الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/10/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ) الثاني خيار المجلس-.

أما الحكم الثالث: - وهو أنه لا فرق بين حيوان وحيوان في ثبوت خيار الحيوان.

ولم يصرح السيد الماتن بهذا الحكم كما صرحنا به وإنما قال ( خيار الحيوان ثابت للمشتري في كل حيوان )، ونحن نريد تسليط الأضواء على هذه القضية، والمقصود من وراء كون خيار الحيوان يعم كل حيوان هو التعميم لنحوين من الحيوان بعد أن نلتفت إلى مطلبين: -

المطلب الأول: - إذا كان الحيوان ميتاً، كما لو كان الحيوان مصطاداً وباعه بعد أن زهقت روحه بالاصطياد فهل يثبت خيار الحيوان هنا أو لا؟ إنه لا يثبت هنا، وينبغي أن يكون ذلك موضع اتفاق بين الفقهاء، والنكتة في ذلك هي أنَّ الحيوان إذا لم تكن فيه روح فلا يصدق عليه حيوان، أو أنَّ عنوان الحيوان منصرف عنه، فإذاً هذا المورد لا ينبغي الاشكال في عدم ثبوت الخيار فيه.

المطلب الثاني: - إنَّ السيد الماتن عمّم خيار الحيوان للإنسان وغيره، وثبوته في غير والانسان واضح، أما ثبوته في الانسان فهو ثابت في حق الانسان إذا كان أمةً أو عبداً، ولكن لا دعي لذكر هذا القسم من محل البحث لأنه ليس محلاً للابتلاء في هذا الزمان.

فإذاً هذان الموردان - مورد العبيد والاماء ومورد الحيوان الميت بالاصطياد مثلاً - يلزم اخراجهما عن محل الكلام ولا داعي للحديث عنهما.

أما الموردان اللذان نريد أن نجعل خيار الحيوان شاملاً لهما وقد عبّرنا عنهما بقولنا ( لا فرق بين حيوانٍ وحيوان ) فهما:-

المورد الأول: - ما إذا فرض أنَّ الحيوان قد اشتُرِي وهو حيٌّ بقصد لحمه كالسمك، فنحن نشتري السمك لأجل لحمه لا لأجل حياته[1] فهل خيار الحيوان ثابت هنا أو ليس بثابت؟ قد يقال بالتعميم لمثله وإن قُصِد لحمه لا حياته، أو الصيد الذي أصابه السهم ولكنه بَعدُ على قيد الحياة لفترةٍ وجيزةٍ كخمس دقائق مثلاً فنحن حينما نشتريه بقصد لحمه، فهنا يراد التعميم فيقال لا فرق في ثبوت خيار الحيوان بين حيوانٍ وآخر بمعنى التعميم لهذا المورد.

المورد الثاني: - ما إذا كان المبيع حيواناً كلّياً لا جزئياً، كما لو ذهبت إلى بائع الأغنام وكانت كلّها متساوية بالصفات وقلت له أشتري منك حيواناً من هذه الحيوانات فهل يثبت لي خيار الحيوان هنا أو لا؟ نعم يثبت خيار الحيوان رغم أنَّ المبيع كلّي وليس جزئياً.

وقد شكك الشيخ الأعظم والشيخ النائيني في ثبوت الخيار في هذين الموردين: -

أما الشيخ الأعظم(قده) فقال: - إذا كان قصدك اللحم دون الحياة فلا خيار حيوان، لأنَّ هدف المشتري هو اللحم وليس الحيوان، قال:- ( ولا يبعد اختصاصه بالحيوان المقصود حياته في الجملة فمثل السمك المخرج من الماء والجراد المحرز في الاناء وشبه ذلك خارج لأنه لا يباع من حيث أنه حيوان بل من حيث أنه لحم مثلاً ).[2]

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ الروايات قالت ( من اشترى حيواناً )، وهذا الشخص قد اشترى حيواناً، أما من حيث أنَّ الحياة كانت مقصوده وليس اللحم والأكل فليس موجوداً في الرواية، كما أنه ليس مفهوماً عرفاً، وإنما بالتالي يصدق أنَّ هذا الشخص قد اشترى حيواناً وإن كان هدفه اللحم لا إبقاءه حياً.

وأما الشيخ النائيني(قده): - فقد ذكر وجهين لعدم ثوبت خيار الحيوان في حالة قصد اللحم: -

الوجه الأول: - صحيح أنَّ الروايات وإن ذكرت أنَّ من اشترى حيواناً كان المشتري بالخيار ثلاثة أيام فهي أتت بلفظ (حيوان) ولم تقيّد بكون مقصود المشتري اللحم ولكن مناسبات الحكم والموضوع تقتضي التقييد بما إذا لم يكن المقصود هو اللحم، قال:- ( لا يخفى أنَّ ظاهر النص والفتوى وإن شمل كل ذي حياة ولكن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع اختصاص هذا الخيار بالحيوان المقصود منه حياته فالصيد المشرف على الموت والسمك والجراد اللذان يقصد منهما اللحم نوعاً وإن قصد نادراً حياتهما خارجة عن هذا العموم ) [3]

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ اقتضاء مناسبات الحكم والموضوع لذلك مجرّد دعوى لا دليل عليها، فلو فرض أنه توجد عندنا اليوم وليمة واشترينا خروفاً وكان هدفنا لحمه ولكن بعد ذلك ندمنا على شرائه لأنه كان صغيراً مثلاً فهنا هل خيار الحيوان ليس بثابت بدعوى أننا اشتريناه بهدف اللحم؟!! إنَّ هذا غير محتمل وغير مقبول، ومن يلتزم بتقييد مناسبات الحكم والموضوع لابد أن يلتزم في مثل هكذا موارد بعدم ثبوت خيار الحيوان، وهو غير مقبول.

ولو دافع مدافع عن الشيخ النائيني(قده) وقال: - مرّةً يفترض أنَّ الحيوان كان في طريقه إلى الموت لأنه ضرب بسهم مثلاً أو ما شاكل ذلك فهنا يقال لا خيار حيوان لأنَّ الهدف من شرائه جزماً هو اللحم وليس الحيوان، وهنا يكون ما أفاده الشيخ النائيني(قده) صحيحاً وكان غرضه هو هذه الحالة، أما إذا اشترينا الحيوان وكان سالماً ولكن كان الهدف أن نذبحه بعد يوم أو يومين فهنا يثبت خيار الحيوان ولا يقول النائيني(قده) بعدم ثبوته.

قلنا: - افترض أنَّ الشيخ النائيني(قده) يقصد ذلك ولكن نقول له ما الفارق بين كونه ضُرِبَ بسهمٍ فلا خيار حيوان وبين ما إذا كان سالماً فخيار الحيوان ثبات رغم أنَّ المقصود في الاثنين هو اللحم؟!! إنَّ هذه نكتة غير فارقة، وهذا التفريق مرفوض.

الوجه الثاني: - إنَّ بعض الأخبار قد أتت بلفظ ( نظرة للمشتري )، يعني أنَّ خيار الحيوان قد ثبت للمشتري حتى يصير نظرةً وتأملاً وتدقيقاً للمشتري في الحيوان فجعلت له ثلاثة أيام الخيار، وهذه الحكمة إنما تتم فيما إذا لم يقصد اللحم، أما إذا قصد اللحم فلا معنى للنظرة، فنفس النظرة تدل على أنه لابد وأن يكون المقصود هو إبقاء الحيوان حيّاً لا أنه يقصد اللحم، قال:- ( بل يمكن استفادة التخصيص من بعض الأخبار المعلل فيه الخيار " بنظرة المشتري " )، وقد أشار بهذا القول إلى رواية علي بن رئاب التي ورد فيها:- ( قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو لبائع أو لهما كلاهما؟ فقال: - الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة )، فحينما قال ( نظرة ) فلابد أن يكون المقصود ليس هو اللحم وإلا لم يحتج إلى قول ( نظرة )، لأنه يريد أن يذبحه، فـ( نظرة ) بمعنى التأمل حتى يرى هل في الحيوان عيباً أو لا، وهذا يكون فيما إذا قصد إبقاء الحيوان حيّاً لا ما إذا قصد ذبحه.


[1] إلا إذا كان الغرض خاصاً كمن كان عنده حوض أسماك، ولكن هذه قضية ثانية.
[2] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج5، ص83.
[3] منية الطالب، النجفي الخوانساري، الشيخ موسى؛ تقرير بحث الميرزا النائيني، ج3، ص57.