الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الثاني ( خيار الحيوان ) - الفصل الرابع ( الخيارات ) الثاني خيار المجلس-.

الرواية الرابعة: - محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيام فذلك رضاً منه فلا شرط ) [1] ودلالتها واضحة جداً حيث قالت ( الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري )، فهي خصصت الخيار بالمشتري، نعم إذا تصرف المشتري بالحيوان قبل انقضاء الثلاثة أيام فهذا التصرف يكون دالاً على رضا المشتري بهذا المبيع فيسقط خياره.

وأما سندها: - فهو معتبر أيضاً، فإنَّ الكليني يروي عن عدة من أصحابنا والعدة لا مشكلة فيها حيث قلنا لعل قائل يقول:- إنَّ العدة مجهولون وعليه فسوف يتحقق الارسال فلا عبرة بالسند، ولكن الجواب عن ذلك:- هو أنَّ تعبير العدّة لا يطلق عادةً إلا على ثلاثة فما فوق وإلا لو كان اثنان فيقال اثنان ولا يقال عدّة، وكون الثلاثة فما فوق من مشايخ الكليني قد يورث لنا الاطمئنان بحقانية هذا المطلب المذكور، مضافاً إلى أنه بما أنَّ الكليني كثيراً ما يروي عن محمد بن يحيى الأشعري وعن الحسين بن محمد وعن أبي علي الأشعري وما شاكلهم فيحصل حينئذٍ الاطمئنان بأنَّ واحداً من هذه العدّة هو من أحد هؤلاء الثقات، فإذا لا مشكلة من هذه الناحية، ولو كان هناك كلام في سهل بن زياد فأحمد بن محمد لا كلام فيه، وأحمد بن محمد هو إما ابن عيسى كما هو المناسب أو هو ابن خالد البرقي وكلاهما ثقة، وأما ابن محبوب فهو الحسن بن محبوب الثقة، وأما علي بن رئاب فهو من ثقات أصحابنا[2] .

الرواية الخامسة: - عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب قال: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال:- الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نَظِرة ) [3] وهذه أقوى الروايات دلالة على اختصاص خيار الحيوان بالمشتري دون البائع لأنَّ السائل يسأل الامام عليه السلام بالصراحة ويقول له:- ( ... لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ ) والامام عليه السلام أجابه بأنه للمشتري.

وأما سندها فعبد الله بن جعفر فهو الحميري الثقة، وأما أحمد وعبد الله ابني عيسى فهما انبي عيسى الأشعري ويكفينا أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري فإنه من أجلة أصحابنا، وأما الحسن بن محبوب وعلي بن رئاب لا مشكلة فيهما، وأما الطريق إلى كتاب قرب الاسناد فقد ذكر الشيخ الطوسي طريقاً معتبراً في فهرسته أو رجاله إلى عبد الله بن جعفر الحميري.

فإذاً توجد خمس روايات تدل على أنَّ خيار الحيوان يثبت للمشتري فقط وخامستها ذات دلالة قوية لا تقبل الشك.

وأما مستند السيد المرتضى وابن طاووس:- حيث ذهبا إلى أنَّ الخيار يثبت للبائع والمشتري معاً وليس للمشتري فقط، فصحيح أنَّ المبيع كان حيواناً أما الثمن فلم يكن حيواناً ولكن الخيار يثبت للبائع والمشتري معاً وليس للمشتري فقط رغم تصريح الروايات الخمس المتقدمة بكونه ثابتاً للمشتري لفقط، وقد استندنا في رأيهما هذا على رواية وهي:- وعنه عن صفوان عن ابي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا )[4] ،فهذه الرواية لم تفترض أن كلاً من الثمن والمثمن حيواناً وإنما قالت ( المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ) يعني إذا كان المبيع حيواناً فيوجد خيار ثلاثة أيام للمتبايعان وليس للمشتري فقط، فدلالتها واضحة إلى ما ذهب إليه العلمان.

وأما تعبير ( عنه ) الوارد في بداية سند الرواية فإذا راجعنا وجدنا أنَّ الموجود هو ( الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد ) فيكون المقصود من تعبير ( عنه ) أي الشيخ الطوسي عن الحسين بن سعيد، فإذاً السند معتبر.

وأما رأي صاحب المسالك:- حيث قال إذا كان المبيع حيواناً وكان الثمن حيواناً فآنذاك يثبت خيار الحيوان لكليهما، فثبوت خيار الحيوان لكيلهما مشروط بكون المبيع حيواناً والثمن حيواناً أيضاً أما إذا كان المثمن فقط أو الثمن فقط حيواناً فهنا يثبت الخيار للمشتري فقط كما ذهب إليه المشهور وهو ما ذهب إليه السيد الخوئي فيما يأتي، وقد استند صاحب المسالك على ما رواه الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صوفان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- البيّعان بالخيار حتى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام )[5] ،[6] فإنَّ الرواية قالت ( وصاحب الحيوان ) أي الذي يحصل على الحيوان فإذا كان الثمن هو الحيوان صار صاحب الخيار البائع وإذا كان المثمن كان حيواناً صار صاحب الخيار هو المشتري، فإذاً في حالة كون كل من الثمن والمثمن حيواناً يصدق أنَّ كلا الطرفين هو صاحب الحيوان فيكون الخيار ثابت لكلٍّ مهما.

كما أنَّ سند الرواية معتبر فإن أبو علي الأشعري هو أحمد بن إدريس الذي يروي عنه الكليني كثيراً، أما بقية السند فهم ثقات.

وتوجد رواية أخرى في هذا المجال وهي:- ( وعنه عن الحسن بن علي بن فضال قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول:- صاحب الحيوان المشترى بالخيار لثلاثة أيام )[7] ، فهي دلت على كون خيار الثلاثة أيام ثابت لصاحب الحيوان، ولكن ما هو المناسب في قراءة كلمة ( المشترى ) الواردة في الرواية فهل تقرأ ( المشترى ) بالألف أو تقرأ ( المشتري ) بالياء، فإنَّ قرأناها ( المشتري ) أصحبت تتلاءم مع القول الأول الذي يقول بثبوت خيار الحيوان للمشتري، يعني فرضنا أنَّ المبيع حيوان فصاحب الحيوان الذي هو المشتري يكون بالخيار لثلاثة أيام، كما يحتمل أنها تقرأ ( المشترى ) وعلى هذه القراءة يبقى المعنى نفسه ولا يتغير، لأنه إذا قلنا هو ( المشتري ) فسوف يصير بدل أو صفة من صاحب الحيوان، وأما إذا قلنا ( المشترى ) فسوف يصير صفةً للحيوان، فصاحب الحيوان الذي اشتُرِيَ - وهو المشتري - له الخيار ثلاثة أيام، فإذاً المعنى لا يتأثر من ناحية اختلاف القراءة لكلمة ( المشترى )، وبدلك يمكن أن نضم هذه الرواية إلى الطائفة الأولى من الروايات الخمس.

فإذاً توجد روايات متعددة فكيف نوفّق بينها وما هي النتيجة التي نخرج بها؟


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص13، أبواب الخیار، باب4، ح1، ط آل البيت.
[2] وقد نقلنا مرةً أن لعلي بن رئاب له أخٌ مخالف وكان ذلك الأخ مفرطاً في مخالفته وكانا يجتمعان في السنة مرة واحدة يتباحثان ثم يفترقان إلى السنة اللاحقة، هذا ما ذكره الأردبيلي في جامع الرواة، قال: - ( ذكر المسعودي في مروج الذهب أنَّ علي بن رئاب كان من عليّة علماء الشيعة وكان أخوه اليمان بن رئاب من عليّة علماء الخوارج وانا يجتمعان في كل سنة ثلاثة أيام يتناظران فيها ثم يفترقان ولا يسلّم أحدهما على الآخر ولا يخاطبه ).
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص12، أبواب الخیار، باب3، ح9، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص10، أبواب الخیار، باب3، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص5، أبواب الخیار، باب3، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص6، أبواب الخیار، باب3، ح3، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص9، أبواب الخیار، باب3، ح2، ط آل البيت.