينئذٍ، وعلى هذا الأساس بنينا في رؤية الهلال على أنه لابد من العين المجردة ولا تكفي الوسائل الحديثة، فلا يجوز التمسك بإطلاق ( صم للرؤية وافطر لرؤية )، لأنَّ المتكلم لو ظهر وقال إنَّ مقصودي هو العين المجرّدة لا العين المسلحة فلا يستهجن ذلك منه ولا يقال له لماذا لم تقيد، فإنَّ المتعارف في تلك الفترة الزمنية هو العين المجردة، فإذا لم تكن الرؤية بالعين المسلحة متعارفة فحينئذٍ لا ينعقد الاطلاق لإثبات أنَّ الشهر يبتدئ بالرؤية من خلال الوسائل الحديثة بل لابد من العين المجردة، لأنَّ المتكلم لو قال إنَّ مرادي هو العين المجرّدة لم يستهجن منه ذلك، فنطبّق هذه الفكرة في موردنا ونقول إنَّ روايات خيار الحيوان لم تقيّد بالحيوان الجزئي وإنما هي أطلقت، ولكن هذا الاطلاق لا يمكن التمسك به، إذ لو ظهر المتكلم وقال إنَّ مقصودي هو الحيوان الجزئي لم يستهجن منه ذلك لأنَّ الحالة العامة المتعارفة حين الشراء هي شراء الجزئي دون الكلّي، فيمكن للمتكلم أن يتكل على هذه الحالة العامة المغالبة وبذلك لا ينعقد اطلاق، ونحن واقعاً حينما نقرأ الروايات نفهم هذه الحالة العامة وإلا فالتعميم إلى الكلي قضية تفرضها علينا البحوث العلمية الصناعة وهي في مقابل الوجدان، فإذاً إذا لم يستهجن الاطلاق من المتكلم فلا ينعقد الاطلاق لأنَّ شرط انعقاد الاطلاق استهجان ارادة المقيّد وهنا لا يستهجن ذلك، فلا ينعقد الاطلاق.


[1] من ناحية كون المبيع جزئياً أو كلياً.
[2] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص84.
[3] منية الطالب، النجفي الخوانساري، الشيخ موسى؛ تقرير بحث الميرزا النائيني، ج3، ص57.