الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 107 ) من مسقطات خيار الجلس اشتراط سقوطه في العقد أو اسقاطه بعد العقد، الفصل الرابع ( الخيارات ) الأول خيار المجلس- الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وأما السيد الخوئي(قده): - فله كلامان، كلام في رأيه القديم وكلام آخر في رأيه الجديد، ففي رأيه القديم كان يبني على بطلان شرط عدم الفسخ في العقود الجائزة[1] ، [2] [3] ثم في رأيه الجديد بنى على الصحة[4] .

ما رأيه القديم فحاصله: - إنَّ مرجع اشتراط أيّ شرط من الشروط إلى تعليق الالتزام بالعقد على تحقق ذلك الشرط، فلو قلت لك ( بعتك داري بكذا بشرط أن تخيط لي ثوباً ) فهذا الاشتراط مرجعه عرفاً إلى أني ألتزم بالبيع على تقدير خياطتك للثوب فإذا لم تخط الثوب فأنا حرّ من ناحية الالتزام بالعقد، يعني لي الفسخ.

ويمكن أن نعبر عمَّا ذكره بتعبير آخر فنقول: - إنَّ مرجع الاشتراط إلى أنه إذا لم يتحقق الشرط فلي الخيار، فمرجع الاشتراط إلى جعل الخيار في الفسخ والامضاء على تقدير عدم تحقق الشرط، وهذا شيء عقلائي وعرفي ومقبول.

فإذا اتضح هذا نأتي إلى محل كلامنا ونقول إنَّ البائع يشترط على المشتري فيقول له في عقد لمضاربة - الذي هو عقد جائضاربتك على أن لا تفسخ العقد، يعني أنه اشترط عدم الفسخ في العقد الجائز، وهذا الاشتراط باطل، لأنه ليس معقولاً، لأنَّ مرجع هذا الاشتراط إلى أنه إن فسختَ فأنا ليس ملتزماً بعقد المضاربة، يعني لي الخيار، هكذا يصير المعنى حسب ما ذكرناه في المقدمة الأولى حيث قلنا فيها إنَّ مرجع اشتراط كلّ شرط في أيّ عقدٍ إلى تعليق الالتزام بذلك العقد على تقدير تخلّف الشرط، وهنا في العقد الجائز كالمضاربة أنا قد اشترطت عدم الفسخ بناءً على تفسير الاشتراط إلى ما أشرنا إليه قبل قليل - من أن مرجع اشتراط الشرط في العقد إلى تعليق الالتزام بالعقد على تحقق ذلك الشرط أي بمعنى مرجعه إلى جعل الخيار للشارط في فسخ العقد -، وفي مثل هذه الحالة نأتي ونقول إذا اشترطت في عقد المضاربة عدم الفسخ فمرجع الاشتراط إلى أنَّ لي حق الفسخ، فأنا ألتزم بالمضاربة مادام لي حق الفسخ وإلا فأنا لست ملتزماً بها، يعني لي الخيار، ولكن نقول إنَّ هذا الشرط لغوٌ لأنَّ المضاربة من البداية هي معاملة جائزة في حدَّ نفسها وله حق فسخها من دون حاجة إلى جعل حقّ الاشتراط، فيكون هذا تحصيلاً للحاصل.

فإذاً هذا تعليقٌ للخيار على هذا الشرط والحال أنَّ الخيار ثابت بقطع النظر عن هذا الشرط، فسواء وجد الشرط أو لم يوجد فالخيار موجود في المضاربة لأنها معاملة جائزة في حدّ نفسها، فلا معنى لجعل شرط الفسخ في عقد المضاربة إذ مرجع الشرط إلى تعليق الالتزام بالمضاربة بتحقق هذا الشرط وأني ملتزم بالمضاربة على تقدير تحقق هذا الشرط والحال أني من البداية مخيّر في الالتزام بالمضاربة تحقق هذا الشرط أو لم يتحقق لأنَّ أصل المعاملة جائزة في حدّ نفسها، فذكر هذا الشرط يكون تحصيلاً للحاصل، فإذاً اشتراط عدم الفسخ في العقود الجائزة يكون لغواً بعدما فرض أنَّ مرجع الاشتراط إلى جعل حق الخيار على تقدير عدم توفر الشرط، لأنَّ عقد المضاربة من البداية هو خياري تحقق الشرط أو لم يتحقق، فعلى هذا الأساس يكون هذا الاشتراط غير وجيه في عقد المضاربة.

أما رأيه الجديد فحاصله: - إنَّ الاشتراط في العقود الجائزة كالمضاربة صحيح، كما قلت له ( ضاربتك بشرط أن لا تفسخ العقد )، غايته إذا فسخ العقد فقد عصى ولهيأة النهي عن المنكر تعزيره، فإذاً الشرط يقع صحيحاً فإذا فسخ وقع الفسخ نافذاً رغم كوه عاصياً.

وفي مقام التعليق نقول:- إنه يمكن أن نفصّل في تفسير الاشتراط ضمن العقد بين العقود اللازمة في ذاتها مثل البيع وبين العقود الجائزة، فمرجع الاشتراط في العقود اللازمة إلى تعليق الالتزام بالعقد على تحقق ذلك الشرط كما ذكر السيد الخوئي في رأيه القديم، فيف البيع حينما أقول له ( اشتريت منك الدار بشرط أن يكون طابو الدار صحيحاً ولا يوجد فيه تزوير ) فهنا مرجع الاشتراط إلى جعل الخيار، يعني إذا لم يكن الطابو صحيحاً وفق الشروط المقررة فأنا لي حق الخيار في الفسخ، وأما إذا كان العقد جائزاً في حدّ نفسه فالاشتراط لا يرجع إلى جعل الخيار لأن رجوعه إلى جعل الخيار يكون تحصيلاً للحاصل لأنَّ العقد في نفسه جائزاً، وإنما مرجع الاشتراط يكون إلى الالزام الشرعي باعتبار تحقق هذا الشرط وإذا لم يتحقق كنت عاصياً، لا أنه بعدم تحقق الشرط يثبت لي الخيار إذ الخيار ثابت من البداية تحقق الشرط أو لم يتحقق لفرض أن العقد جائز في حدّ نفسه.

فإذاً نحن نفصّل بين أن يكون الاشتراط ضمن العقد اللازم فيرجع إلى جعل الخيار أني لتزم بالعقد على تقدير تحقق هذا الشرط وإذا لم يتحقق الشرط فأنا ليس ملتزماً بالعقد يعني ليس الخيار في فسخه، وأما إذا كان العقد جائزاً فمرجع جعل الخيار ليس إلى ذلك لأنَّ المفروض أنَّ العقد في حدّ ذاته جائز وإنما مرجع الاشتراط إلى الالزام الشرعي بتحقق هذا الشرط وإذا لم يتحقق الشرط كان المشروط عليه عاصياً لا أنه يثبت لي الخيار لفرض أنَّ العقد في ذاته جائزاً، وبناءً على ما ذكرناه سوف يكون اشتراط عدم الفسخ صحيحاً في العقود اللازمة والعقود الجائزة معاً، غايته أنه في العقود اللازمة هو تعليق الالتزام، فأنا أعلّق التزامي على تحقق الشرط فإذا لم يتحقق الشرط في حق الخيار، أما في العقود الجائزة فمرجعه إلى الإلزام الشرعي لا إلى جعل الخيار لأنَّ العقد بذاته خياري.

وقد تقول: - ما هو مدرك هذا التفصيل؟

والجواب: - المدرك هو العرف فإنه يفهم ذلك، فحينما تشترط في باب البيع وتقول ( اشتريت الدار بشرط أن تكون سند الطابو رسمياً وليس مزوراً ) فالعرف والعقلاء يفهمون أنَّ سند الطابو إذا لم يكن رسمياً وصحيحاً فللمشتري حق الفسخ، أي مرجعه إلى جعل الخيار، وأما إذا كان العقد في حدّ نفسه جائزاً فمرجع الاشتراط ليس إلى جعل الخيار لأنَّ العقد في حدّ ذاته جائزاً وإنما مرجعه عرفاً إلى الإلزام بتحقق هذا الشرط، أما إذا لم يتحقق الشرط فلا ثمرة في إثبات الخيار لأنَّ العقد جائز في حدّ نفسه.

ولعل مقصود السيد الخوئي(قده) حينما تراجع في رأيه الثاني هو ما ذكرناه من التفصيل بين الاشتراط في العقود اللازمة والاشتراط في العقود الجائزة.


[1] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، تستسل38، ص103.
[2] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، السيد أبوالقاسم - الشيخ ميرزا علي الغروي، ج1، ص103.
[3] كما ذكره في حاشيته على العروة الوثقى، ج5، ص158، مؤسسة النشر الإسلامي.
[4] الحاشية على العروة الوثقى، الخوئي، وقد ذكر هذا الرأي في ذيل رأيه القديم.